حكايات لا تحصى عن الحراقة أكبر الحراڤة شيخ في 69 وأصغرهم عمره 14 سنة حلاقات وجامعيات ضمن القوافل.. وحسناء تبحث عن الشهرة وراء البحار على مر السنوات الثلاث الأخيرة صنعت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بشرق البلاد وغربها من القالة إلى الغزوات الحدث بدون منازع واكتسحت مونشتات الصحف الوطنية بالمآسي والتراجيديا، تماما كما صنعت مآسي وآلام آلاف العائلات وآهات لأمهات إعتصرت قلوبها على فلذات أكبادها ولازال الشارع يسمع أنينها إلى اليوم، وبالمقابل صنعت الظاهرة الحرڤة كوميديا ونوادر وربما طرائف إن صح التعبير، لازال البعض يتداولها بنوع من الدعابة حينا، وبنوع من الأسى والعبرة أحيانا. * * شبان من سكيكدة أقلعوا قاصدين "روتردام" فأصبحوا بمحكمة عنابة * في اليوم الخامس من شهر رمضان الفارط أوقفت مصالح خفر السواحل لولاية عنابة كل من "ب.كمال.22 سنة، م.يوسف.28 سنة، ع.وليد.25 سنة"، وهم أصدقاء ينحدرون من أحياء بويعلي والزرامنة بسكيكدة في فوهة "شاطمة" باخرة تجارية هولندية، اضطرها المعنيون إلى الرسو بميناء عنابة بعد أن أحس طاقمها بعطب في محرك السير، مما أجبرهم على القيام بعملية مراقبة مدققة لهياكل الباخرة، التي انطلقت من ميناء سكيكدة بعد أن أفرغت حمولتها وشحنت من دون أن تدري أن ثلاثة شبان بمدخنتها كانوا قد تسللوا إلى الباخرة عندما كانت راسية بالميناء، بعد أن لاحظوا أن العلم الهولندي يرفرف فوقها، فلاح في مخيلتهم أمل الهجرة إلى هولندا عبر ميناء روتردام، إلا أن القدر شاء لهم مصيرا آخر، وتم توقيفهم بعد نصف ليلة من الفرحة والآمال التي تحولت إلى آلام بعد أن أصبح شبان سكيكدة أمام قاضي التحقيق لدى محكمة عنابة بتهمة الهجرة غير الشرعية وهم الذين لم يدخلوا "كوميصارية" من قبل! * * شاب من بجاية تعلق بعجلة الطائرة فعاد جثة هامدة بنفس الطائرة * الإصرار على الحرڤة والرغبة في مغادرة البلاد والهروب منها بأية طريقة كلّف شاب من مدينة بجاية يبلغ من العمر 28 سنة حياته أوائل عام 2007، عندما حاول الهجرة غير الشرعية من خلال الاختباء في مكان عجلات الطائرة قاصدا مطار شارل ديغول بفرنسا، والمؤسف أن الطائرة طارت بصفة عادية إلى غاية مدرج مطار دوغول وحينما همت الطائرة بالهبوط وراح طاقمها ينزل عجلاتها سقط الضحية جثة هامدة، بعد أن ارتطم جسده بالإسمنت. ونفس المصير لاقاه شاب مغربي منذ نحو شهر ونصف عندما تعلق بعجلة الطائرة التي كانت متوجهة إلى مطار مرسيليا، الفرق الواحد، أن الشاب المغربي وإسمه هشام 32 سنة، عون أمن بشركة حراسة خاصة بالمطار توفي بعين المكان بعد أن سقط دقائق فقط عندما حاولت الطائرة الإقلاع باتجاه مرسيليا. * * عمي الطاهر 69 عاما.. وليد 14 عاما.. حورية أم ل3 أطفال.. كلهم ركبوا البحر * صنعت الهجرة غير الشرعية الاستثناء عدة مرات بسواحل مدينة عنابة آخرها عشية شهر رمضان المنصرم، عندما أوقفت وحدات البحرية شيخا في ال69 من عمره، على متن قارب خشبي رفقة مجموعة من أحفاده قاصدا معهم جزيرة سردينيا الإيطالية بعد 7 عقود زمنية كاملة قضاها بكوخ لا يليق بالحياة البشرية بحي لاكولون، وكم كان المشهد "مضحكا ومبكيا" عندما اقتيد عمي الطاهر بلباس رثة إلى محكمة عنابة، وقبلها أوقف البريء وليد س.14 سنة، أصغر حراڤ جزائري ينحدر من حي سيدي حرب بعنابة، رفقة شبان يكبرونه بنصف عمره كان قاصدا سردينيا، في محاولة للفرار من جحيم الفقر والجوع والحرمان,وقبل ذلك كانت ذات المصالح قد أوقفت، 3 فتيات من بينهن حورية الشلفية 35 عاما، تبين فيما بعد أنها أم عازبة لثلاثة أطفال. * * طالب