يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي بتنوعها لم تعد حكرا على الدردشة وعرض المنشورات اليومية لأصحابها، بل امتدت لدى البعض لتكون متنفسا قصد استغلال قدراتهم العملية والذهنية وحتى اليدوية لكسب المال بطرق اقل ما يقال عنها أنها لا تحمل العناء لصاحبها، فالتجارة الافتراضية التي اختزلت السجلات التجارية وحتى تكاليف الكراء والضرائب، حولت بعض المهن التي ظلت حكرا على النساء والعجائز في الأعراس والمناسبات كالطبخ وتنظيم "الديكور" إلى فئة الشباب الذين برهنوا من خلال الترويج لنشاطهم أنهم يملكون قدرات من شانها التخفيف من أعباء العرسان واسترجاع أعراس "الأسطح" إلى الواجهة. هم شباب في مقتبل العمر، اختزلوا المسافات وقلصوا النفقات فقفزوا على النكبات ليفوزوا بمهن حرة بعد تطليقهم للبطالة..فكان لهم "الفايسبوك" أكثر المواقع الاجتماعية نجاحا لترويج أفكارهم ونشاطاتهم بعرض صور لصالات أعراس بسيطة حولوها إلى تلك التي تنافس أفخمها، في حين جعلوا من "أسطح" وساحات المنازل وحتى مرائب السيارات والمستودعات مواقع لتنظيم الأعراس واسترجاع "ذكريات زمان" مع الأفراح ليتمكنوا من تقليص النفقات على العرسان بعد تحويلها إلى صالات بحلة جديدة تنافس تلك الفخمة في الديكور. ومع اقتراب مواسم الأعراس والأفراح يكثر الحديث على مهنة أصبحت تتداول على الألسن لا تختلف أهميتها وجانبها الملح في المناسبات والأعراس عن الأساسيات بعدما دخلت عالم التجارة العصرية التي أضحى الترويج لها شائعا عبر عالم الرقمنة..الطباخ آو"التريتور" ذاك "الشاف" الذي أصبح صيته يدوي في كل المناسبات بل لا يمكن الاستغناء عنه بعدما تحول من إعداد الكسكسي وهو الطبق الرئيسي في الأعراس والمناسبات إلى منافس للأيادي الناعمة من النسوة والعجائز، تلك الفئة التي ظلت لعقود من الزمن تحتكر عرش قائمة مستلزمات الأعراس قبل ان تحيلها أيادي العصرنة على البطالة المجبرة.
من إداري إلى "تريتور"! المتصفح للموقع الأزرق وخلال إجراء عملية بحث بسيطة لا سيما من طرف المقبلين على الزواج، الباحثين عن مسيرين لأعراسهم وبأقل الأثمان، يعثر بسهولة على نشطاء استحدثوا وكالات خاصة بهم بعدما جعلوا من الفايسبوك سجلهم التجاري لإشهارها.."فريد" أحد الشباب الذي توقف عنده بحثنا بالصدفة عبر الموقع الأزرق.. سألناه عن مكان تواجده فأكد لنا انه بضواحي درارية غرب العاصمة وأنه إذا أردنا التواصل معه يكفي ترك رسالة له عبر حسابه بالفايسبوك أوالاتصال به هاتفيا عبر رقمه الذي أرفقه بحسابه حتى يسهل على الباحثين عن مساعدة في إتمام مراسيم الأفراح على الشخص المناسب. يؤكد فريد أن عمله كإداري لسنوات جعله مكتوف الأيدي ولا يفكر سوى في كيفية إتمام الشهر دون اللجوء إلى الاستدانة، أتته فكرة العمل في الأعراس عندما كان يتصفح "اليوتوب"، وهنا يقول: "شجعني الفايسبوك كثيرا وساعدني على استقطاب عدد كبير من الزبائن اغلبهم من العاصمة وما جاورها..اعرض كل ما أقدمه في الأفراح وأضع صورا لذاك عبر حسابي حتى تكون أعمالي في العلن ويمكن للزبون معرفة ما أقدمه وما يريدونه بالتحديد خاصة وان الأطباق الحالية عصرية مائة بالمئة بعيدة عن التقليدية التي تعتمد على "الشربة والكسكسي". يضيف فريد قائلا:"اليوم نعتمد على نوعية الأواني العصرية من حيث اللون والهندسة كما يُطلب منا المقبلات والمملحات قبل تقديم الأطباق الرئيسية التي استطعت أن أشكلها كالتي يقدمها "الشاف" في أفخم الفنادق فيما أصبحنا مطالبين بإعداد التحليات في آخر الطعام، فكل عائلة وحسب مقدورها" لكن الغالب في كل عرس طُلبت للإشراف عليه، أنه كان في المنزل..فريد تمكن وفي ظرف وجيز من تشغيل 4 من الشباب البطالين، طامحا أن يوسع نشاطه مستقبلا لامتصاص الأيادي الموهوبة ولما لا العمل بالشراكة مع المؤسسات العمومية والفنادق.
