شنّ الشيخ عبد الله جاب الله حملة واسعة من النقد اللاذع لوثيقة الدستور المزمع عرضها قريبا على غرفة البرلمان، وقدم رئيس جبهة العدالة ملخّصا عن دراسة علمية أجراها على فصول المشروع التمهيدي الذي كشف عنه رئيس الجمهورية، حيث قال جاب الله إنه يعجّ بالاختلالات والعيوب القانونية. ولدى نزوله ضيفا على منتدى "الشروق"، قدم الرجل ملاحظات كثيرة، توزعت على الديباجة وباقي الأبواب المتعلقة بتنظيم السلطات، والحريات، وتركزت مؤاخذات جاب الله على عدم احترام المرجعية النوفمبرية، وغياب ملامح طبيعة النظام السياسي، فضلا عن تمييع المسؤولية بالنسبة للدولة، وعدم خضوع السلطة للحساب، ما يكرّس برأيه استمرار الفساد ونهب المال العام . هذا، وتناول جاب الله آفاق المعارضة في ظلّ الواقع السياسي الذي يتّسم بتغوّل الحكم، والذي لم يترك عادته في ضرب الأحزاب، على حدّ تعبيره. وعلى المستوى الإقليمي، أبدى المتحدث تأييدا مطلقا لموقف المملكة السعودية مع سياسات إيران في المنطقة العربية، مؤكدا أن من واجب الأخيرة العمل على حماية أمنها واستقرارها، في ظلّ الأحلام التوسعية للدولة الصفوية، مثلما جاء على لسان جاب الله.
قال إن دسترة المصالحة تهدف إلى تحصين رجالات السلطة جاب الله: مشروع الدستور يكرس التوجه العلماني للدولة انتقد الشيخ عبد الله جاب الله المشروع التمهيدي للدستور، المزمع عرضه قريبا على البرلمان، وأحصى عشرات العيوب - من وجهة نظره - في مختلف الأبواب، وفي الديباجة لوحدها، وقف الرجل على 11 خللا، وكمثال على ذلك، تعرّض لمضمون الفقرة الثالثة، حيث تساءل عن "الدول الديمقراطية" التي عرفتها الجزائر عبر تاريخها، ليصف ما ورد فيها ب"الكذب على التاريخ"، أما بشأن الفقرة الخامسة، فقد جاء فيها "وقدم الشعب تضحيات جسام من أجل استعادة الهوية الوطنية"، قال المتحدث، "لست أدري ما هي الهوية الوطنية المستعادة، فهي تبقى محل نقاش، وأصحاب السلطة في البلاد مرتمون في أحضان التيار العلماني"، مضيفا، هناك أيضا مادة في الديباجة تنص على ضمان الديمقراطية في دولة جمهورية، وهي برأيه علامة على التوجه العلماني، ولذلك يقترح رئيس جبهة العدالة والتنمية، إضافة في هذه الفقرة للتوضيح، تتّسق مع بيان أول نوفمبر، من قبيل دولة في إطار المبادئ الإسلامية. كما أخذ جاب الله على الديباجة إهمالها للتاريخ القديم لدولة الجزائر، مقابل تركيزها على مرحلة الحركة الوطنية ودور جبهة التحرير الوطني خلال الثورة، ومن المؤاخذات الأساسية أيضا التي وقف عندها ضيف منتدى "الشروق"، هو إدماج موضوع المصالحة الوطنية، "في حين هي مرحلة عابرة، كما أنها لم تكن محل اتفاق، بسبب قيامها على منطق الغالب والمغلوب"، ويرى المتحدث أن خلفية إدراجها في الدستور هو بغرض "تحصين أطراف على علاقة بالأزمة الأمنية، مثلما فعلوا من قبل مع ميثاق السلم والمصالحة في 2005، واليوم أصبحت الحصانة عن طريق الدستور".
