لا يأتي الإضراب حتما من النقابات أو من الأحزاب اليسارية المتطرفة... يمكن أن يأتي الإضراب من الوزارة، بسبب عجزها، أو رفضها الحوار. * صدق أبو بكر لما قال إن قطاع التربية فضاء استراتيجي يفرض على كل القوات الحية في المجتمع أن تعمل للحفاظ عليه وعلى استقراره. وصدق وزير التربية لما قال في رسالة موجهة إلى المعلمين، إن اللجوء المستمر إلى الإضرابات يعارض الهدف المنشود والمتمثل في تحسين فعالية النظام التربوي. ويصيب السيد بن بوزيد مرة ثالثة لما يقول إن الإضراب الذي دعت إليه هذا الأسبوع نقابات التعليم، يأتي رغم أن النظام التربوي لم يتخلّص بعد من مخلفات إضراب نوفمبر الماضي. * لكن إذا كان السيد بن بوزيد صادقا في هذه النقاط الثلاث، فإن ذلك لا ينفعه كثيرا، حيث لا يمكن مساندة من يعمل لضرب استقرار المنظومة التربوية، ولا أحد يوافق اللجوء العشوائي إلى الإضراب. وإذا سألنا المعلمين أنفسهم، فإنهم يعترفون أن إضراب نوفمبر الماضي خلف تأخرا في البرنامج الدراسي وأحدث اضطرابا في الدراسة لا يمكن القضاء عليه في فترة قصيرة. * ويتضح ضعف وضعية الوزير لما يعترف بشرعية مطالب نقابات التربية، ويتكلم نقطة بنقطة عن القضايا التي تعتزم وزارته مراجعتها لتلبية تلك المطالب. ولكن إن كانت المطالب مشروعة، لماذا لم تتخذ الوزارة إجراءات لتطبيقها قبل الإضراب؟ لماذا انتظرت حتى يدخل المعلمون في إضراب يضر التلاميذ ويهدد استقرار المدرسة لتقبل المفاوضات وتعترف بشرعية المطالب؟ أليس تصرف الوزارة هو الذي يدفع المعلمين إلى استعمال الإضراب كوسيلة أساسية للاحتجاج، بما أن الوزارة لا تستجيب إلا للمنظمات التي تستطيع أن تزعزع المنظومة التربوية؟ * واستيقظت الوزارة عشية الإضراب لتؤكد مرة أخرى، أنها ستلبي كل ما يطلبه المعلمون وما لم يطلبوه، وذلك حتى تتجنب الإضراب. وفي الماضي سبق لها أن رفضت التفاوض مع النقابات، ولم تفتح معهم الحوار إلا تحت الضغط. وهذا التصرف نفسه يدفع المعلمين إلى الإضراب عند كل صغيرة وكبيرة، لأن الوزارة برهنت من خلال تصرّفها أنها لا تبالي بالمعلمين إلا إذا تعفّن الوضع. * من جهة أخرى، فإن الوزارة قالت إنه سيتم تطبيق التعويضات التي تم الاتفاق عليها بأثر رجعي ابتداء من جانفي 2008. ويعني ذلك أن حقوق المعلمين كانت مهضومة منذ سنتين، دون أن تتحرك الوزارة لتصحيح الوضع. ولما أعلنت النقابات عن الإضراب في بداية السنة المدرسية، بقيت الوزارة تتفرج دون اتخاذ مبادرات تذكر. ودخل المضربون في مواجهة عنيفة مع الوزارة، التي انتظرت تعفن الوضع والتهديد بمصير التلاميذ لتقول في نهاية الأمر إنها ستلبي كل مطالب المضربين. هذا التنازل يعني أن الوزارة كانت مخطئة، وأنها تتحمل مسئولية ما ترتب عن الإضراب... وإذا كنا نعرف أن الوزارة تملك السلطة الكافية لتعاقب المعلمين إذا أخطأوا، فمن يعاقب الحكومة إذا أخطأت واعترفت بخطئها؟ * ويطرح موقف الوزارة تجاه الإضراب وموقف النقابات التي تدعو إلى الإضراب قضية المسئولية والحكمة في تسيير شئون البلاد. ويتضح من خلال ما تقوله الوزارة أنها فشلت في تسيير النزاعات، وأنها فشلت حتى في التسيير العادي للمنظومة المدرسة. ويؤكد ذلك ما حدث في الوزارة خلال الأشهر الثلاثة الماضية منذ إضراب نوفمبر: إما أن الوزارة عجزت عن تطبيق التزاماتها، وأنها لا تريد تطبيق تلك الالتزامات. ولا نعرف أي الاحتمالين أخطر... * ولا يمكن للمعلمين أن ينكروا هذا الواقع في عملياتهم الاحتجاجية. إن الوزارة قد ماتت، مثلما حدث لوزارة الصحة التي تكلمنا عنها في عدد سابق. وهذا ما يعود بنا إلى دور الإدارة في المجتمع الجزائري، ودور الدولة بصفة عامة. فبينما كنا ننتظر من الدولة أن تكون رائدة، وأن تسبق النقابات والمنظمات والمواطنين في التحليل والتفكير والتخطيط وتحضير المستقبل، والتكفل بالمواطنين سواء كانوا معلمين أو أطباء أو تلاميذ أو مرضى، فإذا بنا نجد أن هياكل الدولة لا تكتفي بعجزها عن تسيير أبسط الأمور، بل أن تصرفها أصبح يشكل تهديدا للسلم والاستقرار.