أطلقت مجموعة من المؤسسات الاقتصادية الألمانية مشروعا ضخما يهدف إلى استغلال الطاقة الشمسية في الصحراء الجزائرية، لتحويل الكهرباء إلى أوربا وألمانيا بصفة خاصة. وقيل إن هذا المشروع سيكلف 400 مائة مليار دولار، لكن يجب التعامل معه بحذر، لأن الجزائر لا تحسن التعامل مع الأرقام، خاصة لما يتعلق الأمر بالدولارات. وانطلقت الشركات الألمانية في المرحلة الأولى من المشروع، وهي المرحلة المتعلقة بالدراسات الضرورية لتحديد تكلفة المشروع وطريقة إنجازه. وقال مسئول ألماني قبل سنة، إن بلاده مستعدة لاستثمار مليار أورو في مرحلة أولى يمكن اعتبارها تجريبية. وقد سبق أن تم توقيع اتفاق رسمي بين الجزائروألمانيا في هذا الإطار منذ سنة لتحضير الميدان، مع العلم أن مشروعا من هذا الحجم سيتطلب تعاونا يدوم عشرات السنين، كما أنه من الضروري أن يتواصل رغم تغيير الوزراء والحكومات والرؤساء. 1. ومن المعروف كذلك، أن ألمانيا من أكثر البلدان تقدما في البحث عن مصادر نظيفة للطاقة، وهي أكثر الدول استغلالا للرياح لتوليد الطاقة مثلا، كما أنها قررت بداية القرن التخلي تدريجيا عن الطاقة النووية. ومن المعروف أن ألمانيا تتحكم في التكنولوجيا وتكسب الأموال الضرورية للقيام بالأبحاث لاستغلال الطاقة الشمسية، بينما تستطيع الجزائر أن تشارك في التمويل إلى جانب اكتسابها لأكبر حقل للطاقة الشمسية في العالم. ويمكن من خلال هذه الصورة أن يصل البلدان إلى اتفاق لإنتاج مشترك للطاقة الشمسية. 2. ومن أجل بلوغ هذا الهدف، يجب على البلدين أن يجيبا على سؤالين أساسيين: كيف يمكن تخفيض تكلفة الطاقة الشمسية التي مازالت مرتفعة مقارنة بالمصادر الأخرى، من جهة، وكيف يمكن تحويلها من الصحراء الجزائرية إلى أوربا دون أن يضيع منها جزء يضر بفعالية المشروع من جهة أخرى؟ 3. وبطبيعة الحال، فإن لكل بلد طموحاته. فإذا كانت ألمانيا تريد أن تكون سباقة في التحكم في التقنيات المتقدمة لاستغلال الطاقة الشمسية، فإن الجزائر تريد أن تضمن لنفسها مكانا مقبولا في نفس الميدان، كما تريد التحكم في التقنيات وفي طريقة إقامة وتسيير المشاريع وصناعة الأجهزة الضرورية لهذه المنافسة، وهذا طموح مشروع. 4. لكن هذه المعطيات الأساسية للملف المتعلق بالطاقة الشمسية أصبحت ثانوية اليوم، أمام واقع يفرض نفسه بقوة. ويتمثل ذلك في تأخر المشروع الذي لم يعرف أي تقدم منذ إمضاء الاتفاق بين البلدين من جهة، إلى جانب عجز الإدارة الجزائرية عن مواكبة مشروع من هذا الحجم. وقد دفع تأخر المشروع الطرف الألماني إلى البحث عن طريقة يستطيع بفضلها تجاوز البيروقراطية الجزائرية، فقام بإنشاء مجموعة تتكفل بالمشروع، وقرر أن يضم إليها شركة »سيفتال Cevital« لصاحبها إسعد ربراب. 5. ولما سُئِلَ وزير الطاقة عن هذا المشروع، قال إنه ليس على علم به... وقال خبير في الميدان إن الوزير عبّر في الحقيقة عن غضبه، لأن الطرف الألماني اختار طريقة غير التي يريدها الوزير. ويقول نفس الخبير، إن انضمام السيد ربراب إلى المشروع يهدف في الحقيقة إلى استغلال نفوذه في أوساط القرار السياسي بالدرجة الأولى. 6. ومن حق الوزير، بل من واجبه، أن يدافع عن سياسة الدولة الجزائرية في ملفّ بهذه الأهمية. ولعله من واجبه كذلك أن يفرض وجود شركة عمومية كبرى في قطاع يقال عنه إنه سيجعل من الصحراء أكبر مصدر للطاقة في القرون القادمة مثلما حدث مع البترول والغاز في الماضي. 7. لكن ما العمل لما تكون الإدارة عاجزة عن مواكبة المشروع؟ هل يجب انتظار تطور الإدارة الجزائرية لدخول المنافسة؟ هذا ما حدث لما كانت الشركة الفرنسية »رونو Renault« تريد إقامة مصنع لتركيب السيارات في شمال إفريقيا، فاختارت المغرب بعد أن عجزت الإدارة الجزائرية أن تقدم اقتراحات مقبولة في الموضوع. 8. لكن يجب ألا نتشاءم، لأن الوزير حميد تمار مازال يناضل بقوة من أجل ازدهار الجزائر، وإذا رفضت شركة رونو أن تستثمر في الجزائر، فإن الوزير تمار يضمن لنا أن شركات أكبر وأحسن منها مستعدة للاستثمار عندنا. وأكد السيد تمار أنه سيتم إمضاء اتفاق في الموضوع قبل نهاية السنة مع شركة عالمية لصناعة سيارات أقل تكلفة من السيارات الأوربية. ولا يواجه السيد تمار إلا مشكلا واحدا قبل تكريس مشروعه: لا يوجد في الأوساط الاقتصادية أي مسئول يتعامل بجد مع تصريحات السيد تمار... إن تصريحاته لا تشكل إلا كلاما فارغا لا يبالي به أي مسئول اقتصادي في الخارج، ولا يبالي به حتى رئيس الحكومة أحمد أويحي نفسه...