يبدو على الرجل أنه تجاوز السبعين. فرغم طريقته الثابتة في الوقوف، ورغم ملابسه التي تشير أن الرجل يهتم بهيئته، إلا أن السنين عملت عملتها على وجهه وهيئته بصفة عامة. ويتأكد سن الرجل لما يتكلم، أنه يستعمل كلمات لا توجد إلا عند الجيل الأول، ويتطرق إلى أحداث لا يتكلم عنها الشباب ولا حتى كبار السن ممن لم يعيشوا حرب التحرير. وفعلا، فإن الرجل الموجود أمام القاعة كان ينتمي إلى جيش التحرير الوطني في عهد آخر. ويعرف معظم الحاضرين أمام باب القاعة أن الرجل كان مجاهدا، شارك في حرب التحرير، حيث قام بواجبه مثل عشرات الآلاف من أبناء ذلك الجيل، وجنى لنفسه عطبا في رجله اليسرى. وبعد التقاعد وطول الوقت، عاد الرجل لأسباب غريبة، عاد ليتكلم من جديد عن جبهة التحرير الوطني، واعتبر نفسه من أهل الجبهة، وقال إن له حقا في هذا العنوان البارز في تاريخ الجزائر. وجاء الرجل ذات يوم ليحضر لقاء من المفروض أن يتم فيه تحديد قائمة المناضلين الذين سيشاركون في مؤتمر حزب جبهة التحرير الوطني. واعتبر أن من حقه حضور الجلسة، والمشاركة في النقاش، وأن له الحق حتى في التصويت، لأنه كان ينتمي إلى جبهة التحرير في أيام الأمجاد. وارتكب الرجل خطأ واحدا، لما قال إنه سيصوت لصالح فلان، لأنه يرى فيه كفاءة وخصالا تفيد الحزب. فجاء رجل آخر معروف في المنطقة، يشغل منصب سيناتور، كان قد قام بتحضير قائمة كاملة للمندوبين الذين سيحضرون المؤتمر. وسمع السيناتور كلام المجاهد، وفهم أنه يعارض قائمة المندوبين التي تم تحضيرها، فجاء وراء المجاهد، ومسكه من ذراعيه، ورماه بقوة، فسقط الشيخ على الأرض أمام مجموعة من المناضلين. واستدعى السيناتور مجموعة من الشباب من أهالي »الذراع«، ووضعهم أمام باب القاعة، وأعطاهم قائمة »المناضلين« المسموح لهم بدخول القاعة، ودفع لكل من أولئك الشباب ألفين دينار، وقال: »راني متكل عليكم«. واستطاع بذلك أن ينظم التجمع بطريقته الخاصة، ويفرض في القائمة كل الذين كان يريدهم أن يحضروا المؤتمر. أما المجاهد، فإنه لم يجد من ينصره ومن يناصره، إلا شابا عطف عليه وعرف قيمة أمجاده، واستطاع أن يقنعه أنه أخطأ العنوان لما جاء إلى تلك القاعة في تلك الساعة. وانتصر السيناتور انتصارا شاملا، حيث قام بتنظيم اللقاء حسب المقياس الذي حدده، وكتب عرضا جميلا جدا حول تجنيد مناضلي الولاية ومساندتهم لبرنامج فخامته، وركب سيارته، وانتقل إلى الجزائر العاصمة ليخبر قيادة الحزب بالانضباط التام للمناضلين، وتجنيدهم من أجل نجاح المؤتمر، ويقدم قائمة المؤتمرين من مدينته. ولما وصل إلى مقر الحزب، وجد رئيس المجلس الشعبي الولائي خارجا من العمارة، فسلم عليه، وتبادلا كلمات قليلة لأن كلاهما كان منشغلا بقضايا هامة جدا. ودخل السيناتور مقر الحزب، واستقبله عضو من القيادة، فقال عضو قيادة الحزب: نشكركم على عملكم، ونحن فخورون بما قمتم به، ونحن متأكدون أن القائمة التي قدمتم ستكون في المستوى. فقال السيناتور: نشكركم على الثقة، وقد جئت بالقائمة، وها هي يا أخي... فقال العضو القيادي في الحزب: لقد تسلمت نسخة منها، وقد سلمني إياها رئيس المجلس الشعبي الولائي قبل ساعة... وعندها فهم السيناتور أن رئيس المجلس الشعبي الولائي كان أسرع منه، وجاء بقائمته الخاصة رغم أنه لم يقم بتنظيم أي تجمع ولم يحضر أي تجمع... وعاد السيناتور إلى مدينته فاشلا منهزما، يفكر في طريقة يمكن أن يثأر بها من رئيس المجلس الشعبي الولائي الذي كان أسرع منه. وفكر في نشر رسالة مفتوحة إلى فخامة رئيس الجمهورية، وفي تجمع أمام مقر الحرب، وفي تنظيم وفد من أعضاء مجلس الأمة ذوي النفوذ لمقابلة مسئول الحزب. وفكر طبعا في دفع أموال لعدد من المندوبين ليتخلوا عن مناصبهم لصالح أصدقاء السيناتور. وفكر في كثير من الحلول، وقرر في آخر المطاف أن يستشير الوالي ويسعى للتحالف معه لأنه من مصلحة الوالي أن يحافظ على علاقته مع سيناتور غني. وطلب السيناتور مقابلة الوالي فور عودته، فكان له ذلك. واستقبله الوالي، وتكلما في قضايا مختلفة، وبقي السيناتور ينتظر اللحظة المناسبة ليطرح قضية المؤتمر، لكن الوالي فاجأه قائلا: سمعت ماذا فعل رئيس المجلس الشعبي الولائي؟ لقد أراد أن يخدعنا، وقدم لقيادة الحزب قائمة للمناضلين الذين يشاركون في المؤتمر. لكن لا تخشى شيئا، لقد بعثت قائمة المشاركين قبله. إنك في القائمة. وأريد أن أستشيرك: هل تريد أن نبقيه معنا في القائمة أم نقصيه؟.