جامعي ناقش المذكرة بالقارب بعرض البحر.. وتلاميذ ودعوا المدرسة قبل نهاية الموسم * إهتزت جامعة باجي مختار بعنابة ومن خلفها وزارة رشيد حراوبية نهاية الموسم الجامعي 2008 2009 على وقع نبأ إقلاع الطالب الخنشلي من كلية الإعلام الآلي، نحو جزيرة سردينيا عشية مناقشته لمذكرة التخرج، وكم كانت الحادثة أليمة عندما حضر والداه وعائلته وأصدقاؤه إلى الجامعة لحضور حفل التخرج، قبل أن يصرعهم زميله في الفرقة والمذكرة بما مفاده أن المعني قد حرق إلى إيطاليا تاركا وراءه العشرات من علامات الاستفهام التي لاتزال غامضة إلى اليوم، وقبل ذلك بنحو أسبوعين كان 22 تلميذا من الطورين الابتدائي والثانوي، قد أقلعا على متن قارب خشبي في رحلة حرڤة وصفت بالسابقة والفريدة من نوعها على الإطلاق، لأن تلاميذ بن بوزيد فضلوا الهجرة دون مواصلة حتى الموسم الدراسي، تماما كما فعل الطالب الخنشلي الذي اغتنم الفرصة التي منحت له الحياة، تاركا وراءه شهادته الجامعية.. التي دفعت الآلاف من شباب الجزائر إلى البطالة الحتمية. * * شبان من عنابة سرقوا "جات سكي".. وقاصر باع مجوهرات والدته * أوائل شهر جويلية من صيف العام الجاري، قصد كل من سفيان، أيمن، رياض، عادل، العاصمة التونسية في رحلة كانت تبدو سياحية جدا، ونزلوا بفندق مارينا الذي يقع بتونس العاصمة وبعد أن قضوا 3 أيام هناك، خطرت لهم فكرة عدم العودة إلى الجزائر وعدم البقاء في تونس وخططوا للقيام بواحدة من أغرب وأطرف حالات الهجرة غير الشرعية على الإطلاق عندما أجروا دراجات مائية "جات سكي" للنزهة، قبل أن يلجوا البحر من دون عودة، وبعنابة دائما، لم يجد الصبي "م.رائد" صاحب 17 سنة، من حي جبانة اليهود من بد للحرڤة سوى السطو على مدخرات والدته وهي مجوهرات بقيمة 70 مليون سنتيم قام ببيعها وهاجر بعائداتها المالية نحو سردينيا. * شاب يهرّب شقيقه في الصندوق الخلفي لسيارة207.. وأخرى تحرّڤ ابن أختها بنفس الطريقة إلى فرنسا * بداية شهر سبتمبر الفارط وقفت مصالح الجمارك بميناء عنابة مذهولة لمشهد شاب في ال22 من عمره داخل الصندوق الخلفي لسيارة بيجو 207 حاول شقيقه رفقة صديق له المغتربان بفرنسا تهريبه من دون أن تهمهم الطريقة، المهم أن يخرج من عنابةوالجزائر والباقي "على الله"، وإن كان المعنيون قد أحبطت خطتهم الجهنمية هذه، وتمت إحالتهم بعدها على قاضي التحقيق لسوء حظهم، فإن شابة مغتربة من حي "الميناديا" نجحت أسبوعين بعد ذلك من تمرير أختها بسهولة لما قامت بتركيبها بدقة داخل "لامال" سيارة 406. * * إقتنى تذكرة رحلة سياحية إلى تركيا.. ثم هرب بمطار روما * حمى الحرڤة دفعت طالبا جامعيا بجامعة باجي مختار، إلى التفكير في طريقة يمكن اعتبارها حضارية نوعا ما، عندما اقتنى الطالب م.حازم تذكرة رحلة سياحية إلى العاصمة التركية اسطنبول، ولأن الطائرة تمر عبر روما العاصمة الإيطالية وتمكث بمدرج المطار ساعة من الزمن، فإن الطالب حاول استغلال تلك الفرصة في طريق الذهاب فلم ينجح، إلا أنه كان أكثر دقة في رحلة العودة وبمجرد ما أقلعت الطائرة عائدة نحو الجزائر كان هو يلتهم بيتزا إيطالية بأحد شوارع روما.. ويبدو هنا أن مجرد التفكير في ركوب البحر عبر زورق الموت يفجر لدى بطل الرحلة الكثير من الأفكار الجهنمية التي لا تخطر على بال أحد. * * الحلاقات الصديقات .. البحث عن "المودة الإيطالية" * لا توجد حكاية أغرب من حكاية ثلاث صديقات هن الآن من ساكنات إيطاليا تمكنّ في ظرف وجيز من تأمين مبلغ مالي محترم أرسلنه إلى أوليائهن .. إحداهن سامية وهي شابة من تيارت، اشتغلت في الحلاقة بمدينة قسنطينة، ثم اختارت