تحرُّك أعضاء تنسيقية المقاطعين للرئاسيات، وتغيير استراتيجية عملهم بتوسيع مشاوراتهم واتصالاتهم إلى شخصيات وطنية من العيار الثقيل كمولود حمروش وسيد أحمد غزالي وعلي بن فليس، وإلى شخصيات أخرى، ينبئ بأن جبهة المعارضة لمعسكر الرئيس لن تستسلم للأمر الواقع ولن تخلد إلى السبات أو تعود إلى قواعدها بعد أن وضعت الرئاسيات أوزارها... ولا يبدو أنها ستدع الرئيس وأنصاره يهنؤون بانتصارهم "المريح".. لقد انتقلت التنسيقية إلى السرعة الثانية في مواجهة مخلفات السابع عشر أفريل، وأعدت العدة لطرح نفسها كشريك لا يمكن تجاوزه في أية ترتيبات مستقبلية.. بل يبدو أنها تسعى لفرض نفسها كفاعل محدِّد لمستقبل البلاد، ومساهم في تصور المخارج والحلول التي يجب إتباعها لإخراج البلاد من الأزمة السياسية المتعددة الأبعاد التي تعصف بها. مسعى التنسيقية كان مفاجئا لأكثر من جهة في وقت ساد الاعتقاد بأن الصدمة كانت كبيرة وحملة التخويف لتمرير فوز بوتفليقة أتت أكلها في إقناع الجميع بأن معارضة النظام لا جدوى منها.. في لحظة ذهول من هول النتائج المعلنة بدت الطبقة السياسية وكأنها استسلمت للأمر الواقع وانتقلت من المغالبة إلى المهادنة والتمني بأن ينحى الرئيس منحى يمكنه من الخروج من الباب الواسع بتبني بعض مطالب المعارضة والقيام بإنجاز تاريخي يخلد به اسمه في تاريخ الجزائر ويخرجه من الباب الواسع بإقرار إصلاحات سياسية ثورية تعيد للديمقراطية بريقها وللدولة هيبتها وللمعارضة ماهيتها وللخزينة مناعتها، وللمواطنة مكانتها... غير أن الصدمة والذهول لم يعمرا طويلا لتُبْعث المعارضة من أنقاض ما خلفته هزة السابع عشر ابريل.. لا شك أن جدية تحركات أعضاء "تنسيقية الأحزاب والشخصيات المقاطعة" التي تحولت إلى "التنسيقية من أجل الانتقال الديمقراطي " حتى تكون اسما على مسمى، سيرفع من حدة الاستقطاب السياسي والاحتقان الحاصل على الساحة، خاصة إذا نجحت في ضم تلك الأسماء الثقيلة ممن التقتهم أو تنوي الاجتماع بهم لتنسيق الخطى وتوحيد النضال لتفعيل الحركة وتدعيم التوجه، غير أن ذلك سيضفي على المشهد السياسي الجزائري نوعا من التوازن ويعيد الأمل للجزائريين في احتمال تصحيح المسار أو على الأقل الحلم بذلك.. شريطة ألا يندرج هذا السجال في إطار الصراع الذي ساد قبيل الرئاسيات بين أنصار الرئيس وأتباع المخابرات. التنسيقية التي ينشطها مقري – بجدية وفعالية – أكدت حرصها على "أن يكون العمل ضامنا لسلامة مؤسسات الدولة ووحدتها واستقرار المجتمع وأن لا يكون إقصائيا وأن لا يكون موجها ضد أي طرف"، لكن هذا التوجه لا يضعها في منأى من مخاطر الاحتواء وتحويلها إلى أداة لإدارة الصراع أو تصفية الحسابات ما لم تقف على المسافة نفسها بينها وبين كل المتسببين في الأزمة التي تعصف بالبلاد والذين كانوا وراءها.، وتدينهم، لا أن تحمِّل معسكر الرئيس وأنصاره والعهدة الرابعة كل الأوزار، وتبرئ المناوئين الآخرين وعلى رأسهم مديرية الاستعلامات وأتباعها لأن المسؤولية مشتركة وإن بتفاوت. والفساد غير مرتبط بمحيط الرئيس فقط بقدر ما هو مرتبط بطبيعة النظام الذي ساهمت المخابرات في "تشييده" مساهمة كبيرة.. فالفساد السياسي بمعناه الواسع سمة من سمات النظام لم يكن ليختفي لو كان شخص آخر مكان بوتفليقة ولن يختفي وإن حل محله رئيس آخر، ما لم يتغير النظام نفسه وأسلوبه في تسيير أمور البلاد وطريقته في اختيار البرامج والرجال..