في الوقت الذي توجه فيه وزير الشؤون الدينية والأوقاف، أبو عبد الله، للسادة الأئمة قائلا: "أنى لإمام لا يقرأ ولا يشارك في أية تظاهرة علمية، أن يلبي حاجة للناس"، وهو يقصد بذلك إعادة الاعتبار لمنصب الإمامة المقدس لدور الإمام الرسالي الذي يجب أن يكون مطلعا على جميع المعارف الإنسانية، وإلى واقع المجتمع والناس وإرشادهم إلى سواء السبيل بما يحقق لهم الحياة الكريمة في الدنيا كما في الآخرة.. * قلت في هذا التوقيت بالذات، يدعو الأديب أمين الزاوي إلى تأسيس لوبي ثقافي عربي، وهذا من خلال إنشاء مكتبة عربية شاملة، ورقية وإلكترونية، مهمتها زراعة روح الأمل وبعث الديناميكية لدى النخب المثقفة والسياسية من أجل الخروج من الدائرة المغلقة التي وقعنا فيها، والتي غرقنا بداخلها بفعل التخلف والتقهقر الذي نهايته المؤكدة هي الفناء والانقراض الذي سبق أن قال عنه أدونيس إنه حتمية وقدر العرب في المستقبل بعدما تعطل العقل وتراجع الإبداع. * لقد جاءت كلمة الوزير غلام الله والمثقف الزاوي على موعد واحد، وما ذلك إلا لأن البلاد فعلا في حاجة ماسة إلى صحوة تخرجها من السبات التي هي عليه، وحينما يتفق السياسي والمثقف على رأي واحد وعلى تشخيص مشترك فهذا ادعى للانتباه للخطر الذي يداهمنا، وما لم نتحمل المسؤولية الوطنية التي أضحت فرض عين في هذا الزمن الرديء، فإن محكمة التاريخ لا تغفر لنا خطايانا، ولكن السؤال في ظل هذا كله هو من جهة، لماذا الإمام ورغم التكوين الذي ضمنته له وزارة الشؤون الدينية، ورغم ثورة الاتصالات التي نشهدها والتي وفرت لنا كل السبل للاطلاع على المعارف الإنسانية وعلى جميع ثقافات الشعوب وتاريخها عبر الانترنت والفضائيات، لا زال خطابه عندنا هو هو لم يتغير ولم يرتق، بل في بعض الحالات تقهقر وتراجع عن ما كان عليه في سنوات سابقة، الأمر الذي زهد المواطن الجزائري في مرجعياتنا ويتهافت وينبهر بالمرجيعات الأجنبية، سواء أكانت سلفية أو شيعية، هذه الأخيرة التي نجحت في اختراق الآفاق والتمدد عبر القنوات الفضائية التي نجحت في إدارتها علميا وفنيا، الأمر الذي يلقي على علمائنا وإعلاميينا مسؤولية ضياع ميراثنا التاريخي للسادة المالكية الذي تقاعسنا في خدمته وعلى حمايته. * وفي نفس هذا السياق المقلق لنتساءل من جهة أخرى لماذا كذلك استقال المثقف عندنا ولم يعد يعر أي اهتمام لهموم وشجون وآمال وأحلام المواطن وأغلق الباب على نفسه بين أربعة جدران ولم يعد يجد اللذة إلا في الجلوس على مكتبه ممسكا القلم بيمينه ومداعبا ورقة بشماله ولا يخاطب القارىء إلا عبر الصحائف وربما في قضايا لا تهمه بقدر ما تهم الكاتب الذي في كثير من الأحيان يريد أن يشبع نرجسيته من خلال هذا القارىء المسكين. * هذا ولماذا معشر المثقفين عندنا وهم ينتقدون الساسة على مكرهم وعلى خداعهم، يقعون هم كذلك في مسلسل المؤامرات، والجري وراء الشهوات، ومنهم من أعلن القطيعة مع الفعل الثقافي واعتزل الكتابة، وما دام هذا هو الحال، لم استوعب ما قاله أمين الزاوي في مقاله المنشور بجريدة "الشروق" هذا الأسبوع "تعالوا نؤسس للوبي ثقافي عربي"، من أن الظروف التاريخية مواتية الآن لانطلاق هذا اللوبي الذي كون فضاء للانتلجانسيا العربية على مختلف أطيافها الفكرية والإبداعية، فأية ظروف هذه التي لم يحدثنا عنها الزاوي والذي ذهب ليعرض علينا مشروعا تلفيقا هو بعيد عن التجسيد في واقع الحال ما دامت الانتلجانسيا عندنا فرق ومذاهب مثلها مثل بعض الفرق والمذاهب الدينية التي غلّبت الحسابات السياسية ومصالحها الخاصة على حساب الوحدة والأخوة في الله، بل ومنها من انزلق لاستخدام الأسلوب الإرهابي المسلح لبلوغ أهدافه، وهذا ليس أضل من سلوك بعض النخب المثقفة التي تواطأت مع بعض الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة ما دامت مصالحها مرتبطة بها، وفي بعض الحالات قد تنقلب عليها وتلعنها وتراها كذلك، فقط حينما لا تتحقق هذه المصلحة.. ولله في خلق شؤون.