صورة الشروق ...رافقنا الأحد ، فرقة "الصاعقة" الى أحد أخطر الأحياء القصديرية شرق العاصمة في عملية تمشيط .. هناك وقفنا على حياة خارج إطارها الطبيعي، بل لا ملامح للحياة الكريمة فيها، ولم يكن أبدا ممكنا الولوج الى داخل الحي الذي يضم حوالي 2000 بيت قصديري والعديد من المسبوقين في قضايا الإجرام، دون مرافقة أفراد فصيلة الأمن والتدخل التابعة لقيادة الدرك الذين قاموا بإنزال سري أسفر عن توقيف أحد أخطر المجرمين المعروف ب"جمال" بعد ملاحقة عشنا تفاصيلها على المباشر. * * * إدراج "النينجا" في أغلب المجموعات الولائية لمواجهة مخلفات الإرهاب * كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحا عندما وصلنا الى مقر الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني بالروبية شرق العاصمة في مهمة لمرافقة أفراد فصيلة الأمن والتدخل التابعة للمجموعة الولائية للدرك الوطني لولاية الجزائر بالتنسيق مع الفرق الإقليمية التابعة للكتيبة. * الفصيلة تعرف أيضا باسم "الصاعقة" وهي "كوموندوس" تابع لقيادة الدرك الوطني مختصة في التدخلات النوعية والصعبة في إطار مكافحة الجريمة المنظمة بما فيها الإرهاب، تم إنشاؤها قبل حوالي سنة لمواجهة تطور الإجرام، ويخضع "الصاعقة" دوريا لإعادة التأهيل، وتتوفر المجموعة الولائية للدرك بالعاصمة على 3 فصائل نظرا لخصوصيتها. * * "الهربة"... راهم جاو "النينجا تاع الجدارمية" * الوجهة كانت الحي القصديري "الكروش" الواقع بالرغاية، وتم اعتماد مخطط أمني "سري"، حيث تنقلنا إليه رفقة حوالي 80 دركيا من الفرق الإقليمية مدعمين ب"الصاعقة"، وحرص الرائد رضا بوخنفوف قائد الكتيبة الإقليمية للدرك بالرويبة وهو يخاطب عناصره على ضرورة التحلي بالصرامة واليقظة عند تفتيش الأشخاص وعدم الرد على الإستفزازات "أنتم جميعا معرضون للأخطار، قد تواجهون حاملين لخناجر وشفرات... أطلب منكم مضاعفة اليقظة"، وتم تدعيم فرق التدخل بالفرق السينوتقنية التي تضم كلابا بوليسية مختصة في الملاحقات ومكافحة تهريب المخدرات. * دخلنا الحي من جهة ولاية بومرداس حتى لا يتفطن أحد للمداهمة، وتم تطويق جميع المداخل لإحباط أية محاولة فرار، وانتشر رجال الدرك في الزوايا الرئيسية للحي في "إنزال" مفاجئ أثار حالة استنفار قصوى وسط الشباب الذين سارعوا لاستخدام هواتفهم النقالة و"تفعيل الاتصالات"، وتم ضبط شاب يهاتف صديقه"الهربة راهم جاو الجدارمية النينجا"، ويقصد بهم أفراد فصيلة الأمن والتدخل، حيث يبقى الخيار الوحيد للإفلات منهم، ليوضح لي الملازم الأول بدر الدين عبداوي، نائب قائد الكتيبة الإقليمية للدرك الوطني للرويبة الذي كان المسؤول عن الدورية، أن هؤلاء يقومون بإبلاغ أصدقائهم بتواجد رجال الدرك "لاتخاذ احتياطاتهم"، وهو ما عايناه ميدانيا بمحاولة العديد منهم "الفرار" من الحي، ليتم ضبطهم وإخضاعهم للتفتيش، ولاتبدو المهمة سهلة في ظل تبني العديد من الموقوفين لمراقبة وثائقهم العنف، وقال أحدهم لدركي "ما