سفيان/ تصوير:يونس.أ له ملامح رجل عادي وبسيط، بدا شكله رياضيا، قوي البنية، ذو لحية كثيفة، عينان سوداوين.. كان يرتدي سروالا قصيرا (بونتاكور) ويحمل على كتفه حقيبة صغيرة.. * * لا ملامح وجهه ولا هيئته توحي بأنه واحد من أتباع بن لادن، لكنه مع ذلك اختطف في مشهد هوليوودي.. ليتم بيعه ب 300 ألف دولار.. لأول مرة حقائق مثيرة عبر "الشروق" في مشاهد اختطاف المسلمين وبيعهم لقوات المارينز. * * * عندما أخبروني بأنك سفيان العائد من غوانتنامو استغربت كيف ألصقوا بك تهمة المقاتل العدو رغم هيئتك الغربية لم يشفع لك حتى طول شعرك من أن تقتاد إلى معتقل غوانتنامو بتهمة التطرف والإرهاب؟ * ** (يبتسم قليلا) ثم يرد قائلا: ولم تشفع لي أيضا حتى مهنتي كمربي خيول في جورجيا، تزوجت بروسية وأنجبت منها طفلة، حياتي تغيرت، وفي فترة قصيرة استطعت ان أكوّن ثروة، لكن أعتقد ان المسلم والعربي يبقى داخل هذه المجتمعات غريبا.. أحداث 11 من سبتمبر قلبت كيان كل المسلمين، وفي أي منطقة من العالم أصبحوا مستهدفين. * * * سفيان هو اللقب الذي يطلق عليك، هل تستطيع ان تفصح لقراء "الشروق" عن اسمك الحقيقي، وكيف كانت حياتك قبل الاعتقال؟ * ** طبعا أنا لست إرهابيا ولا مجرما، اعتقلت ظلما وجردت من أموالي وعائلتي، تعرضت لتعذيب نفسي وجسدي، أنا واحد من أبناء وهران (سانتوجان) اسمي الحقيقي الهواري عبار، اتجهت إلى روسيا بحثا عن عمل واستقريت بجورجيا، جذبتني مهنة تربية الخيول بعد ان تعرفت على زوجتي الروسية واشتركت مع صهري في تربية الخيول حتى استقريت كان وضعي المالي مرتاحا، أصبحت لي عائلة زوجة وطفلة، كان لي أصدقاء من جورجيا كما كان لي أصدقاء من العرب المسلمين، لم تكن لي خلافات ولا أعداء، فأنا طبعي مسالم... * * * كيف تم اعتقالك وفي أي سنة، هل حاولت بعد 11 من سبتمبر العودة إلى الجزائر، هل شعرت بأنك مطارد في روسيا.. حدثني عن لحظات اعتقالك؟ * ** كثيرون هم أولائك العرب المسلمون من اعتقلوا وزوجوا به في سجون كابول وباكستان، لكن العالم لا يعلم أن الكثيرين أيضا تم بيعهم لأمريكا تماما مثل العبيد، أذكر أن اعتقالي كان مريبا، لم اعتقل من قبل قوات الشرطة أو الأمن، لقد طوردت من قبل مافيا حقيقية، حدث ذلك عام 2002، اعترض طريقي أكثر من 60 شخصا في إحدى طرق جورجيا في كمين نصب لنا على الطريق، كنت رفقة صديق جزائري لي يدعى ''جمال بودراع'' حاصرونا وتأكدوا من هويتنا، أرغمونا على ركوب السيارة ثم ساروا بنا إلى غابة كثيفة الأشجار... * * * هي إذن عملية اختطاف، هل تعتقد أن الروسيين أبلغوا عنك المافيا، هل كان لك اعداء وماذا فعلوا بك بعد الاختطاف؟ * ** اقتادونا بعدها في سيارة باتجاه غابة كثيفة الأشجار لم أتمكن من معرفة المكان، كنت اعتقد أنها جماعات لصوصية لكن عندما بدأوا يتفاوضون مع أشخاص آخرين عن الثمن المطلوب أدركت أن ويلات 11 من سبتمبر قد حلت، المافيا الروسية استلمت 300 ألف دولار مقابل تسليمنا لأمريكا.. رغم خطورة الأمر لكن إيماني بأني بريء من تهم التطرف والإرهاب سيفرج عني لا محالة لكن... * * * احتفظوا بك في روسيا، هل حولت هناك إلى محاكمة، ماذا حدث بعدها قلت بأنك كنت تملك أموالا، هل سمعت عائلتك بالخبر، هل وكل لك محامي للدفاع؟ * ** القضية جرت بسرعة وكأن كل شيء كان مرتبا، لم يسمح لنا بالدفاع عن أنفسنا، حولت على متن طائرة أمريكية (يتنفس قليلا.. ثم يصمت ويضيف قائلا) كل أنواع الظلم مورست علينا، عوملنا وكأننا حيوانات منبوذة، وضعوا القيود في يديّ وحتى في رقبتي، لم أشعر ماذا يحدث لي ولا إلى أين ذاهب حتى وجدت نفسي في سجن كابول، لحظتها قالوا لي أنت تشكل خطرا على أمريكا وحلفائها.. * * * كنت مع صديقك "جمال. ب" أم رحلت بمفردك، كيف كان وضعك في سجن أفغانستان، هل حوكمت بتهمة الإرهاب، وهل عذبتم قبل ترحيلكم إلى غوانتنامو؟ * ** تم تحويل سبيل صديقي جمال إلى سجن '' البنسيل'' في شمال أفغانستان لمدة عامين، بعدها سمعت أن صديقي تم تحويله على الجزائر وسمعت بأنه اعترف تحت التأثير.. أما أنا فسجنت لمدة سنة كاملة في سجن الظلام تحت الأرض في أفغانستان.. كنت أطوق إلى الفرج في كل لحظات حياتي، لم أكن أدري ماذا يحدث من حولي واستفقت مجددا وأنا في سجن آخر أكثر رعبا وتعذيبا وألما... إنه غوانتنامو. * * * لحظات مؤلمة بلا شك.. تعذيب نفسي وجسدي. قيل الكثير عن غياهب سجن غوانتنامو. لكن كما قال سامي الحاج مهما قلنا لن نستطيع تصوير حقيقة الظلم والألم.. لا نريد أن ننبش في ماضٍ مؤلم، لكن هل تستطيع أن تصور لقراء "الشروق" مشهدا مؤلما داخل غوانتنامو. * ** كنا نمرض ويعالجوننا بالمرض، أدويتهم كانت نوعا من الجنون، أذكر أنه عندما شعرت بآلام ضرس كنت أصرخ من شدة الوجع، وعندما اقتادوني إلى الطبيب فتح فمي بسكين حتى يرى الضرس جيدا، لم يضعوا لي أي مسكنات واقتلع الضرس بكل برودة دم، كان يشعر هو بالسعادة وكنت أشعر انه يقتلع حياتي وروحي حتى شعرت بالندم لأني أخبرتهم أن لي ضرسا يؤلمني.. ناهيك عن التعذيب النفسي الأكثر ألما، إنه مهما تكلمت لن أصف مرارة ما عشناه من جحيم. * * * مكثت في سجن غوانتنامو من 2002 إلى غاية 2008.. حوالي سبع سنوات، عاشرت الكثير من العرب المسلمين لحظات محاكمتك وخروجك من السجن، هل أخبرك الأمريكان بشيء، هل فضلت العودة إلى روسيا أم الجزائر؟ * ** أخبرتني المخابرات الأمريكية عن الوجهة التي أريد الذهاب إليها فأخبرتهم أني أريد العودة إلى روسيا، لقد تركت عائلتي وتركت أموالي أخبروني أنه لم يعد لي شيء هناك المافيا التي باعتني لهم أخذت كل شيء، هم لم يكتفوا ببيعي وإنما اخذوا أموالي، قلت لهم أريد أن أرى زوجتي وابنتي فأخبروني أن المافيا الروسية ستقتلني ولن تتركني حيا ففضلت العودة إلى الجزائر. * * * عدت إلى الجزائر ووجدت عائلتك.. كيف كانت أجواء العودة، هل كانت تدرك بعودتك وأنت تخضع للتحقيق هنا في الجزائر؟ * ** أطلق سراحي بتاريخ التاسع من نوفمبر عام 2008، عدت إلى وطني، استقدمت في طائرة أمريكية، خرجت من السجن وأنا أرتدي اللباس الأبيض للسجناء، عندما فتحت الباب على عائلتي في وهران أغمي على زوجة والدي وهي مثل أمي، لم تكن عائلتي تدري بتاريخ عودتي، اشتقت إليهم وإلى وهرانوالجزائر.. تغير كل شيء حتى أنا تغيرت، لقد حطموني في غوانتنامو، ومنذ عودتي وأنا ضائع، جحيم الواقع المر يطاردني.. * * * هل لديك شيء تقوله أو رسالة تريد أن توجهها إلى السلطات؟ * ** إذا كان هناك شيء يستحق الشكر فهو وطني الذي لم يتخلَّ عنا واستقبلنا معتقلين سابقين كثيرين رفضت بلدانهم استقبالهم بالرغم من براءتهم هنا في الجزائر، استقبلنا استقبالا جيدا، شعرت بالحرية في وطني، لكن لا أزال لا أتمتع بالبعض من حقوقي، فأنا لا املك جواز سفر، أرغب في الذهاب إلى روسيا لأرى زوجتي وابنتي، أريد ان أسترجع أموالي، لقد اخذوا سبع سنوات من عمري.. هنا في وهران وجدت نفسي بطالا بلا عائلة، بلا وظيفة، أنا واثق أن بلدي لن تتركني..