المشروع لا يحمي مرجعية الأمة! وفي الباب الأول من وثيقة الدستور، يرى عبد الله جاب الله أنّ هناك مآخذ كثيرة بخصوص المرجعية، فهو يعتبر أن مادة "الإسلام دين الدولة"، تبقى عبارة فضفاضة، توظفها السلطة للتمويه فقط، بينما لا يضمن الدستور حماية الدين الإسلامي من التجاوزات السلوكية للمؤسسات والأفراد، كما أوضح المتحدث أن الوثيقة لم تشر إلى طبيعة مسؤولية الدولة، "حتى تكون خاضعة لمحاسبة المعارضة مثلاً، أو المجتمع أو مؤسسات الدولة"، مضيفا أنها "لم تحدد طبيعة نظام البلد"، وهذا مقصود للهروب من المحاسبة وفق المعايير الدستورية المتعارف عليها، مثل ما يؤكد جاب الله. وأخذ ضيف منتدى "الشروق" على المشروع التمهيدي للدستور، عدم الإشارة إلى الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية بعد ترسيمها، مشدّدا بهذا الخصوص، أنه كان الأحرى الإشارة إلى الحرف العربي، حتى لا تكون الأمازيغية خادمة للحرف اللاتيني، وأضاف بهذا الصدد، أنّ هذه المادة تفرض تمرير التعديل على الاستفتاء، وليس البرلمان".
التعديل المقترح لا يصون الحريات ولا المال العام وفي سياق آخر، قال رئيس جبهة العدالة والتنمية، إنّ المادة 9 في التعديل المقترح، لا تضبط مهام مؤسسات الدولة، "إذ وبرغم تجاوزات المسؤولين في حقّ المال العام، فإنّ الدستور لا يشير إلى محاربة آفة الفساد"، ما يعكس - برأي المتحدث- الإرادة في إبقاء الوضع على حاله، "بهدف استغلال النفوذ في الثراء، وإلحاق الأذى بالآخرين، مثلما هو واقع اليوم". وفي باب الحقوق والحريات، ذكر الشيخ جاب الله أنه تضمن 32 عيبًا، أبرزها الحق في عقد تجمعات، والتي مازالت مرهونة بإصدار الرخصة، وهذا ما يتنافي مع المبادئ الديمقراطية، على حدّ تعبيره، ونفس الشيء في نشاط الأحزاب التي تحتاج فقط إلى الإخطار وليس الترخيص، وبخصوص الضمانات، فيراها المتحدث مغيبة كثيرا، معتبرا أن التعديلات الطفيفة غير كافية.
الدستور يهدف إلى إشاعة الفساد في المجتمع..! أما مسألة المناصفة بين الرجل والمرأة، والتي وردت في المادة 31 من المشروع، فيرى جاب الله أن الأصل هو العدل وليس المساواة، والعدل لا يعني مطلقا المساواة، حيث يتأسس على مبادئ الأهلية والكفاءة والشفافية، أمّا الحديث عن مطلق المساواة، فهذا يتعارض مع الدين، مثلما صرّح جاب الله، والذي ذهب إلى حدّ اتهام السلطة بالرغبة في نشر الفساد في المجتمع، من خلال الإرادة في تكريس المناصفة بين الجنسين.
السلطة تتعامل مع الدستور بمنطق "المنحة الملكية" قال الشيخ عبد الله جاب الله، إنّ وثيقة الدستور تشتمل على كل التصورات الكلية لجوانب المجتمع والدولة، وتؤسس لرؤية مستقبلية لأوضاع الدولة، وهي بذلك ذات أهمية كبرى يجب أن تؤخذ في ظرف زمني محدد أو قياسي، وأن لا ينفرد بوضعها فرد أو فئة، بل يجب - يضيف المتحدث- وضعها من طرف ممثلين عن الأمة. وشدّد رئيس جبهة العدالة والتنمية على أن البلاد تعيش ظرفا صعبا، لكن السلطة تريد تمرير الدستور عبر البرلمان وليس عن طريق الاستفتاء الشعبي، وتفسير ذلك برأي جاب الله، هو أن القائمين على شؤون الحكم يتعاملون مع مسألة الدستور على أنّه بمثابة منّة على الشعب، وأنّ الرئيس هو السلطان الذي يحتفظ لنفسه بجميع الصلاحيات، ويعتقد المتحدث أنّ النخبة التي تحكم لا تزال تحتفظ بعقليتها القديمة، مع "أننا في عهد جديد"، ورغم مطالب النخبة عبر عقود طويلة، بضرورة انتقال ديمقراطي صحيح، والتأسيس لدستور من أجل التكفل بمبادئ الأمة، إلا أن "السلطة لم تستمع إلى تلك الدعوات، واستمرت في سياسة لا أريكم إلا ما أرى".
