عندما يصير الحديث عن عاصمة جديدة للجزائر العاصمة، في كواليس السلطة، ويصير تكاثر الولايات من أولويات هذه السلطة، ويصبح استيراد »الشرف« أحد انشغالات نصف المجتمع، أتساءل: هل يحق لنا أن نتحدث عن عفو شامل لمجموعة ماتزال تتاجر بالدماء الجزائرية؟ * * أنا جهوي فأنا موجود؟! * هل يمكن تحويل عنابة أو وهران أو تلمسان أو سطيف أو قسنطينة إلى عاصمة للجزائر؟ * وهل يمكن بناء عاصمة باسم »بوهراوة أو بوقزول أو بوعصا أو غيرها« من أسماء بقايا الاستعمار الفرنسي؟ * المؤكد أن الجزائر من الدول القلائل التي تحمل العاصمة اسمها، والأكثر تأكيدا أن تخفيف الضغط على العاصمة يتطلب بناء عواصم جديدة أو تحويل بعض الولايات إلى عواصم للاقتصاد أو الثقافة أو غيرها. * لكن ما هو غير مقبول هو أن تصبح الجهوية هي مصدر اعتزاز لبعض الموظفين السامين. صحيح أن بعض رموز الثورة أو الأحزاب أو الشخصيات وحتى الكتاب يعود الفضل في بقائها أو »استمرارها« إلى الجهة التي تقف وراءها حتى فقد الكثير مفهوم الوطنية لأنهم »خلّدوا« جهويا، ولكن لا نستطيع أن نطور المجتمع دون اللجوء إلى تكتلات جهوية، فلو أن ولايات الشرق تحولت إلى »برلمان جهوي«، وكذلك الأمر للغرب والجنوب والشمال، لربما نكون قد قرّبنا بين الجزائريين ووضعنا حدا للجهوية، لأنها تنمو من خلال »تكاثر الولايات« وأول من طرق هذه الفكرة هو المرحوم العقيد صالح بوبنيدر المعروف باسم (صوت العرب)، وقد طرحها بعده الزعيم (الدا الحسين) ضمن ما يسمى بالجهوية الإيجابية. * ماذا يضرّ السلطة لو تحوّل قسنطينة إلى عاصمة للثقافة الإسلامية، وتحول تلمسان إلى عاصمة للحضارة العربية الإسلامية، وتحول عنابةووهران إلى عاصمتين اقتصاديتين؟ يبدو أن خطأ النظام السياسي في الجزائر، منذ بداية التعددية لغاية اليوم، هو أن السلطة فيه ليست »موحدة«، ولهذا سميت العديد من المطارات بأسماء الأشخاص وليس بأسماء المدن الموجودة فيها، علما بأن العُرف الدولي يقضي بأن تسمّى المطارات بأسماء الرؤساء أو أسماء المدن التي تقام بها. * لقد ارتبطت الجهوية في الجزائر، منذ رحيل هواري بومدين بالرؤساء الذين تقلّدوا بعده السلطة، فكان المقربون من »المرادية« هم من المقربين إلى مسقط رأس الرئيس أو عقيلته، بل إن بعض الوزراء تم تعيينهم بمنطق الجهوية الضيّقة. ولهذا لم تعط أهمية للكفاءة. * والنّكتة المسوّقة، في عهد أحد الرؤساء تقول، إنه بإمكان أي واحد أن يكون وزيرا، ولكنه من الصعب عليه الحصول على »منصب بوّاب« في مؤسسة أو وزارة. * قبل أحداث 20 أفريل 1980 لم يكن هناك فرق بين »البربري والإسلامي والعربي«، بالرغم من أن الحزب البربري أنشئ عام 1949، وأن فرنسا أنشأت الإذاعة البربرية، وبعض الولايات كانت تغذي الجهوية على حساب المصلحة الوطنية. * في الغرب يقسمون الأحزاب إلى يمين ويسار ووسط، وهو التقسيم العلمي للحزب. أما في الجزائر فيقسم وفق المضمون (إسلامي وطني أو لائكي)، بالرغم من التداخل بين هذه المضامين داخل الحزب الواحد. * من يريد تحويل هذه الولاية أو تلك إلى عاصمة للجزائريين، فعليه أن يدرك أن الجزائر أكبر من أن تتجسد جهويا في هذه الولاية أو تلك، لأن الثورة لم تولد في المدن وإنما ولدت في الأرياف. * * الشرف المستورد! * وإذا كان البعض قد ضاقت به العاصمة فعليه بالتأمل في ما نقل عن الصينيين أنهم استقبلوا أحد الرؤساء العرب فلاحظوا أنه »مهموم« بمشاكل بلده، فسأله الرئيس الصيني عن عدد سكان بلاده، فأشار إلى بضعة ملايين، فقال له: لماذا لم تحضرهم معك حتى لا تنشغل بهمومهم. * والحق يقال، أن »الصيني« أصبح منشغلا بالشرف »العربي الإسلامي«، فاخترع »غشاء بكارة صناعي« وقام بتصديره مثل المخدرات إلى بعض الدول العربية، فانتبه »الإخوان المسلمون« إلى ذلك في مصر، فانتفضوا دفاعا عن »الشرف العربي« والإسلامي، وثار بعض الإخوان في سوريا وبدأ الحديث في الجزائر، بالرغم من أن هذا الشرف يقوم به أطباء في المغرب العربي والمشرق العربي، وهو البديل لشرفنا المغتصب في بلداننا. * وإذا كان إلغاء مادة التربية الإسلامية من الكثير من برامج المنظومات التربوية في الوطن العربي لا يثير جدلا في الشارع العربي، فإن استيراد »غشاء بكارة اصطناعي« من الصين يثير جدلا، وكأنّ الذين يتحدثون في السر عن هذه التجارة ليست لهم علاقة بالمجتمعات العربية الإسلامية. * ماذا نقول عن »العلاقات المثلية« الزواج بين الذكور أو بين الإناث التي صارت تغزو الوسط الفني والجامعي؟ لماذا لم تتحرك الصحافة الجزائرية حين قام فنان مشهور، في فندق كبير، بزواج (مثلي)؟ * ماذا تقول عن شاعر كبير باللغة الفرنسية كان يقدم برامج في الإذاعة، ويمارس »دور المومسات« في الحانات. * أحمد الله أن الرئيس الراحل هواري بومدين أفرج عن قاتل شاعر آخر، كان يمارس المهنة نفسها. * إن الحفاظ على العادات والتقاليد والموروث الثقافي العربي والإسلامي يفترض وجود »معالجة« للظواهر سالفة الذكر. * إن إلغاء فكر »يجوز ولا يجوز«، وفكر »حلال عليّ حرام عليك« يتطلب التعامل مع شواذ المجتمع العربي والإسلامي وتجار »غشاء البكارة« بمنطق غير المنطق الخليجي وهو الإعدام، وإنما بتشجيع العيادات النفسية. والاهتمام بترقية الثقافة الإسلامية في البرامج التربوية، حتى لا تتكرر مأساة ذلك »المواطن البليدي« الذي تقدم بشكوى ضد أحد أمراء الجبال، لأنه »تزوّج« بابنه. فهل يحق لنا أن نصدر عفوا شاملا عمّن »مارس الجريمة« وأشاع الشذوذ؟ * وللحديث بقية...