كلما التقى الفريق الوطني في المواعيد الكروية الهامة تصبح الجزائر كلها يدا واحدة وصوتا واحدا. وسؤال بسيط والإجابة عليه لا تتطلب أكثر من جولة في شوارع 48 ولاية، لتشهد روح التضامن والعزم على مؤازرة أشبال سعدان والاحتفال بأعراس الجزائر. البارحة كشف الشعب عن وجه مألوف ولكنه غير مألوف بالنسبة للذين لا يؤمنون بتلاحم الشعب الجزائري واستثنائيته في التعبير عن حبه لكل ما يمثل هذا البلد، ليس في هذه المرة على بعد 6 ساعات من التحليق في الطائرة للوصول إلى بانغيلا، إذن هم 850 ''متيما'' بحب الخضرا والسفر بعد دفع 6 مليون من أجل ألوان الراية ولا شيء سواها.... الزواولة ليهم القزول حالة استثنائية وغير اعتيادية عاشها مطار هواري بومدين، فجر أمس، مع توافد المئات من الشباب والشيوخ اجتمعوا وأحبوا وعزموا على اللحاق برفاق الماسيترو مراد مغني، لكن ليس كل الذين حضروا كان لهم مبتغى امتطاء إحدى الطائرات الأربع للجوية الجزائرية المتجهة إلى بانغيلا، فقبيل الوصول الى محطة الركوب بأكثر من 500 متر، تمركز العشرات من عناصر الشرطة مدعمين بأفراد مكافحة الشغب يمنعون دخول من لم يحصل على تذكرة الذهاب ولن يسمح بالدخول تحت أي ذريعة كانت. الشفقة ارتسمت على كل من حضر الى المطار وهو يشاهد توسلات العشرات إلى الشرطة، ظنا منهم أن الذهاب الى بانغيلا سيكون بالمجان مثلما حدث في موقعة أم درمان، لكن ''الزواولة'' الميتمين بحب الخضرا كيف لهم أن يجمعوا 6 ملايين للتنقل. المساكين أوصوني أن أنقل هذه الرسالة ''يا الرايس أدينا نسيبروتيو الخضرا ماعندكم ماديروا بينا اهنا'' حالة التعب والهيستريا والانفعال التي تملكت ''الزواولة'' لم تمنعهم من إحداث نوع من الفرجة وهذا بالأهازيج والغناء فرحا وتفاؤلا بانتصار الفريق الوطني على المصرييين. تركناهم حزنين منهزمين يفترشون الكارطون ويتهمون ''الدولة تنصلت من وظيفتها وعجزت عن التكفل بهم في مهمة وطنية استدعوا إليها في أنغولا''. أصحاب الشكارة لا يبالون ب 6 ملايين ماشي خسارة في الخضرا داخل محطة الركاب تجمهر العشرات من ''أصحاب الحظوة'' ممن ظفروا بالتذكرة بعد دفع 6 ملايين عدا ونقدا، ما إن تدنو منهم تنبهر بذلك الجو الحماسي الذي صنعوه سلاحهم آلات موسيقية بسيطة وأعلام وطنية زاهية تنم عن حب للوطن وافتخار بالانتماء إليه. احترت عند دخولي الى البهو أي الجماعات سأقف عندها، والأهازيج منبعثة من كل ناحية وكل واحد يتحدى الأخر في أداء الأفضل مرددين في ''خاطر الخضرا والشيخ سعدان''، و''وان توتري فيفا لاجيري''''، وكلهم تزينوا بألبسة رياضية تحمل ألوان الراية الوطنية الباهية والأعلام المقدمة لهم من الحماية المدنية في أيدهم ومرفوقين بالمطكويات المقامة لهم من نفس الجهة للتحلي بالروح الوطنية وتشريف الوطن. دنوت من صاحب أكبر طبل الذي دوى به قاعة المطار، كان شابا في أواخر العشرينات يبدجو من ملامحه أنه مرتاح ماديا وسألته: تبدو متفائلا، يجيب بصيغة الجزم ''نعم، سنفوز إن شاء الله''، ويواصل بكل همة ''نحن مجندون بالروح الرياضية وحب الوطن''. وحب الوطن حسب محدثي مصطفى من الرغاية''لا يهم أن أدفع 6 ملايين للذهاب الى بنغيلا، المبلغ ليس مرتفعا على الأقل من وجهة نظري وحسب مدخولي الشهري''، ورغم ذلك، كان أمل مصطفى ان يبادر الرئيس بوتفليقة بأن يزيد من دعم تخفيض التذكرة لزيادة عدد المناصرين مع استحالة تكرار تجربة أم درمان. أسال صديقي مصطفى وهو كذلك من الرغاية ''الجانب الآخر من المدرجات سيوجد بها عدد من المصريين، كيف ستتصرفون؟''، دون تردد يجيب ''نحن نحب االرياضة ونتحلى بالروح الرياضية هذا ما كنا عليه في القاهرةوأم درمان ونكون عليه في بانغيلا، لكن بطبعنا الجزائري فسنرد على الاعتداءات إن حصلت''. بعد وقت ''مستقطع'' مع أصحاب الطبل العظيم، تركتهم لينشدوا أحلى الاهازيج توجهت الى شاب يرتدي لباسا ترقيا هو بحق ''الرجل الأزرق''، اسمه محمد من تامنراست قطع أكثر من 2000 كم للوصول إلى العاصمة منها الى بانغيلا، لم يبال بالمسافة ولا بتذكرة الطائرة، فالكل يهون لمؤازرة الخضر في موقعة نصف النهائي. تعجلت الخروج من جموع المناصرين، لأصل الى طابور طويل يصل قاعة المطار الى غرفتين صغيرتين، وقبل أن