خرج الرئيس الأسبق، اليامين زروال، عن صمته ليوجه رسالة إلى الجزائريين أمس، عبّر من خلالها عن انشغاله جراء الظروف التي تعيشها البلاد، وهي على بعد أقل من شهر عن موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 17 أفريل المقبل. وقال زروال في بيان من أربع صفحات، اطلعت عليها "الشروق"، إن الظروف التي تعيشها البلاد اضطرته إلى الخروج عن واجب التحفظ الذي لطالما التزم به، ودفعته إلى إصدار هذا البيان. وكان يتحدث هنا عن "سلسلة من الأحداث والتصريحات غير المعهودة، عشية استحقاق انتخابي"، وضعته أمام "واجب أخلاقي" يحتم عليه التعبير عن موقفه، الذي يتقاسم من خلاله المشاعر والمخاوف مع الجزائريين".
لا يُمكن لأي ضمير أن يبقى غير مبال ولاحظ الرئيس السابق أن ما يحدث هذه الأيام على الساحة الوطنية لا يمكن أن يترك ضمير أي مواطن غيور على استقلال البلاد ومنسجم مع قيمه وتضحيات أبنائه، "غير مبال" بما يحدث، سيما وأن البلاد خرجت لتوها، يضيف صاحب البيان، من أزمة دفعت بسببها ثمنا باهظا. وكانت الساحة السياسية والإعلامية قد عاشت في الأيام الأخيرة على وقع تجاذبات، كانت أبرزها تلك التي تسببت فيها عبارات غير محسوبة العواقب، صادرة عن عبد المالك سلال، مدير الحملة الانتخابية للمترشح عبد العزيز بوتفليقة، طالت فئة من الجزائريين (الشاوية)، وإن اعتبرها صاحبها مجرد "نكتة".
الجيش في جاهزية لمواجهة كل الأخطار وبعد أن حيا زروال الجيش الوطني الشعبي وكافة الأسلاك التي ساهمت في مواجهة الأخطار التي استهدفت استقرار البلاد، انتقد الهجمة التي تعرضت لها المؤسسة العسكرية، وقدّر بأن الهدف منها هو إضعاف "جهاز الدفاع والأمن الوطنيين مجددا"، بما يفتح المجال أيضا أمام الأخطار المتعددة التي تستهدف الجزائر، غير أن الجيش الوطني، يقول صاحب البيان، يوجد في جاهزية كاملة لمواجهة هذه الأخطار، بالنظر إلى نوعية رجاله وكفاءتهم الوطنية، يقول زروال، الذي اعتبر مثل هذه المواصفات كفيلة بتمكينهم من إكمال مهامهم وتأدية واجبهم في خدمة الأمة، مشددا على أن "الحفاظ على اللحمة بين أفراد الجيش وتماسك صفوفه في ظل احترام القانون وتعزيز قدراته العملياتية من أجل حماية الوطن، سيظل التماسك الداخلي للجيش الوطني وامتداده الشعبي، يشكلان، الاثنان معا، العاملين الحقيقيين لقوته". أدعو الجزائريين إلى الوحدة والحفاظ على الاستقرار وانتقد الرئيس السابق التعديل الذي أدخل على الدستور في 2008، ولا سيما الجانب المتعلق بفتح العهد الرئاسية من خلال مراجعة المادة 74، وقدر بأن ذلك التعديل "أفرغ مسار التقويم الوطني من محتواه، ومن تحقيق مكاسب جديدة على درب الديمقراطية". وهو الذي كان (مسار التقويم الوطني) يهدف إلى نقل البلاد إلى فضاءات جديدة على طريق الديمقراطية، مشيرا إلى أن مبدأ التداول على السلطة، الذي كرسه في تعديل 1996، إنما كان من بين أهدافه "تعزيز الانسجام الوطني وتقوية التضامن بين الأجيال، وتأسيس قواعد هيكلية لاستقرار مستديم".
الديمقراطية علمتنا أن السلطة عليها قبول سلطة مضادة وفيما بدا انتقادا للكيفية التي سيرت بها الدولة في عهد الرئيس بوتفليقة، كتب زروال: "علمتنا الديمقراطية في العالم أن الدولة القوية هي التي تقبل فيها السلطة التعايش مع سلطة مضادة". وشدد صاحب الرسالة على أن "مبدأ الشفافية في الإدارة والشؤون العمومية وتسيير موارد الدولة وممارسة الحريات الشخصية والجماعية، تشكل ضمانا قويا للحكم الراشد، وأداة فعالة لمحاربة كافة أشكال التعسف والفساد"..
الرئاسيات القادمة آخر فرصة للجزائر ونبّه زروال إلى أن العهدة الرئاسية المقبلة، تشكل الفرصة الأخيرة بالنسبة إلى الجزائر، و"يجب أن تندرج في إطار تصميم وطني كبير، ووفق رؤية مشتركة حول مستقبل البلاد، يتقاسمها مختلف الفاعلين في الساحة الوطنية". خرجت عن واجب التحفظ بسبب الأحداث والتصريحات غير المعهودة ورافع المتحدث لصالح "عهدة انتقالية تشكل المرحلة الجدية الأولى لتحقيق قفزة نوعية نحو تجديد جزائري أكثر تطابقا مع التطلعات المشروعة لأجيال ما بعد الاستقلال، وفي تناسق مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم"، وتابع: "لقد حان الوقت لتمكين الجزائر من الجمهورية التي يحق لها أن تشترطها على شعبها ونخبتها المستنيرة".
مهمة ثقيلة معنويا وبدنيا لمن يريد أن يكون رئيسا ولم يترك زروال الفرصة تمر دون أن يعرض إلى الوضع الصحي للرئيس المترشح، وقال: "الانتخابات الرئاسية شكلت دوما لحظة قوية في حياة الأمة وحدثا، وهنا فإن الأمر يعتبر شرفا عظيما بقدر ما يعد مهمة ثقيلة ودقيقة، سواء من الناحية المعنوية أم من الناحية البدنية بالنسبة إلى كل من يتطلع إلى الارتقاء إلى منصب القاضي الأول في البلاد، وقدر بأن "هذه المهمة، كي يتم أداؤها أداء مشرفا، تتطلب أن تحاط بجملة من الشروط، ومنها خصوصا تلك التي يمليها الدستور رسميا، من جهة، وتلك التي تفرضها قواعد الأخلاق البروتوكولية المرتبطة بممارسة الوظيفة". وإن أكد على أهمية الواجب الملقى على عاتق المواطن في الإدلاء بصوته في المحطات الوطنية الكبرى، فإنه يتعين على الدولة أن توفر أحسن شروط الشفافية والحرية حتى يتم احترام هذا الخيار ويؤخذ في الحسبان بشكل حازم".