ساعدت صديقا لي.. فوجدت نفسي صاحب وكالة! محمد .ب ذو27 سنة، يعتبر ثاني من تواصلنا معه عبر الفايسبوك قبل أن يمنحنا رقم هاتفه للتقرب منه بأريحية أكثر..عاد بنا الشاب إلى بداياته الأولى وكيف ولج عالم "الطبخ والديكور"، بعدما كان قبلها عاملا بسيطا في إحدى المؤسسات الخاصة "وجدت نفسي اركض وراء أجرة بسيطة انتظرها كل شهر لا تسمن ولا تغني من جوع..فكرت في مشاريع إلا أن حططت الرحال بوكالتي التي أنشأتها..راودتني فكرة إطلاقها بعدما طلبني صديق لي لأساعده في إعداد حفلة عرس" وأضاف محمد أن بداياته كانت جد بسيطة لا تختلف عن الوكالات الأخرى المنظمة للأعراس قبل أن يطورها عن طريق المشاركة في تكوينات خاصة بفرنسا لتعليم تقنية الديكور وكيفية صنع منشفة اليدين وتنصيبها فوق الطاولات كما تلقى تكوينا في كيفية جعل كراسي الطاولات في أفخم حلة عن طريق منحها لباسا يختلف حسب اللون المطلوب والكيفية تحت الطلب. الجديد في ديكور محمد انه يعتمد على الشراشف بطريقة عصرية وذكية كما انه يستطيع منح الكراسي كسوة بطرق مختلفة وبتصميم واحد في حين يفضل اللونين الأبيض والوردي في التزيين..إلى ذلك يقول محمد انه تحصل على طلبيات لتحضير أعراس بمختلف مناطق الوطن وساعدته تنقلاته في معرفة أكثر الطقوس والعمل في ولايات غير العاصمة كما استطاع أن يحول مستودعات وأسطح المنازل إلى تلك التي تنافس أغلى الصالات، تذكر محمد عندما طُلب منه تغيير ملامح مستودع بالكاليتوس إلى صالة في غاية الروعة بديكور ابهر الكل. ويردف محمد: "تنقلت إلى العديد من البيوت لإعدادها وتحضيرها لاحتضان الأعراس، منها الأسطح والأماكن الواسعة خاصة وان العديد من العرسان بدؤوا يستغنوا عن الصالات لغلائها الفاحش رغم أن أغراضها الممنوحة للاستغلال بسيطة وغير مناسبة للأذواق العصرية إلا القليل منها التي تعد على الإصبع رغم غلائها ما شجع بعض العرسان على نقل حفل زفافهم إلى مساكنهم سواء في حفلة عشاء آوسهرة مسائية يتخللها ديكور وألوان هادئة وجميلة. أما عن الأسعار فأكد محمد أنها في متناول العرسان وحسب الأغراض المطلوبة التي يحملها معه كالطاولات والكراسي والمنصة وأدوات الطبخ على اعتباره "شاف" يعمل رفقة فريق له لأعداد أطباق العرس، فما يطلبه في "الكبش" الواحد لا تفوق تكلفته 15 ألف دينار دون احتساب عمل المرافقين له من "النُدل" أي "ليسارفور". "راتبي ثلاثة أضعاف ما كنت أتقاضاه واطمع لتشغيل العاطلين" يؤكد محمد قائلا بشان إجراء مقارنة بما كان يتقاضاه في السابق قبل ولوج عالمه المهني الجديد..