تحتفل الجزائر الجمعة القادم بالذكرى 46 لإعلان قرار تأميم المحروقات، وسط مصير غامض للمجمع الطاقوي سوناطراك الذي أرهقته عدة صدمات في السنوات الأخيرة، بدءا بفضائح الفساد، تراجع أسعار النفط في السوق الدولية، إضافة إلى معضلة تجديد عقود النفط والغاز طويلة ومتوسطة المدى التي ستنتهي آجالها قريبا. ككل سنة في يوم 24 فيفري، يعود الحديث عن "البقرة الحلوب" التي أطعمت الجزائريين لسنوات من الزمن، ويطرح مختصون في الطاقة تساؤلات عن مستقبل وآفاق هذه الشركة العمومية باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الوطني، الذي يمثل أكثر من 97 بالمائة من صادرات الجزائر، حيث وبعد 46 سنة على تأميم الرئيس الراحل هواري بومدين للمحروقات تحول النقاش من حجم الأموال الطائلة التي كانت تدرها الشركة على الخزينة العمومية سنويا، إلى إمكانية خوصصتها أو الاقتراض من الخارج لضمان تمويلها. وقال الخبير النفطي، الرئيس المدير العام السابق لشركة سوناطراك عبد المجيد عطار، إن الجزائر لم تحقق بعد 46 سنة من تأميم المحروقات، الاستقلالية التامة والسيادة المطلقة على القطاع، حيث لا يزال إطارات سوناطراك ومسيروها عاجزين على المبادرة واتخاذ قرارات مستقلة بعيدا عن الإدارة. ويعدد عطار ل"الشروق" أربعة تحديات تواجه المجمع الطاقوي في ظل تداعيات الأزمة البترولية التي هزت العالم، وحسبه التحدي الأكبر يكمن في الحفاظ على القدرة الإنتاجية للنفط والغاز الجزائري، بشكل مُرض للتأثير على استقرار سوق النفط على المدى القصير والمحافظة على موقع الجزائر واحتياجات الغرب، مشيرا إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى استثمارات ومبالغ مالية كبيرة، بالإضافة إلى ذلك يرى عطار بأن الجزائر مجبرة أكثر من أي وقت مضى على الاعتماد على التقنيات الحديثة لتسيير الحقول المجودة حاليا بغرض تحسين الإنتاج خصوصا نسبة الاسترجاع. فهذا تحدٍّ آخر في نظره. أما التحدي الثالث، حسب الخبير النفطي، فمرتبط بوضعية سوناطراك في الأسواق النفطية والغازية نظرا إلى المنافسة في السوق الأوروبية، مشيرا إلى أن الجزائر مطالبة بعدم التنازل عن برميل واحد من إنتاجها، وضمان استمرارها في الحفاظ على حصتها في السوق لأن الحرب النفطية "شرسة" في ظل تزايد عدد المنتجين الهامشيين، معتبرا أنه يتعين على المجمع الطاقوي الدفاع عن حصته في السوق وإتقان فن التفاوض لتجديد عقود النفط والغاز التي انتهت آجال استغلالها، معتبرا أن وزارة الطاقة الجزائرية مطالبة بإقناع الأوروبيين بشراء النفط والغاز الجزائري في عقود طويلة الأجل بالنظر إلى أن عهد العقود الطويلة قد ولى ولم يعد التفاوض على عقود مدتها ربع قرن بل أقل من ذلك بكثير وهذا أمر مرهق بالنسبة إلى الجزائر. تحدّ رابع يحاصر شركة سوناطراك يتعلق ببعث الاستكشافات بسبب تراجع مستوى إنتاج أكبر الحقول النفطية والغازية، وأكد الرئيس المدير العام لسوناطراك سابقا أن الاستكشاف يعني الأموال وهذا الأمر من الصعب تحقيقه نظير تراجع عائدات الخزينة، بالإضافة إلى عامل الزمن، فالتنقيب يتطلب 5 سنوات على الأقل في حين إن الاحتياج حاليا بات يوميا. ورافع المسؤول السابق لإسراع الحكومة في إجراء دراسات معمقة لمعرفة الاحتياطات الوطنية الحقيقية من المحروقات غير التقليدية ومنها الغاز الصخري حتى لا يفاجئها المستقبل، كما دعا إلى تحضير جيل جديد من الإطارات لتسيير المجمع الطاقوي عن طريق إبرام اتفاقيات مع الجامعات لتكوين هؤلاء والرفع من مستواهم.