إعادة هيكلة جهاز المخابرات "لا حدث" يرى رئيس جبهة العدالة والتنمية أنّ إعادة هيكلة جهاز المخابرات لا يمكن أن تكون بداية لبناء الدولة المدنية الجديدة، والدليل الذي يقدمه على هذا التقييم، هو عدم تكريس الحريات وحمايتها في مشروع الدستور، فهذه الإجراءات تبقى - برأي جاب الله- شكلية فقط، بل يعتبر أن إلحاق المؤسسة الأمنية برئاسة الجمهورية يهدف إلى توسيع السلطات وتقوية الصلاحيات في يد الرئيس، وهذا الإجراء "مناقض لمبادئ الفصل بين السلطات، حيث يشكل خطرًا على الحريات، ويمكّن للاستبداد". وأضاف جاب الله بهذا الخصوص، أنّ التعديلات المدرجة في الدستور لا تبشر بوجود نية صادقة في بسط الحريات والمحافظة على المال العام، وتحقيق التوازن في الصلاحيات بين السلطات، وبالتالي، فإن الحديث عن الانتقال الديمقراطي على ضوء إعادة هيكلة جهاز المخابرات، كلام لا يستقيم مع واقع الممارسة، مثلما يقول المتحدث.
حمّل النظام مسؤولية الاستقالة المعنوية للمواطنين جاب الله: السلطة لم تتخلّ عن عادتها في كسر الأحزاب قال الشيخ عبد الله جاب الله، إنّ السلطة لم تتخلّ عمّا وصفه ب"الأسلوب السيئ والدنيء في ضرب المعارضة"، وذلك تعليقا على المشاكل التنظيمية التي يعيشها حزب العمال في الآونة الأخيرة، وإن تحاشى المتحدث التطرق لهذه القضية من زاوية التشخيص، فقد أكد أنّ هناك تغييبا كاملا للحريات، "فمن رضوا عليه، غضوا عنه الطرف، ومن غضبوا عليه، سلطوا عليه كل أنواع الاستبداد"، على حدّ قوله. وبشأن ما يتردّد عن ضعف المعارضة، فإن رئيس جبهة العدالة والتنمية، يحمّل النظام مسؤولية ذلك، فهو برأيه منْ دفع بالشعب إلى الاستقالة المعنوية، قائلا "عندما أصبح الجزائري لا يثق في الانتخابات، أحجب الناس عن الذهاب إلى صناديقها"، كما استدلّ بالمعوقات التي وضعتها السلطة في وجه المعارضة، خاصة ما تعلق بمنع تنظيم نشاطات إلا عن طريق الرخصة، ومن العوامل أيضا - حسب جاب الله- الحملات الإعلامية لتفجير الأحزاب، ومن هنا، "لا يمكن معرفة قوة الحزب الحقيقة، لأن النظام متغوّل على المعارضة بإمكانات الدولة". وعن حيل المعارضة في مثل هذا الواقع، ردّ جاب الله بالقول "إنّ المعارضة قد بلورت موقفها لإخراج الجزائر من أزمتها، والعودة إلى بيان نوفمبر، لكن النظام التفّ على مطالبها، عبر استحداث هيئة لمراقبة الانتخابات، لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا"، وبالتالي لم يعد أمام المعارضة سوى خيارين، إما المواصلة أو تغيير طريقة العمل، مثلما أضاف المتحدث. وأكد ضيف "الشروق" في هذا السياق، أن جدول أعمال المؤتمر الثاني المقرر تنظيمه في 27 مارس القادم لم يضبط بعد، "وكل ما قيل في الصحافة على لسان الأعضاء ليس إلا تكهنات"، وأوضح أنّ لجنة تقنية تتكفل بالتحضير لهذا الموعد، وهي حريصة على دعوة أكبر عدد من الأحزاب والشخصيات، وأنّ الاتجاه العام للندوة المرتقبة، يهدف إلى تنظيم نشاط أكبر من لقاء مازفران، وموضوعها سيركز على الانتقال الديمقراطي في ظلّ المعطيات المستجدة.
