العاصمة المكسيكية لقاح التوعية والتحسيس كان أنجع من لقاح المخابر العالمية..! تجربة اكتشاف بلد كالمكسيك تغري الكثير، خاصة وأنه يُخفي في جنوبه درر المحيطين الهادي والأطلسي، كانكون وجزر الكراييب المكسيكية، ويكشف في شماله عن أسرار صحراء تشيواو والقصص الخالدة لسكان المايا والآستيك التي ترويها أعجوبة العالم السابعة تششينيتزا وأغوار وادي المايا لكل المارين بهما.. * لكن مجرد التفكير في السفر إلى هذا البلد القارة في وقت تُحذر فيه عشرات الدول مواطنيها من السفر إليه وتلغي أخرى جميع رحلات خطوطها الجوية والبحرية نحوه خوفا من وباء أنفلونزا الخنازير يُعد ضربا من الجنون... * حذرنا الكثير من الذهاب إلى التهلكة بأقدامنا خاصة وأن الوباء قد لُقب عند ظهوره باسم البلد "الحمى المكسيكية" بل لجأت حكومات لسحب رعاياها من المكسيك هروبا من الفيروس الشبح أيتش1أن1 رغم أنه اخترق حدود أكثر من 208 دولة وعشش في صدور أكثر من 900 ألف شخص عبر العالم وتسلل إلى قصور الرؤساء والملوك، فحبسهم في غرفهم لسبعة أيام أو أكثر، في حين حررنا الفضول الإعلامي والواجب المهني والاتزام الصحفي من قيود الخوف من المجهول.. فبعد المسافة واختلاف الحضارة والثقافة زد على ذلك كل ما يروج عن وباء أنفلونزا الخنازير والبراكين والأعاصير جعل منها حقا مغامرة نحو المجهول.. إلا أن كل هذه الصور سرعان ما تتبدد، حتى صورة الشعب الأكثر خمولا في العالم تنهار أمام تحف طبيعية تترجم عظمة الإله و قوة اقتصادية تعكس إرادة الإنسان في المكسيك، فيتحول المجهول وكل ما يشاع إلى أجمل حقيقة وأروع تجربة.. * * جزر الكراييب... سحر المكان ينسيك بُعد المسافة * أكثر من 10 آلاف كلم هي المسافة الفاصلة بين مطار هواري بومدين الدولي بالجزائر العاصمة ومطار مكسيكو سيتي، ما يتطلب أكثر من 12 ساعة من التحليق عاليا فوق محيطات وجبال غرب الكرة الأرضية، قصد بلوغ العاصمة الأكثر كثافة سكانية في العالم، 10 آلاف كلم كافية لأن تغير الطبيعة ملامحها وتعيد تشكيل تضاريسها لخلق مناخ استوائي يمنح بلاد "الحلم المشمس" 300 يوم من أشعة شمس تنافس بريق مدن وسحر جزر على مغازلة واستقطاب 26 مليون سائح سنويا.. فشبه جزيرة كانكون ملهمة أكبر مخرجي وممثلي هوليود أو جزيرة عش الثعبان التي تصطاف فيها أفخم وأعرق سلاسل الفنادق العالمية ذات النجوم الخمس والماسات الأربع في منعرجات متتالية على طول شواطئها، و كأنها تتبع خطى الثعبان بحثا عن دفئ السعادة، استطاعت أن تتمركز في المرتبة التاسعة عالميا من حيث الوجهات السياحية الأكثر طلبا وإقبالا في العالم بعد أن أصبحت منتجعاتها مرادف للفخامة الملكية والرفاهية اللامنتهية، ولكن مع لمسة من ماضي شعوب المايا فألغاز وطلاسيم السكان الأصليين لجزر المكسيك تلاحقك في حلمك وترحالك لتجعل من زيارتك لبلاد "آل كاستيو" رحلة في المكان والزمان * * ثقافة مواجهة الوباء عند الأطفال قبل الآباء... * فيروس اتش1أن1 أو الفيروس العابر للقارات هو لغز آخر يلاحقك حتى قبل دخولك للمجال الجوي للولايات المتحدةالمكسيكية، إلا أن تفاصيل صورة علوية خاطفة من نافذة الطائرة بإعلان قائدها الوصول إلى مكسيكو تفك شفرات أعقد الألغاز.. فالعاصمة التي تأبى أن تنام رغم أن الساعة