تقلبنيش"، مؤكدا أنه لا يحمل شيئا، ورغم محاولات التأكيد على أن التفتيش عادي وهو الذي يكشف مزاعمه، إلا أن الشاب استمر في الاحتجاج قبل أن يتدخل احد أفراد "الصاعقة"، وكان يكتفي أن يقترب منه ليتراجع ويخضع دون التعليق ورفع يديه الى السماء، مشهد استوقفني في عدة حالات، حيث يرفض المستجوبون مرافقة أفراد الدرك الى مقر الفرقة لتعريفهم، فأفراد فصيلة الأمن والتدخل يرتدون بذلة "كومبا"، ويضعون قبعات صوفية على رؤوسهم وواقيات رصاص، ولديهم طريقة سير عسكرية مميزة، وكانت أقدامهم لا تلمس الأرض لخفتهم وسرعة خطواتهم، وأدركت حينها خلفية إقحامهم في جهاز الدرك الوطني، وأيضا لماذا يثيرون "مخاوف" المجرمين لصرامتهم وتشددهم. * * زوجة مجرم سجين: عبدو "راح يحج" * وكان طبيعيا أن يثير الإنزال فضول وتساؤلات سكان الحي في هذا اليوم الصباحي، حيث خرج الأطفال المتواجدين في عطلة جماعات يلاحقون رجال الدرك، بينما كانت تطل ربات البيوت من الأبواب مستفسرات ضمنيا، إحداهن ألقت التحية على قائد فرقة الدرك ليسألها عن "عبدو" زوجها بالقول: "راهو يحج؟"، وتكتفي هي بالرد رافعة يدها للسماء "نعم ..."، وأعلمني الملازم الأول عبداوي أن زوجها ينتمي الى الشبكة الإجرامية التي تم تفكيكها مؤخرا ومختصة في الاعتداءات بالسلاح الأبيض على مستعملي الطريق الوطني رقم 5 المحاذي للحي، حيث كان هؤلاء يترصدون سائقي السيارات ويقومون بسرقة هواتفهم وأموالهم قبل الفرار باتجاه الوادي، حيث تصعب ملاحقتهم، ويتواجد 11 فردا من سكان هذا الحي في السجن على خلفية هذه الاعتداءات. * مررنا بمحل صغير لبيع الحلويات والسجائر والعطور، هو ملك ل"كانيش" أحد المسبوقين قضائيا في الاعتداء باستعمال السلاح الأبيض، تم الإفراج عنه مؤخرا، ولم نجده هناك هذا اليوم، لكن "البراكة" خضعت للتفتيش، ويحمل أغلب الشباب أسماء مستعارة، و"كانيش" يلقب كذلك، لأنه يملك شعرا طويلا (...)، كما لكل حي في هذا الحوش الكبير "اقليم" خاص وحدود يمكن معرفتها من خلال الوديان الفاصلة بينها والقمامات، فلكل حي "مزبلته"، ووجدنا صعوبة في التنقل بسبب الأوحال المتراكمة، فالطرقات منعدمة وكل مظاهر الحياة، الممرات الترابية تعرقل السير إضافة الى انتشار القمامات التي تنبعث منها رائحة لا تطاق إضافة الى رائحة الوادي، علقت ربة بيت على استيائي "حنا والفنا"، كانت تحمل رضيعا عاريا، لا يرتدي سروالا ووجهه وسخ وشعره غير مصفف، إلى جانبها طفلة جميلة الملامح، حافية القدمين، تحمل دلاء لملء الماء، قالت لي إنها تدرس في السنة الثالثة، وأكدت لي بفخر "أنها لا تشعر بالبرد"، كأنها تقاوم قدرها والظروف التي فرضتها عليها... اسمها فاطمة الزهراء، لم تختر هذه المعيشة، وكان يمكن أن تحمل بدل الدلو في هذه العطلة دمية صغيرة، لكن الحي ينعدم لأدنى ظروف المعيشة الكريمة، في "حوش الكروش"، لا توجد طرقات معبدة أو منازل "محترمة" وتنعدم النظافة، ويقضي الصغار أوقات فراغهم في اللعب وسط القمامات والوديان ويجهلون العديد عن الحياة الطبيعية، "لقد ركضوا وراء الكلاب البوليسية"، قال أحدهم الذي تحلى بشجاعة وهو يخاطب الرائد بوخنفوف بعد أن أثاره حجم الكلب البوليسي "عمو ..