تحولّت الجامعة العربية إلى مؤسسة مصرية تكرّس الرؤية السياسية المصرية المحكومة بإيقاع التأثيرات الأمريكية والصهيونية. وقد أدّى التحكم المصري الرسمي في منحنيات الجامعة العربية وأمانتها العامة إلى تحريف هذه الجامعة عن مسارها الصحيح وعن منطلقاتها التي توافَقَ عليها مؤسسوها في ميثاق التأسيس ومنها توثيق الروابط بين الدول العربية، وضمان حقوق الإنسان في الوطن العربي والعمل على تحرير فلسطين... وتعتبر دعوة الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية السيد عبد العزيز بلخادم إلى العمل بمبدإ التداول على الأمانة العامة للجامعة العربية قانونية وشرعية، باعتبار أن ميثاق هذه الجامعة نظم آليات التناوب والتداول على هذا المنصب الذي ظل حكرا على عمرو موسى منذ سنة 2001، بل إنّ مصر كانت ومنذ تأسيس الجامعة العربية تحتكر منصب الأمانة العامة، فبين 1945 و1952 تولى منصب الأمانة العامة عبد الرحمان عزام وهو مصري الجنسية، ومن سنة 1952 وإلى سنة 1971 تولى الأمانة العامة المصري عبد الخالق حسونة، ومن 1971 وإلى سنة 1979 تولى الأمانة العامة المصري محمود رياض، وعندما علقت عضوية مصر في عام 1979 بعد قيامها بالتوقيع على معاهدة كامب دافيد مع الكيان الإسرائيلي ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، تولّى أمانتها العامة التونسي الشاذلي القليبي إلى سنة 1990، وعندما أعادت الدول العربية العلاقات الدبلوماسية مع مصر في عام 1987 وسمح لمصر بالعودة إلى الجامعة العربية في عام 1989، وأعيد مقر الجامعة إلى القاهرة مرة أخرى، تولىّ أحمد عصمت عبد المجيد المصري الأمانة العامة للجامعة العربية، وخلفه في المنصب وزير خارجية مصر الأسبق عمرو موسى، والذي مازال على رأس الأمانة العامة للجامعة العربية منذ 2001. والحامعة العربية، التي تأسست في القاهرة عام 1945، والتي كانت تضمّ كلاًّ من مصر والعراق ولبنان والسعودية وسوريا وشرق الأردن (الأردن منذ عام 1946) واليمن في البداية، لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي انطلقت لأجلها. والحديث عن أداء هذه الجامعة منذ انطلاقتها قد يكون ضروريا في هذه المرحلة الراهنة لإعادة تقويم الإعوجاج في المسيرة العربية بشكل عام. غير أنّ التركيز على ولايات عمرو موسى المتتالية قد تضعنا أمام أهم النكسات التي مرّت وتمر بها جامعة العرب... عندما عيّن وزير خارجية مصر عمرو موسى على رأس الجامعة العربية وبضغوط مصرية، كان العالم العربي يدخل مرحلة الانهيارات الكبرى، وكان واضحا أن الإرادات الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية أرادت أن تكافئ مصر على مساهمتها في تكريس المشروع الأمريكي والخيار التطبيعي مع الكيان الإسرائيلي في العالم العربي، فكان منصب الأمانة العامة للجامعة العربية من نصيب مصر، ومنصب الأمانة العامة للأمم المتحدة من نصيب مصر أيضا من خلال تعيين بطرس غالي على رأس الأمانة لجمعية الأممالمتحدة. وتجلّى بوضوح ومنذ البداية، أن عمرو موسى هو موظف مباشر في مكتب الرئيس حسني مبارك وليس أمينا عاما لجامعة الدول العربية يلتزم بالقرارات العربية كافة، وينفذّ مواثيق الجامعة العربية، ولم ينكبّ ويتعثّر العالم العربي في مرحلة تاريخية من تاريخ العرب مثلما تنكّب وتعثرّ في فترة رئاسة عمر موسى للجامعة العربية. فهذا الأخير، الذي يحلو له تدخين السيجار الكوبي، إختار من البداية أن يكون في المحور المصري المستسلم للرغبات الأمريكية، واختار أن يكون مصطفّا في محور الاعتدال العربي، وعلى امتداد النكبات التي تعرضت لها العراق ولبنان وفلسطين والصومال وحتى دول العالم الإسلامي كان صامتا، لا يتكلم إلا في نطاق المسموح له مصريا، وكان البعض يعتبر ذلك شطارة و ديبلوماسية، فيما كان العقلاء من السياسيين يعتبرون مسلكيته السياسية وحتى تصريحاته ضربا من الممالاة للنظام المصري وتنفيذا لتوجيهات الرئيس حسني مبارك والذي بدوره يتلقى التوجيهات من البيت الأبيض الأمريكي. وغير سكوته عن الجرائم الأمريكية الصهيونية في حق العالم العربي والإسلامي، فقد كان عمرو موسى يكرّس سياسة المحاور