ويضيف مرسلي أنه بدافع الإعجاب الكبير لأداء شقيقه الأكبر ونجاحاته في المضمار وطنيا وقاريا، واجه شقيقه عبد القادر بعزيمة فولاذية ونجح في الفوز عيله لينال قميصا رياضيا هدية من شقيقه عبدالرحمن تكريما له وتشجيعا على جهده "الخارق". * ويقول شقيقه عبدالرحمن: "في الحقيقة كنت بصدد منح الشقيقين قميصين رياضيين، غير أنه لسبب لا أتذكره قررت وضع قميص واحد فقط "تحت المزاد"، فطلبت منهما الجري لمسافة 600 م على أن يحصل الفائز على القميص". * ويتابع: "..وفعلا جريا المسافة وكان نورالدين رغم صغر سنه وضعف بنيته الجسمانية أكثر إرادة وحماسا من شقيقه، حيث فاز أخيرا بالسباق". * شكلت الجائزة الأثر البالغ على نفسية الفتى نورالدين، لأنها "كانت حافزا كبيرا لي في دخول عالم ألعاب القوى التي كنت أجهلها وأجهل كنهها سوى ما كنت أعرفه ظاهريا من أنها ركض وعدو وجري ليس إلا" على حد تعبيره. * كان كافيا لمرسلي الصغير أن يتأثر بشقيقه الأكبر فيفوز بأول "سباق" في حياته على شقيقه الآخر، لكنه استأثر في المقابل اهتمام بطل الجزائر ورابع العالم، إذ لم يهده القميص فحسب، بل شجعه وأعانه على ممارسة اللعبة واهتم به إلى أن شب وصار بطلا ولا.. في الأحلام! * كان فضل عبد الرحمن، البطل الجزائري والإفريقي، كبيرا ليس على شقيقه نورالدين فحسب، وإن كان هو الأبرز، بل على جميع أفراد العائلة. * ويذكر مرسلي، في هذا المقام، أن أولى "فضائل" عبدالرحمن كان تكفله بوالديه وأشقائه الصغار عندما قرر إسكان العائلة بالمسكن الذي أهداه له الرئيس الراحل هواري بومدين، فضلا عن جهاز تلفزيون ملون، بمدينة تنس عقب تألقه ببطولة كأس العالم.. عندها، يقول مرسلي، قررت العائلة الإنتقال من البيت العائلي القديم بدوار بوحلو ببلدية سيدي عكاشة إلى المسكن الجديد ببلدة تنس. * ويعترف مرسلي أن انطلاقته الحقيقية في عالم الألعاب القوى جاءت عبر بوابة المدرسة في أبرز مثال على نجاح الرياضة المدرسية التي كانت فعلا "مصنعا" لإنتاج رياضيين كبار برياضات مختلفة في الجزائر. * لكنه لم يكن يفقه يومها كنه اللعبة، وحتى عندما كان يشارك في سباقات العدو الريفي في إطار ما يعرف ب"سباقات الحزب والبلديات"، لم يكن يعرف ماهية اللعبة ولا حجم التدريبات المنتظرة لكل سباق أو الاختصاصات المطلوبة لاسيما نصف الطويلة التي برع وأبدع فيها في مرحلة التسعينيات. * في تلك الفترة، بينما كان عداء ضمن الأصاغر والأشبال وحتى الأواسط، تناوب على تدريب مرسلي عدد من المدربين، لكن لا أحد منهم عمر معه طويلا سوى شقيقه عبدالرحمن. * وفي هذا الشأن يقول: "في تلك الفترة أشرف على تدريبي عدد من المدربين بينهم أحمد دلاوي ومحمد بلالة وبن حميدة (رحمه الله) الذي ساعدني كثيرا على مستوى المدرسة وأمدنى بنصائح هامة، ولا أنسى ايضا محمد حموني (مدير الشباب والرياضة لولاية الشلف أنذاك) الذي شجعني كثيرا، لكن العلاقة مع بعضهم سرعان ما توقفت لقلة المنافسة أو لعدم اكتراث الغالبية بفئتي الأشبال والأواسط، لكن ذلك لم يكن يمنعني من الاستمرار في التدريبات اعتمادا على إرادتي القوية واستعانة بنصائح شقيقي عبد الرحمن الذي كان يزودني بالبرنامج اليومي في التدريبات". * وبعد الفوز بأغلب سباقات الحزب والبلديات، فيمَ كان يفكر يومئذ مرسلي الصغير ويطمح؟ * يستطرد مرسلي متابعا: "أذكر مرة، وأنا في سن الثالثة عشرة، تجاذبت أطراف الحديث مع السيد طوايبية، استاذي في مادة التربية البدنية، ومن بين ما قلته له إنني أطمح لأن أكون بطلا عالميا. ولازلت إلى اليوم أتذكر رده الجميل عندما طالبني بالعمل والاجتهاد بالتدريبات وسأصل إن شاء الله إلى المبتغى. وإلى اليوم، ايضا، يتذكر أستاذي ما قلته، ولا يتردد في ذكره لأصدقائه لإبراز الإرادة التي كنت أتسلح بها". * وفي المقابل كانت أستاذته (م) أشد قسوة.. ذات مرة اقترب منها مناشدا إعفاءه بسبب الإرهاق الذي أصابه جراء مشاركته بإحدى البطولات الجهوية. لكن ردها جاء مزلزلا.. فقد رفضت بشدة طلبه وصاحت في وجهه: ".. وهل تعتقد نفسك بطلا عالميا حتى لا تشارك زملاءك الحصة.. هيا قم وإلا عاقبتك؟". * واضطر مرسلي لتنفيذ أمر الأستاذة، وكان الأفضل في الحصة رغم التعب الذي كان باديا على محياه، لكنه عندما يتذكر تلك الحادثة يغلبه الضحك ويقول: "مهما يكن هي أستاذتي.. وربما كانت تريدني الجد في دراستي!". * ويضيف: "في الحقيقة.. عندما كانت تصيح في وجهي كنت أرد عليها في قراره نفسي: سيأتي يوم تدركين فيه من يكون مرسلي وأن كلامك بأنني بطل عالمي سيتحقق إن شاء الله!!". * كانت أقصى أماني الفتى مرسلي في تلك الفترة أن يصير بطلا عالميا تماما مثل قدوته البطل المغربي سعيد عويطة إلى درجة أنه كان، وهو في 14 من العمر، يحتفظ بورقة خطها بيديه تحمل جميع الأرقام القياسية التي تحصل عليها البطل المغربي، لكنه، فيما يبدو أنه تحد وثقة نفس كبيرة، خط في الجهة المقابلة للورقة الأرقام التي سيحققها هو في المستقبل!! * ثقة نفس لا حدود لها، وإيمان في موهبته وقدارته اشبه بإيمان العجائز.. ولا عجب في ذلك، فالفتى الذي يبادر، وهو في سن صغيرة، إلى تذويب رصاص بطاريات السيارات القديمة، ثم يربطها على شكل صفائح على ساقيه على أمل مساعدته، بفضل وزنها الثقيل، أثناء التدريبات،، لا عجب أنه لا يريد أن تبقى موهبته حبيسة بلدته أو حتى ولايته.. إنه يريد أبعد من ذلك.. إنه يرنو إلى أفق بعيد.. إلى المكسيك والولايات المتحدةالأمريكية، حيث يتدرب قدوته عويطة، وإلى بروكسل وزيوريخ وروما وريتي وهلسنكي حيث ظل البطل المغربي يبهر العالم ببطولاته وأرقامه القياسية التي يرغب الفتى الجزائري في تحطيمها وتجاوزها في يوم من الأيام!!