تكلمنا الأسبوع الماضي عن العادات والتقاليد، ومحتواها الذي كثيرا ما يعادي العلم والتقدم. وفي نفس السياق نتكلم عم التيارات الفكرية والفئات الاجتماعية التي تنادي بالتمسك بالعادات والتقاليد. * وبداية، نشير إلى ظاهرة أولى، وهي تشابه الخطاب السياسي والإيديولوجي الذي يتبناه أنصار المحافظة على "العادات والتقاليد"، سواء في الجزائر أو اليابان أو فرنسا أو حتى في الولاياتالمتحدة التي لا تملك تاريخا قديما. وسواء كان التمسك بالتقاليد نتيجة خيار واعي أو نتيجة عجز عن مواكبة العصر، فإنه يستعمل نفس الخطاب ويلجأ إلى نفس الحجة. ومن يسمع خطاب "فيليب دي فيليي" في فرنسا أو "رابطة الشمال" في إيطاليا أو التقليديين في اليابان، يظن أنه يسمع خطاب التيارات الجزائرية المماثلة، مع تغيير واحد حوا طبيعة تلك التقاليد. * وحتى تكون الأمور أوضح، فإن هذه التيارات تعتبر أن تقاليدها أسمى وأفضل وأعرق من كل ما يوجد في العالم، سواء كانت مبنية على الدين أو التاريخ أو الحضارة. ويقول التقليديون الفرنسيون أنه بلادهم اكتشفت العلم والحضارة، ولا يجوز أن تتخلى عن القيم التي سمحت لها أن تحقق هذا التفوق، بينما يعتبر الياباني المماثل أن الحياة بصفة شاملة مبنية على الحفاظ على القيم التي أدت إلى ازدهار بلاده. وفي الجزائر، يعتبر التقليديون أن العادات والتقاليد لعبت دورا أساسيا في الحفاظ على الشخصية الوطنية، رغم أن الحركة الوطنية كانت مبنية بالدرجة الأولى على أفكار التحرر التي يقول عنها البعض أنها مستوردة من الغرب... * وكثيرا ما تكون هذه الإيديولوجية مبنية على أفكار بسيطة، إن لم تكن بدائية، مثل تفوق العادات المحلية التي تعتبر مقدسة، وانحطاط الآخرين الذين لا يعرفون تلك العادات المجيدة، واعتبار أن معظم مشاكل البلاد تأتي من الخارج، سواء عن طريق الفكر المستورد مثلما يقال في الجزائر، أو عن طريق الأجانب مباشرة مثلما تقول تيارات كثيرة في فرنسا وإيطاليا وحتى بعض بلدان أوربا الشمالية التي كانت في الماضي تبدو محمية من هذا الفكر. * ويشكل هذا الفكر خطوة أولى نحو العنصرية، حيث أنه يبدأ بتمجيد الذات، وغالبا ما ينتهي بمعاداة الآخرين، بعاداتهم وتقاليدهم وفكرهم. لذلك لا نجد هامشا كبيرا يفرق بين أنصار التقليديين واليمين المتطرف. ولذلك يعتبر التيار الذي يقوده في فرنسا كنقطة وصل بين اليمين المتطرف والتيارات اليمينية التقليدية. * ومن يسمع خطاب ورثة جمعية العلماء ودفاعها عن حماية التقاليد يستغرب أكثر. ففي النصف الأول من القرن الماضي، كانت المنظمة التي يتزعمها عبد الحميد بن باديس تنادي بالتخلص من التقاليد الجامدة والعادات البالية التي أدت إلى انحطاط الجزائر. وكانت المنظمة تدعو إلى التفتح على العصر ومواكبة الجديد والتمسك بالعلم. أما اليوم فإن أعضاء المنظمة أو الناطقين باسمها عادوا إلى النقطة الصفر، وأصبحوا يعادون تقريبا كل ما لا يوافق فكرهم، إلى أن أصبحوا يستعملون نفس الخطاب الذي تلجأ إليه أكثر التيارات انغلاقا. وما حدث من جدال بين السيد عبدالرحمن شيبان وأدونيس أحسن دليل على ذلك، حيث قال السيد شيبان أن كلام أدونيس من "أباطيل الشيطان" و"أراجيف وقحة"، ويقول أن الكاتب السوري "إباحي"، و"ملحد"، و"من الآمرين بالمنكر الناهين عن المعروف"... * هذا الحكم ينبع من قناعة السيد شيبان أن كل ما يخرج عن معتقداته غير مقبول، بل ويشكل خطرا على المجتمع. ويؤكد كلامه أن هناك من يبدأ مشوار التحرر انطلاقا من الدفاع عن الهوية والعادات، لينتهي في آخر المطاف إلى سجن نفسه في أفكار تقليدية تدفعه إلى التنديد بكل ما هو خارج عن تقاليده. وذلك ما سنتكلم عنه الأسبوع القادم.