ليس المطلوب من العرب اليوم أن يفكروا بشكل واحد وفي محتوى واحد، ولا هم مطالبون حتى بالنظر في اتجاه واحد... * * فقد أثبتت التجارب بأن الأحادية هي الطريق الأقرب لتكسير أي مشروع للوحدة، الأحادية مآلها حتما الإقصاء والإلغاء، وتعني بالضرورة أقلية تقرر لأنها تملك كل القوة، وأقلية مكرهة ومذعنة لأنها مصابة بكل الضعف، وهذا الحاصل في وطننا العربي منذ عقود، والناسي منا نذكره بجنين ولد ميتا كان اسمه ذات يوم "الجمهورية العربية المتحدة"، جاء إلى الدنيا من زواج غريب بين دمشق والقاهرة، ونذكره في المقابل بتجربة الاتحاد الأوروبي الناجحة، التي جمعت بين بلدان وشعوب لا يجمع بينها لا دين ولا لغة ولا تاريخ، ولكن مصالح الأمن والاقتصاد فقط..إنها الفكرة التي أجادت الإعلامية الجزائرية المرموقة خديجة بن قنة بالخوض في بعض تلافيفها، على هامش ندوة "الشروق" الثقافية أمس. * المطلوب من العرب اليوم أن يفتحوا آذانهم لبعضهم وأن يفتحوا قبلها صدورهم..أن يتعلموا اختراعا جميلا وغير مكلف اسمه "الإصغاء"..أن يعرفوا بأن الآخر ليس بالضرورة هو الخصم أو العدو، وبأن هذا الآخر يمكن أن يتكلم نفس لغتي ويدين بنفس عقيدتي، لكنه يختلف عني في أشياء أخرى كثيرة..في تقاطعات التاريخ، وفي طبيعة الجغرافيا، وفي جنس المؤثرات الخارجية، وفي مآلات الاقتصاد والسياسة والاجتماع..الغريب أننا نحن العرب نسقط كل هذه المعالم من أجندة أحاديثنا عن الوحدة والاتحاد، وكأننا نلغيها من الوجود، أو نعتقد بأنها غير ذات قيمة، والحاصل أننا قضينا عقودا، ولا زلنا، نحرث في الماء، ونزرع في الأرض البور، و"نضرب الريح بهراوة"، لأن الإلغاء مستحيل، والإنقاص من القيمة، غباء أو دجل، أو كليهما معا. * التفكير في الوحدة إذا، يجب أن يمر حتما عبر فتح قنوات الحوار والجدل بين الرأي والرأي الآخر، عبر الاعتقاد الجازم بأن الحرية والديمقراطية والحق في الاختلاف، ليست قيما سوريالية ولا أفكارا هدامة، وبأن الإبداع يمكن أن ينجح أين فشلت السياسة، حينها فقط يمكننا بلوغ مرحلة ما قبل الوحدة.. مرحلة لا يلغي فيها الاتفاق على نبل الهدف الخلاف حول شكل تحقيقه والوصول إليه.