سنة واحدة أمام السلطة لتفادي الانفجار الاجتماعي توقعّ الشيخ عبد الله جاب الله أن تتمكن الحكومة من تأجيل الانفجار الاجتماعي لمدة سنة على الأكثر، معتبرا أن الاحتجاجات الحالية في بعض القطاعات تبقى ذات طابع محلّي ومحدود، لكنها مرشحة برأيه للتوسّع، بفعل الضغوطات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية. وفي تحليله للوضع المالي الذي تعيشه البلاد، على وقع انهيار أسعار النفط ، قال المتحدث إنّ الرشد غائب لدى السلطة، وهذا برأيه أحد أسباب ضياع حقوق الناس، حيث يتهم رجال الحكم بخدمة مصالحهم، "بل خدمة أولياءهم في الخارج". ولخّص ضيف "الشروق" سبب مشاكل البلاد الاقتصادية، في حصر مصادرها في ثروة البترول، مستشهدا ببعض الدول الخليجية الصغيرة التي تعاملت مع أزمة البترول بأريحية، لأنها شيدت اقتصاديات متوازنة في مواردها. وقال جاب الله، إن السلطة واصلت طيلة عقود، استنزاف الثروة بشتى الطرق والوسائل، برغم الانتقادات الواسعة لها من المعارضين والخبراء، حتى وصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، لتلجأ الآن إلى "تحميل المواطن البسيط عبر قانون المالية أعباء الضرائب والرسوم المرشحة للارتفاع"، مشدّدا على أنه يتوجب على النظام تحمل المسؤولية، لأنّ البدائل التي تقدمها الحكومة لا فائدة منها، متسائلا "كيف ترفع التحدي اليوم والخزينة فارغة، بينما فشلت في سنوات الرخاء".
السلطة تحكم الجزائريين بالنيابة عن فرنسا! قلّل الشيخ عبد الله جاب الله من زيارة وزير المجاهدين الطيب زيتوني إلى فرنسا، حيث قال إنّ كلّ وزراء الجزائر يحجون إلى فافا، معتبرا هذه التصرفات مذلة للشعب الجزائري، وأبدى المتحدث بهذا الصدد، استغرابه من أنّ وزيرا سابقا غادر البلاد في اليوم الثاني لخروجه من الحكومة نحو فرنسا. وعليه، يقول جاب الله، ليست المشكلة في ذهاب الطيب زيتوني إلى فرنسا، "لكن المصيبة هي في انتقال الحكم في الجزائر المستقلة من الأصالة عن فرنسا إلى النيابة عنها"، ليبقى استقلال الوطن منقوصا، ما لم تجتمع النخب، ومن وراءها الشعب على إقامة دولة بيان أول نوفمبر، مثلما يرى المتحدث.
إيران دولة صفوية ومن واجب السعودية الدفاع عن المنطقة يرى الشيخ عبد الله جاب الله أنه لا يمكن فهم التوترات القائمة إيران والسعودية بمنأى عن الخلفية الأيدلوجية التي انطلقت منها إيران في سياستها مع العالم العربي والإسلامي، وقال رئيس جبهة العدالة والتنمية إنه تعرّف على العديد من الشخصيات الإيرانية، وحاورهم في أحاديث صريحة، وكانت النقطة الجوهرية التي شدّد عليها مع هؤلاء هي الابتعاد عن تصدير الثورة لدول المنطقة، والذي يؤدي إلى إشاعة التشيّع، ولهذه الأسباب فإنّ موقف السعودية اليوم جاء متأخرا، وكان الأولى بها التصدّي لسياسات إيران قبل هذا الوقت، مثلما يعتقد جاب الله. وأضاف ضيف "الشروق" أن الحكم اليوم في إيران حكم صفوي، يستعمل توظيف المذهب الجعفري لفائدة العرق الفارسي المتسلط على مكونات الشعب الإيراني، والحالم بالتوسع الإمبراطوري، "وهذا ما يجعل من واجب السعودية الحفاظ على أمنها واستقرارها"، قبل أن يستدرك جاب الله كلامه بالقول "هذا ليس تزكية منّي لسياسة المملكة الداخلية والخارجية، بل هو موقف متعلق بالعلاقة مع طهران". وعن إمكانية الوصول إلى حل تصالحي مع إيران عن طريق الحوار المذهبي، فأكد جاب الله أنّ لا جدوى من هذا المسلك، بل الأولى مجابهة سياساتها في المنطقة بكلّ حزم، مع القبول بالتعاون والتنسيق في المسائل الكبرى للعالم الإسلامي. وعن موقف الجزائر من الأزمة بين طهران والرياض، الذي وصفه كثيرون بالمتوازن، فقد علّق عليه جاب الله بالقول "نخشى أن يكون داعما لنظام علي عبد الله صالح، مثلما وقفت مع بشار الأسد والسيسي، من خلال دعمها لإجرام إيران".