ع مو هذا كلب أم حمار؟"، وانفجر رفقاؤه بالضحك ليطلب منهم الاقتراب منه، و كانوا سعداء وهم يحيطون به ويأخذون صورا برفقته، لكن مصير أغلب هؤلاء الأطفال يبقى مجهولا ومخيفا أيضا نظرا للبيئة التي ترعرعوا فيها، فأغلب الشباب في هذا الحي يسيرون الى الانحراف وتعاطي المخدرات والأقراص المهلوسة لتجاوز قساوة الحياة، الحرمان والبطالة والتهميش، أو الى "الالتزام"، لقد صادفنا العديد منهم باللحية والقميص مع نصف ساق، أحدهم مراهق في ال14 من عمره، تم طرده من المدرسة وهو حاليا بطال، وهو ما جعلهم "مستهدفين من طرف الجماعات الإرهابية" التي حولت أبناء الأحياء القصديرية الى انتحاريين، وعلق أحد شباب الحي متألما من وجهة نظري "طبعا، لا تنتظري أن يخرج من هذا الوضع إطارات دولة وصحفيين للأسف". * * أس أو أس... أطفال "الكروش" في خطر * عملية جرد السكنات الفوضوية تمت في وقت سابق، لكن يبدو من خلال الأرقام أنها ليست الأولى، وجدنا منازل، إن صحت تسميتها، تحمل أكثر من رقم على نفس الباب، بالداخل، يكتشف الأمر "ميزيرية ببذلة"، كما علق زميلي الصحفي فريد بلقاسم من جريدة "ليبرتي" الذي رافقني في هذه الخرجة، لا أثر لملامح مسكن، والروائح الكريهة كانت تلاحقنا، وكان يعترض طريقنا إوز، بط، دجاج، ماعز والكلاب الضالة والمتشردة. * تنقلنا بعدها بحذر الى المنازل المحاذية للواد، بعضها كان مغلقا ب"كادنة"، أشار إلي الملازم الأول عبداوي "كانت أوكارا للدعارة ومحشاشات للمخدرات، لكن المداهمات المستمرة حالت دون ذلك".. في لحظات، رأيت "الصاعقة" يركضون كأنهم يقفزون ثم اختفوا، قال لي الملازم الأول عبداوي أمام خوفي "لقد تم ضبط جمال.."، جمال هو أحد المجرمين محل بحث لتورطه في شتى أشكال الإجرام، ولم يكن المحققون يملكون عنه أدنى معلومات عن هويته الحقيقية لتحفظ "أتباعه" عن الكشف عنها خوفا من الانتقام منهم، الرجل متورط في السطو، الاعتداء المسلح المتبوع بالسرقة، الدعارة، ونحن نتحدث، رأينا "النسور الخضر" كما يلقبون يقودون المجرم، سألت الملازم الأول شرفي قائد فصيلة الأمن والتدخل "تمكنتم من القبض عليه؟"، ليرد مبتسما "طبعا.. هذه مهمتنا..."، الملاحقة لم تدم طويلا ويعرف بأنه "جن" و"فليشة" سريع الحركة، ليسقط أخيرا بعد أشهر من الفرار. * تنتهي عملية التمشيط بحجز أسلحة بيضاء، وكمية من الكيف المعالج وإخضاع 56 مشتبها للتحقيق وتعريف هويته، تم وضع 3 منهم تحت النظر، فيما يجري التحقيق في حالة 53 آخر.. قد يفتقد سكان حوش "الكروش" لأدنى الحقوق، لكن على الأقل لديهم الحق في الأمن، يقول الرائد بوخنفوف "مهمتنا ضمان أمن الناس وممتلكاتهم هنا، خاصة في الأحياء القصديرية"، مشيرا الى أنه تم تجنيد دوريات لمنع بناءات جديدة، وأيضا لفرض الرقابة بعد ان تحولت هذه الأحياء الى قواعد خلفية للإجرام.