داخل الجامعة العربية، وأصبح كل همّه هو الحفاظ على راتبه الضخم الذي تدفعه له كل الدول العربية، والامتيازات المرافقة لمنصب الأمانة العامة للجامعة العربية... وكانت خيبته الكبرى عندما قررّ أن يواصل الجلوس أمام رئيس الدولة العبرية شمعون بيريز في منتدى دافوس وكان ذلك بعد حرب إسرائيل على غزة مباشرة. وهل سمع العرب موقفا لعمرو موسى من حصار مصر الكاسح ضدّ شعب غزة، وما هو موقفه من جدار العار الفولاذي العازل، ولماذا صمت صمت العروس تجاه الدعوات التطبيعية مع الكيان الإسرائيلي والتي أطلقتها بعض دول البترودولار، وماذا كان موقفه من مصافحة الأمير تركي لداني أيالون في ألمانيا؟... وأين كان عمرو موسى عندما تعرضّ العراق وأفغانستان لأكبر غزو أمريكي، وأين كان عمرو موسى في حرب تموز 2006 على لبنان، وفي حرب إسرائيل على غزة سنة 2008... وأين هو عمرو موسى من حرب صعدة السادسة والتدخل السعودي في اليمن، واستباحة كل المحظورات في اليمن، ففي حرب صعدة كان عمرو موسى صامتا ساكتا، طبعا بقرار مصري، حيث التوافق المصري السعودي ضروري لتمرير مغامرة عسكرية من قبيل حرب صعدة السادسة. وكلما كانت بعض الدول العربية المحسوبة على خطّ الممانعة تدعو إلى ضرورة عقد القمة العربية، كان عمرو موسى يماطل ويمرر ما يطلبه منه المعتدلون... ولهذا عمل المستحيل لإفشال قمة غزة التي دعا إليها الأمير القطري حمد بن جاسم آل ثاني للنظر في الحرب الإسرائيلية على غزة، وبالمقابل دعّم قمة الكويت، لأنّ تلك كانت رغبة السعودية ومصر. لقد كان عمرو موسى على الدوام جزءاً من النظام الرسمي العربي المتأمرك، والذي كان يتحامل على دول طلائعية كالجزائر وسوريا والسودان، هذه الدول التي مازالت تؤمن بالحق العربي وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وكان على الدوام في خدمة السياسات النفطية، وابتعد كلية عن هموم الشارع العربي وتطلعات الشعوب العربية، إذا خيّر بين الاستسلام والمقاومة إختار الاستسلام واعتبر ذلك ديبلوماسية، إذا اختار بين مواقف الشعوب وتوجهات الأنظمة إختار توجهات الأنظمة واعتبر ذلك حنكة سياسية وذكاءً سياسيا خارقا، وإذا خيّر بين موقف أردوغان رئيس الحكومة التركية الذي رفض مجالسة شمعون بيريز وموقف المستسلمين الجالسين إلى جنب بيريز اختار مجالسة بيريز واعتبر ذلك تحضّرا أمام العالم الحضاري الراقي، فالعرب لا يجب أن يكونوا قليلي حياء أمام الغربيين المتحضرين. وقد أصبح معظم السياسيين والعقلاء العرب يطالبون برحيل عمرو موسى والاستعاضة عنه بشخصية عربية يرجو كثيرون أن تكون جزائرية لما للجزائر من ثقل عربي ودولي وتاريخ عربي مشرف وثقيل في دعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية... فالصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي السوداني، يقول بأنّ الجامعة تلعب دورا هامشيا ولم تقدم قوات ولم تقدم أموالا ولم تقم بدور حاسم في أي قضية من قضايا السودان. ويجب أن تكون هناك إرادة عربية مشتركة، وعمل عربي مشترك، فلا يعقل أن تبقى كل هذه الدول بحجمها ووزنها وإمكاناتها متفرجة على كل القضايا الإقليمية، لأن هذه القضايا سوف تأتي بأضرار لكل العرب. أقول إن الجامعة العربية العامل المشترك للأمة العربية الآن هي صفر، ونتيجة لذلك تمددت الإرادات الدولية، والارادات الدولية هي التي تتحرك الآن في الفضاء العربي والفضاء العربي صفر الآن، حتى عندما تحصل اجتماعات تكون شكلية لا تثمن ولا تغني من جوع، وهذا يعكس حالة التراجع العربي المشترك، وكما قلت السيد عمر موسى ولكنه فارس بلا جواد. ومازال كثيرون يتذكرون صرخة ذلك المواطن الفلسطيني أثناء حرب إسرائيل على غزة عندما قال: ماذا قدم عمرو موسى للشعب الفلسطيني وبالتحديد لغزة!!، كم دفعت له إسرائيل لكي يبلع لسانه في حرب غزه الأخيرة. ويتمنى كثير من العرب أن يقدم عمرو موسى استقالته في القمة العربية المقبلة في ليبيا، خصوصا أن عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية، البالغ من العمر 74 سنة، يجب أن يرتاح من ضنك العمل العربي المشترك الذي ازداد تراجعا في فترة رئاسته للجامعة العربية.