أصل لمحت ''أصحاب المآزر البيضاء''، كانوا حوالي 15 عنصرا يقومون بتلقيح المناصرين من الحمى الصفراء قبل صعودهم الطائرة وسيسلم لهم دفتر تلقيح دولي، كما سيستفيد أنصار الخضر الذين سيتوجهون إلى أنغولا من علاج في شكل أقراص ضد حمى المستنقعات. المناصرون يحاصرون بوعبد الله ويطالبون بالرأفة غادرت الغرفة الصحية لتنفجر القاعة لما وصل المدير العام للخطوط الجوية وحيد بوعبد الله في حدودة الساعة 6 صباحا، والتف حوله العشرات مرددين ''البييي غالي البييي غالي''، و''خاوتانا راهم برويستناو''، ومع شدة الزحمة التي وقع فيها بوعبد الله لم يتمكن من الوصول الى مركز أمني الا بصعوبة ومع تدخل حرس خاص كانوا بالزي المدني الذين أجبروا على دفع المناصرين لفتح الطرق أمام المدير العام، استغللت تلك الفرصة لأدخل الى قاعة الركوب مع المدير العام الذي نقلنا إليه استياء العشرات ممن لم يسعفهم الحظ في اقتناء التذكرة، فأجاب '' قررنا تخصيص 1000 مقعد ولا يمكن تكرار تجربة السودان''، ويقر بوعبد الله بغلاء التذكرة لكن ما باليد حيلة. واصلنا مرافقة المناصرين بعد الخروج من من قاعة المطار وامتطاء الحافلة التي توصلهم إلى الطائرة، لم تختلف الأهازيج والمشاعر داخل الحافلة عن قاعة المطار سوى باختلاف الأوجه فقط، فالكل كان على قلب رجل واحد مناهم الفوز على المصريين مثل الذي كان في السودان. وللفتيات والملتحين نصيب لمحت وأنا وسط المناصري داخل الحافلة، فتاة في مقتبل العمر ظننتها للوهلة الاولى انها موظفة بالمطار، لكن ظني كان مخطئا، فنسرين العاملة في وكالة سياحية كانت من المتوجهين الى بانغيلا متحدية كافة الصعاب بالقول ''لم أشعر بضيق وأنا وسط الذكور ومتوجهة إلى أنغولا، لقد كنت حاضرة في القاهرة وشاهدة على ما تعرضنا له، وهذا ما دفعني لتكرار التجربة هذه المرة''، نسرين العاملة في المجال السياحي تعرف جيدا أسعار التذاكر، ف 6 ملايين الى بانغيلا قالت بشأنها ''معقولة للغاية''. في الجانب المقابل من الحافلة كان هنالك كهل ملتحٍ بقميص، إن رأيته خارج الحافلة فتجزم بأن لا علاقة له بكرة القدم والفريق الوطني، فالظاهر أنه من أصحاب الدعوة، هو عمي الشريف ذو60 سنة لم يحمل معه من مدينة العلمة التي ترك فيها عائلته سوى راية وطنية وحقيبة يدوية، اللحية الكثيفة كانت الدافع لأساله ''لم نعهد أن أصحاب اللحي مهتمون بكرة القدم''، يجيب ''نعم أصحاب اللحي لا تعنيهم كرة القدم لكن تعنيهم الجزائر وفريقها الوطني''، ويؤكد ''أنا أحب الجزائر وفريقها الوطني لذلك فأنا ذاهب إلى أنغولا ومن بعدها إلى جنوب إفريقيا بعد أن رافقتهم الى القاهرة والخرطوم، وفي كل مرة أعود الى وطني''، يخرج جواز سفره مملوءا بالتأشيرات والأكيد أن عمي شريف من تجار دبيبالعلمة، الى جانب عمي شريف يوجد الكهل جمال مع ابنه هو كذلك من مدينة العلمة التي غادراها ليلة الأربعاء ليصلا صباحا إلى العاصمة ومنها الى مطار هواري بومدين ومن ثم إلى أنغولا بعد ست ساعات من التحليق على متن الخطوط الجوية الجزائرية. وأنا أتسامر مع الكهل جمال، انضم إلينا كهل آخر من مدينة بجاية مازحا ''وعلاه الفريق الوطني يسالو فيه غير الشيوخة احنا تبعنا ليكيب ناسيونال في 82 و86 و,90 وإن شاء الله تعاود هذه المرة ونوليوبالكاس''. هذا الكلام فتح الباب واسعا امام النقاشات بلهجات مختلفة''واه، انعم، آشو، إيه سيدي''، تدرك مع هذه اللهجات أن المناصرين من الجهات الأربع للوطن، اتفقوا على أمر واحد''الفريق الوطني في منحى تصاعدي بعد هزيمة مالاوي، عكس المنتخب المصري الذي يقدم مردودا تنازليا منذ فوزه على نيجيريا''. وصلنا إلى الطائرة التي كانت تستعد للإقلاع فودعناهم على أمل العودة بعافية والفوز للخضر، والعزم على البقاء في حال تحقق ذلك الى غاية النهائي يوم الأحد. الأنصار عازمون على البقاء في حالة التأهل، لكن..... التحدي الذي رفعه الأنصار بالبقاء في أنغولا حملناه الى المدير العام للجوية وحيد بوعبد الله فقال''لا يمكن لنا أن نغامر بإبقائهم هناك، هل تعلم أن أدنى غرفة في أنغولا تقدر ب300 دولار''. أساله مرة ثانية ''وكيف ستتصرفون إذن في حالة التأهل للنهائي؟''، وهنا يجيب بوعبد الله بابتسامة ''كلش ساهل وقتها''