طرح خطاب التهدئة الذي بلوره الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة، من "دوريته" نحو شرق البلاد نهاية الأسبوع، تجاه الغريم حزب جبهة التحرير الوطني وأمينه العام عمار سعداني خاصة، جملة من التساؤلات حول خلفية هذا التعاطي، وما إن كان مؤشرا عن تراجع النفوذ الذي كان يتمتع به أويحيى منذ بروزه إلى الواجهة. زعيم الأرندي وفي الوقت الذي كان ينتظر منه "انتفاضة" للدفاع عن كرامته السياسية المهدورة، فضل الجنوح إلى خطاب سلمي مهادن تجاه غريمه في حزب جبهة التحرير الوطني، عندما خاطبه من سكيكدة، أين أحيا الذكرى ال 19 لتأسيس الحزب، حيث قال: "سعداني صديقي وأخي والأفلان شريك فعّال"، في دعم برنامج الرئيس بوتفليقة . وكان اسم مدير الديوان برئاسة الجمهورية، قد تم تداوله في الأيام الأخيرة بقوة من قبل بعض الأوساط الإعلامية، كخليفة محتمل لعبد المالك سلال على رأس الحكومة، غير أن "مصدر الرئاسة المأذون" الذي أوحى إلى وكالة الأنباء الجزائرية باستمرار الحكومة الحالية، نسف تلك التكهنات، وأبقى الأمور على حالها . وإلى غاية خروج "المصدر المأذون" عن صمته، بل وقبل ذلك، لم يتوقف زعيم الحزب العتيد عن مهاجمة أويحيى، فقد توعده في الندوة الصحفية التي أعقبت آخر اجتماع للمكتب السياسي للحزب، ب "غسله" بعد المصادقة على الدستور. وهو ما حدث، حيث عاد في الحوار الذي خص به وكالة الأنباء الألمانية الخميس المنصرم، ليجدد رفض "الأفلان" قيادة أويحيى للحكومة الجديدة، مبررا موقفه ب "المآخذ" التي سجلت عليه خلال إدارته الجهاز التنفيذي على مدار سنين طويلة. وهكذا، كلما صفع سعداني أويحيى على خده الأيمن، أدار له خده الأيسر بطواعية لتلقي الضربة الموالية، في مشهد غير معهود عن "سي احمد" الذي عرف عنه عدم التسامح مع كل من يتجرأ عليه.. فما الذي تغير حتى صارت حال "مدلل السلطة" في وقت مضى، إلى هذا الوضع، حتى وهو يتقلد منصبا حساسا في رئاسة الجمهورية؟ وإن أخفت عبارات رئيس الحكومة الأسبق الكثير من الدبلوماسية في التعاطي مع غريمه في جناح الموالاة، إلا أنها أبانت، بالمقابل، عن إدراك الرجل أن الكثير من الأمور والمعطيات تغيرت في قمة الهرم، ولم تعد تصبّ في مصلحته. ويرى مراقبون أن مدير الديوان برئاسة الجمهورية خسر الكثير من النفوذ في السنوات القليلة الأخيرة، بسبب حركية موازين القوى وتغيرها داخل دهاليز صناعة القرار، ميزها بروز شخصيات أخرى استفادت من الوضع الجديد ووظفته بشكل فعال لصالحها. ومن بين الشخصيات المستفيدة من الوضع الجديد، الأمين العام للأفلان الذي أبى أن يتقمص الدور الذي لعبه الأمين العام السابق للحزب، عبد العزيز بلخادم، الذي قبل لعب أدوار أقل من ثقل حزبه، كما قال زعيم "العتيد"، في إشارة إلى ترؤس أويحيى الحكومة على فترات متقطعة من 2002 إلى 2011، في حين إن حزبه "الأرندي" لا يتوفر على الأغلبية البرلمانية. ويبدو من خلال معطيات المشهد، أن سعداني حقق بعض ما كان يصبو إليه، وفي مقدمته الوقوف في طريق غريمه في "الأرندي" ومنع اعتلائه سدة قصر الدكتور سعدان. فهل كان لسعداني فعلا دور في استمرار الحكومة الحالية التي يرأسها "أفلانيا" بالتبني؟