عنابة حتى تكون بجوار البحر الذي ينقلها بسرعة إلى الضفة الأخرى، ووجدت في صديقتيها "فتيحة ونريمان" الملجأ الذي سافرت من أجله من غرب البلاد إلى شرقها.. ورغم أن "سامية" بجمالها كانت تسلب الأنظار وطلبها الكثيرون للزواج، إلا أنها كانت ترفض، لأن الحب الأول والأخير بالنسبة لها هو "الحرڤة"، وهو الحب الذي تحقق في رحلة أنثوية لم يكن فيها من الرجال إلا قائدها.. أما لطيفة صاحبة 22 ربيعا والمسماة "البلوندة" فأثارت منطقة عنابة عندما كانت تقطن بها وهزتها عندما تم توقيفها في عرض البحر من خفر السواحل وهزّت أيضا محكمة عنابة أثناء محاكمتها بتهمة محاولة الهجرة غير الشرعية وتكمن الإثارة في "جمالها".. ومن الغرائب أيضا أن حسناء من القل إشترطت على خطيبها أن يوفر لها شهر عسل في إيطاليا دون أي شرط مالي أو معنوي.. وبذل المسكين "الأعاجيب" من أجل توفير تأشيرة سفر له ولزوجته وهي تأشيرات سياحية بذل لأجلها مالا وفيرا، وبعد العرس نقلته سيارة والده الثري جدا إلى قسنطينة، حيث استقل الطائرة إلى العاصمة وقضى ليلة العمر في فندق الهيلتون، وفي صباح اليوم الموالي طار رفقتها نحو العاصمة الإيطالية روما.. وهناك استسمحته في مطار "ليوناردو دافنشي" لتقضي حاجتها بمرحاض المطار، وظل ينتظر خروجها لحد الآن، حيث اختفت منذ حوالي خمس سنوات ومازال غيابها لغزا، ولكن الإشاعة تقول أنها كانت على علاقة مع "حراڤ" من ذات المنطقة هو الذي رسم لها هاته الخطة الجهنمية فعادت إلى حبها الأول وبذات الطريقة، ولكن باستعمال عريس مغفل كان أشبه بالحمّال الذي نقل بضاعة دون أن يتسلم الثمن وإنما هو الذي دفع الثمن. * * حراڤة وجدوا أنفسهم في بيوتهم .. وآخرون وقعوا في أيدي الصهاينة * ركوب البحر سهل.. لكن "أين تجد نفسك بعد ساعة سفر؟"، هو أصعب ما في الحكاية، ويروي نصير.ب وهو من ولاية أم البواقي رحلته الفاشلة والمضحكة، حيث قضى رفقة أصدقائه الخمسة ليلتين في البحر يحاربون الموج بعد أن انطلقوا من شاطئ سيدي سالم بعنابة وبقوا يتجرعون سكرات الموت إلى أن أصبحوا بعد الليلة الثانية على البر.. وبعد أن تحسّسوا بعضهم وعلموا أنهم جميعا على قيد الحياة راحوا يتبادلون الأحضان بعيون دامعة ولسان حالهم يقول "نجونا.. وصلنا .. نجونا .. وصلنا"، ومرت عليهم ربع ساعة تخفّوا فيها بإحكام ظنا منهم أنهم في إيطاليا ليصطدموا بعد ذلك بصيادين يتحدثون باللهجة الجزائرية والعنابية بالخصوص، واتضح أنهم في أحد شواطئ منطقة شطايبي التي تفصل ولايتي عنابةوسكيكدة عن بعضهما.. وتبقى أطرف وأحزن المغامرات على الإطلاق هي تيهان أربعة شباب جزائريين، واحد من العاصمة وثلاثة من منطقة القلعة بنواحي أم الطوب بولاية سكيكدة بعد رحلة جوية قادتهم من العاصمة الجزائرية إلى مطار كمال أتاتورك باسطنبول، وتبخر حلم الرحيل إلى أثينا عبر حرڤة أوربية خالصة من تركيا إلى اليونان، حيث قام بارون حرڤة يوناني عندما أوهموه تخفيا بأنهم فلسطينيون ببيعهم للكيان الصهيوني الذي قام باحتجازهم لمدة فاقت الشهر قبل أن يتدخل الصليب الأحمر ويتم تحريرهم بوساطة أردنية وعادوا إلى أرض الوطن،ولكن بعقول مغايرة، حيث أقسموا جميعا بأنهم مستعدون لأكل الحجر على التفكير في ترك البلاد بهذا الشكل البائس جدا الذي طلبوا من خلاله ما أسموه "بالكرامة" في أوربا فوجدوا أنفسهم غارقين في "الذل" الصهيوني. * هذه باقة من حكايات الحرڤة الغريبة التي أخذت في هذه الأيام الخريفية عطلة نرجو أن تكون دائمة وليست مرتبطة مع تدهور الأحوال الجوية.. والكل يعلم أن ما خفي من حكايات الحرڤة أعظم وأغرب وأطرف... وأيضا أحزن.