ميلاد "الفيدرالية الوطنية للصحفيين الجزائريين" جاء بعد مخاض عسير ومحاولات تكتل عديدة سعى من خلالها زملاء المهنة إلى التموقع في المشهد النقابي الجزائري، لمعالجة كثير من الأوضاع المزرية التي يعاني منها حملة الأقلام والدفع بمهنة المتاعب نحو فضاءات أرحب. * لاسيما وأن الصحافيين لم ينعموا بوضع مريح بعد التعددية التي قاد نفقُها إلى دوامة عنف وإرهاب جعلت الصحفي غرضا مستهدفا للقتل على أيدي الإرهابيين، وعُرضة للتعسف الذي مارسته السلطة إبان حربها على الإرهاب، مما استدعى كثيرا من الانتقادات في الداخل والخارج. * هذا المخاض العسير جاء بعد فشل النقابات الصحفية السابقة في استيعاب المتغيرات واستقطاب الصحفيين بالدفاع عن قضاياهم، حيث تحولت إلى جمعيات موسمية تبني تكتلاتها بناء على عصبية جهوية أو توجه أيديولوجي، كما زاد الأمر تعقيدا إحجامُ السلطة عن إنجاز كثير من المشاريع المرتبطة بالصحفيين بحجة غياب شريك فاعل تقوم بالتواصل والتنسيق معه. وقد جاءت هذه الفيدرالية لتسد بعض النقص، وليس كله، في انتظار ما سيُسفر عنه نشاط زملائنا في الميدان، ورؤية مدى نجاعة هذه التكتلات النقابية في تنظيم المهنة ووضع إطار واضح ولائق بالصحافيين، من أجل تطوير الصحافة وتطوير إمكانيات مستخدميها في مجالات التكوين، ورفع تحدي ترقية نطاق الحريات الصحفية والضغط على السلطات لتفتح المجال أمام مزيد من الحريات الإعلامية والحقوق الإجتماعية، وهي تعتبر شرطا أساسيا في تقدم الجزائر نحو دولة المؤسسات التي تعتبر الصحافة الحرة والمسؤولة إحدى أهم دعائمها وركائزها، وليس المطلوب اليوم اتخاذ هذه النقابة مجرد أداة للضغط على الناشرين بما يتناقض ومصلحة الإعلام والصحفيين أنفسهم. * إن قطاع الإعلام في الجزائر، بمختلف مجالاته، يواجه تحديات كبيرة، من حيث نوعية المادة الإعلامية ومن حيث مواكبتها للمتغيرات العالمية ومن حيث تماشيها مع الرسالة الحضارية للإعلام، وهو ما ينبغي على هذه الفيدرالية الفتية أن تضعه في حسبانها، لأنه ليس من المطلوب اليوم خلق فضاء نقابي جديد مستنسخ عن سابقيه، يعرف نفس المسارات التي تنتهي بتحييده وإفقاده فاعليته، ومن ثم مصداقيته، وإنما المطلوب اليوم إيجاد شريك نقابي فاعل يعكس طموحات الإعلاميين في تنظيم مهنتهم والحفاظ على حقوقهم وتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وكذا تعزيز طموحاتهم في صنع فضاء إعلامي حر ونزيه، يستوعب كل التيارات والأفكار والرؤى، دون إقصاء أو تدجين، ودون وصاية أو احتكار. وقد كُنّا نُفضِّل أن تسمح الدولة بتأسيس نقابة مستقلة لا تنضوي تحت عباءة الاتحاد العام للعمال الجزائريين التابعة للسلطة والخاضعة لمزاجيتها، لمزيد من التحرر من الوصاية المضروبة على القطاع، ولكننا وفق قاعدة "ليس في الإمكان أبدع مما كان" نعتبر ميلاد "الفيدرالية" خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. * من المفترض أن تكون فيدرالية الصحافيين فضاءً لكل الصحافيين، وليس لجهة دون جهة، ومن المفترض أن تكون مشاكل الصحفيين المهنية والاجتماعية هي الهاجس الأول لها، فإذا رُفع هذا التحدي، أمكننا أن نقول، بأثر رجعي، إن هذا التأسيس يُعتبر حدثا مفصليا إيجابيا في تاريخ الصحافة الجزائرية، وليس العكس.