كتاب ''عميروش.. حياة وميتتان ووصية'' لصاحبه المؤرخ الدكتور سعيد سعدي، الذي لفظته السياسة فاختار العودة عبر استكشاف التاريخ، أحدث ''رجة '' وضجة في أوساط المؤممين لذات التاريخ، لتتباين ردود الفعل من طرف الأوصياء بين مستهجن ومؤيد، وبين صامت وصادح، والنتيجة أن دكتور الأمراض العقلية ومن خلال كتابه تمكن من فتح عيادة لمعالجة الأمراض النفسية، وأين... في الهواء الطلق، بعدما تدافع المرضى على اختلاف مستوياتهم للعراك والتصادم من أجل ''التنفيس'' عما بهم من كوامن في محاولة يائسة لاستعادة زمام التاريخ الذي بدأت حقائقه تنفلت من تحت وصايتهم ورقابتهم... لكن الغريب في تداعيات قنبلة سعيد سعدي أن كبار ''القوم''، ممن أصابتهم شظايا تفجيرات الكتاب، أنهم وبدلا من أن يوجهوا سهاهم اتجاه مفجر القنبلة التاريخية، ونعني المؤلف الدكتور سعدي، فإن السهام وجهت مرة أخرى إلى العقيد المتقاعد أحمد بن الشريف الذي تداول على منصة استهدافه أكثر من وجه تاريخي في اتهام له ''بالخرف'' والكبر، وكأنه من ألف الكتاب القنبلة، وعلى طريقة الذئب الذي خاف من ''النعجة'' فتوعد خروفها، فإن الوجه التاريخي لخضر بورفعة بالإضافة إلى الرائد عمري صخري ومن يدور و''يجور'' في فلكهم، ظهر أن عندهم حساسية مفرطة تجاه العقيد فيكفي أن ''يتنفس'' بن الشريف حتى تقوم قائمة الحرس القديم لإطلاق النار باتهام العقيد المتقاعد بكل أنواع ''الخبل'' و''الخرف''.. فلماذا بن الشريف بالذات؟ وماذا يخفي هذا التجنى والحساسية المفرطة من الرجل؟ تابعت تصريحات أحمد بن الشريف الأخيرة المتعلقة بكتاب سعدي، فلم أجد فيها أكثر من ''بساطة'' رجل ''نية'' اعترف بأن ''الجماعة'' سلموه صندوقا فحفظه كأمانة يجهل ما فيها من أرشيف أو ''عظام''، وتابعت ردود الفعل المجنونة ضده فشدني ذلك التجني على الرجل من طرف من يطلقون على أنفسهم ''رفاق السلاح''، فقط بن الشريف حرك ''شفتيه'' فقالوا عنه ''مجنون'' أما من كتب كتابا وطبعه ثم وزعه طاعنا في كل الروايات والمسلمات، فإن الرائد عمر صخري اكتفى بالتعليق على أنه لم يقرأ الكتاب ولن يقرأه.. فلماذا بن الشريف بالذات يا حضرة الرائد ولماذا تحول ''الكولنيل'' إلى ''بعبع'' تترصد وتصطاد منظمة ''عبادو'' ومحيطه زلاته وسقطات لسانه لكي تعلن عليه الحرب، بكيل التهم والطعن في جهاده وشخصه وحتى في عقله، رغم أن ما قاله بن الشريف منذ أطلق العنان للسانه لا يمكن أن يساوي قطرة في بحر مما قاله آخرون وعلى رأسهم ابن عميروش الذي شكك حتى في رقم المليون ونصف المليون شهيد.. ورغم ذلك فإن ''الزوبعة'' مرت، ونور الدين آيت حمودة لم ترفع عنه الحصانة البرلمانية، ولم يثبت أنه عرض على طبيب نفسي لكي يتأكد من سلامته العقلية..لا أحد..لا الرائد لخضر بورفعة ولا الرائد صخري، ولا عبادو تحركوا لإقامة نشاط ما يطعن في القوى الذهنية للنائب آيت حمودة ابن عميروش، عكس إذا ''عطس'' العقيد بن الشريف فإن القيامة تقوم والتاريخ يعيد نفسه ليحاضر وينشط ملتقيات كما يصدر وصفات عقلية وذهنية تطعن في عقل العقيد ووجوده؟ بن الشريف، مهما قيل عنه، يبقى بعبعا حقيقيا يؤرق مضاجع مؤممي التاريخ، وردود الفعل التي تصاحب أي ''عطسة'' منه تبين حجم الرجل التاريخي، فرغم أن نصف كلامه غير مفهوم، وهو أشبه بكلمات السر التي كان يستعملها المجاهدون للتأكد من هوية بعضهم بعضا، إلا أنه يكفي أن يرمي الكولونيل بطلاسم حتى تثور ثائرة الرائد عمر صخري أو غيره، وآخر ما عايشناه من محاولات لإغلاق فم العقيد أنه مع كل ''عطسة'' يعطسها بن الشريف تستنفر المنظمة الوطنية للمجاهدين أرشيفها لعقد ملتقيات ''نفي'' في محاولات يائسة لمحو آثار ''عطس'' تحول إلى إعصار يهدد بنسف صندوق الأسرار المسكوت عنها في تاريخ ثورة يريده البعض أن يظل حكرا عليهم.. فلماذا العقيد بن الشريف بالذات وما خلفيات هذا التجني من أطراف متعددة على الذاكرة نفسها التي يراد لها أن تتهم بالخرف والخبل حتى ترحل أسرارها معها؟ في النهاية، فإن ما تحفظه الأيام لبن الشريف أنه في مرحلة نقاهته وتقاعده لم يلتزم فيلته ''بالزّميلة'' ليرعى خرافه ومصالحه ولكنه ظل في كل مرة يفجر لغما تاريخيا بدأه بملف المجاهدين المزيفين، ليصل إلى ملف الولاية السادسة ونفيه وجودها أصلا، فمذبحة الألف مصالي في واقعة العقيد شعباني..وغيرها من ألغام تاريخية يريدها العقيد أن تنفجر ويريدها الآخرون من مؤممي التاريخ أن تظل تحت التراب.. لذلك فلا حل أمام خصوم العقيد إلا تهمة تطعن في صحة بن الشريف الذهنية، حتى لا يؤخذ بكلامه.. لكن من يٌتهم بالجنون والخبل مازال يصنع الحدث والحديث، والدليل أن كاتب كتاب ''عميروش.. حياة وميتتان ووصية'' كان الدكتور سعدي، لكن من شحذت في وجهه السكاكين لبقر ذاكرته كان بن الشريف. فما ذنب الجدي إذا كانت العنزة من نطحت الذئب أيها السادة.. فمن قال إن ''الثورة'' أكلت أبناءها لم يكن إلا سعدي، أما خصمكم الذي تريدون أن ''تحجروا'' على عقله فإنه ''عطس'' فقط.. فماذا لو قرر بن الشريف أن يتكلم، بل ماذا ينتظر بن الشريف لكي يتكلم؟ شهيد يحتاج إلى حمض نووي في أغرب رسالة مفتوحة قرأتها منذ أيام بإحدى الصحف، وجهها مواطن إلى رئيس الجمهورية يترجاه عبرها أن يحيي له والده الشهيد، وجدتني عاجزا أمام التاريخ و''التأريخ''. الرسالة مرت في منبر القراء المليء بطلبات التدخل حول أزمة السكن، وأزمات الماء والطلاق، ومختصرها أن شابا طالب رئيس الجمهورية بالتدخل لحل معضلته التاريخية المتمثلة في شطب والده من قائمة الشهداء!.. والمبرر بسيط جدا، فالابن اكتشف بعد خمسين سنة على الاستقلال أن والده المسجل في قائمة الشهداء وله ''قبر'' تترحم عليه السلطات في كل مناسبة تاريخية، حي يرزق ويعيش في منطقة أخرى.. ورغم أنه التقاه واتجه به إلى كافة السلطات من أجل تصحيح الخطأ ''الاستشهادي'' ورغم ورغم.. إلا أن الوالد لايزال شهيدا في عرف القانون.. والمواطن إياه يريد أن يثبت أن والده لم يسقط في ساحة الشرف.. لذلك طالب بإجراء اختبارات الحمض النووي له ولوالده الشهيد ''الحي'' حتى يثبت للآخرين أن أباه ليس شهيدا.. فهل بعد هذا لايزال هناك كلام عن ''التاريخ''؟ وهل بعد هذه الواقعة لايزال من حق أي كان أن يقول إن كتابة ''التاريخ'' من صلاحياته وحده؟