تجاوزت الواحدة صباحا، تأبى كذلك أن يُطفئ فيروس مصنّع مخبريا شعلة نموها وتطورها، فجميع سكان المكسيك فهموا أنها حربا يشنها الأعداء التاريخيون للدولة لتهديم بناها التحتية ببطء و تشويه صورتها وعزلها بقتلها سريريا، إلا أن المكسيكي استحضر مثلا من ماضيه "إن تسلل اللص إلى بيتك، فلا تسأل من أدخله أو كيف دخل.. وإنما ابحث عنه اعثر عليه واجهه واقتله، ثم بعد ذلك يمكنك أن تحقق هل أن جارك هو من أدخله.." وقد تسلح المكسيكي بقوة من حاضره، وهي توحيد جميع القوى لتحقيق هدف واحد فقط، فثبطت الحياة بكل أشكالها بغلق المدارس والجامعات وإلغاء كل التجمعات والتظاهرات والاقتصار على الحد الأدنى من خدمات الميترو والنقل الجماعي لمدة 10 أيام، وأوقف رئيس البلاد جميع نشاطاته ليستنفر جميع مؤسسات الدولة بمجرد تفاقم عدد الوفيات بعد شهر من ظهور الوباء، ففي أفريل الماضي دخلت المكسيك في سبات وصفه البعض بالقاتل لحركية البلاد ونموها، إلا أنه في الحقيقية كان استراحة محارب لابد منها للحفاظ على الأرواح ومحاصرة الفيروس القاتل، كما استعان المجتمع المكسيكي في الوقت ذاته بثروة مستقبله من الأشخاص الأقل من 16 سنة، فالطفل يحتل الأولوية في جميع سياسات البلاد فتعززت البرامج التربوية التي كانت تبث عبر التلفزيونات و الإذاعات المحلية بعد غلق المدارس بساعات طوال للتوعية والتحسيس بكيفية مواجهة الوباء وتجنب العدوى، و عدّلت البرامج التلفزيونية الموجهة للأطفال فتحولت الرسوم المتحركة من مطاردة قط لفأر إلى مواجهة بين الإنسان والفيروس وفق أسس علمية مبسطة، فكان تلقيح الأبناء قبل الآباء بلقاح "التوعية والتحسيس" ونشر دواء "ثقافة مواجهة الوباء" على جميع المستويات أفضل لقاح و دواء مضاد للفيروس.. * * لا حديث على بعبع أنفلونزا الخنازير إلا في المستشفيات.. * بعد أقل من 10 أشهر من ظهور الفيروس الشبح أتش1أن1 في إحدى ضواحي العاصمة مكسيكو استطاعت المكسيك أن تمحو آثاره من الحياة العامة وتحاصره في المستشفيات والمصحات الخاصة، فلا أشخاص يرتدون الأقنعة أو يتحدثون عن الوباء، حتى أننا كنا محط أنظار الجميع عند ارتدائنا الأقنعة والكمامات بمجرد نزولنا من الطائرة فالقاعدة المعمول بها في بلد أصبح نموذجا يقتذى به في مواجهة الوباء أن الكمامات للمرضى للحد من انتشار الفيروس، وليست للأصحاء الذين يجب أن يتنفسوا هواء نقيا يقيهم من أمراض أخرى والمريض مكانه الطبيعي في المستشفى، وليس في الشارع والأسواق، فالتعليمات الصحية واضحة في كل مكان وتلزم أي شخص سواء كان مكسيكيا أم أجنبيا تظهر عليه أعراض الأنفلونزا أن يخضع للتحاليل و يعزل صحيا في حال التؤكد من إصابته وفق معايير صارمة دون تهويل ما أدى إلى استقرار الوضع الوبائي في المنطقة و عدم تسجيل أي وفيات أو حالات جديدة منذ أسابيع، وبالمقابل تحضر السلطات الصحية لمخططات احترازية لمواجهة أي موجة أخرى للوباء، ولكن بآليات تحارب الهلع قبل أن تواجه الفيروس وفق منطق "خسائر الخوف والهلع أكثر من خسائر الكارثة و الأزمة" * اليوم الشارع المكسيكي يعج بكل تفاصيل الحياة ماعدا "الفيروس البعبع" فمكانه الطبيعي في المستشفى قصد علاج من يصاب به، ككل مريض يصاب بأي نوع من الفيروسات التي تعج بها حياتنا اليومية..