صمت قليلا ثم يؤكد" اه واش جاب؟..استطيع القول أن راتبي الحالي يوازي 3 أضعاف ما كنت اقبضه في الشهر، فلا يوجد أي وجه شبه بين الماضي وحاضري، فانا الآن مستقل اعمل متى أردت ولست مقيدا بأي جهة غير أنني حين اطلب في أي عرس كان، انتقل إلى أي منطقة أكون مطلوبا بها رفقة فرقتي التي تكون مستعدة في أي وقت للتنقل شريطة أن اخبرهم أيام قبل مباشرة العمل..يضيف محمد أن عمله الذي يحبه ويتقنه مكنه من كسب مال مضاعف جنبه انتظار الأجرة الشهرية التي لا تسمن ولا تغني من جوع خاصة وان طموحه كبير قد يطوره لوكالة كبيرة بوسائل وعتاد كبير مع إمكانية فتح فروع لوكالته بمختلف ولايات الوطن حتى يسهل التواصل مع المواطنين بالإضافة إلى تشغيل اكبر قدر من الشباب الموهوبين العاطلين عن العمل بفتح مناصب عمل دائمة قد تكون متذبذبة في الشتاء لتنتعش في فصل الصيف بالموازاة مع حلول موسم الأعراس.
تُشغل أفراد عائلتها وحتى الطالبات الجامعيات دليلة: نعمل مع الفقير والغني..وتمكنا من تحويل "الأسطح" إلى تحفة دليلة من ولاية البليدة تملك صفحة تعرض خدمات الديكور، تلك الشابة ذات 29 ربيعا التي تربطها قصة حب عميقة مع الديكور..تخرجت من الجامعة تخصص تجارة عالمية فوجدت نفسها تعاني البطالة، اتخذت من الحياكة وكل ما يعني الأعمال اليدوية الحرفية التي تشتهر بها البليديات كبديل لمحاربة الملل اليومي، فوجدت نفسها تعيد ديكور منزلهم كل ما أتيحت لها الفرصة، فتجد كل من يزور بيتها ينبهر إعجابا بما تصنعه أناملها، ففكرت حينها أن تجد لها عمل من إبداعها، فكانت انطلاقتها من تنظيم "صالات" الأعراس بشكل بسيط قبل أن تطور نشاطها بعدما تكونت في إحدى المدارس الخاصة التي تعني بالديكور..تسرد والدتها وهي طبيبة أسنان، وقائع عن العمل الخيري الذي قامت به ابنتها لصالح الجمعيات سيما تلك التي تعنى بمرضى السرطان. كما ساهمت في إنجاح زواج جماعي بقاعة في الشفة التي حولتها إلى تحفة حقيقية مجانا للعرسان، ليبدأ صدى عملها ينتشر كلمح البصر عبر صفحات الفايسبوك الذي تضع فيه كل جديدها وحتى صور القاعات قبل وبعد الديكور. تؤكد والدتها التي بدت من خلال حديثها جد فخورة بابنتها، أن طبيعة النشاط استطاعت تشغيل كل أفراد العائلة ضمن وكالة ابنتها التي افتتحتها بعد تطور عملها، فالأب والأخ يعنيان بشحن المستلزمات ونقلها على اعتبار أن صيت الوكالة ذاع بمختلف ولايات الوطن حيث تنقلت ما بين بولاية عين الدفلى، الشلف، تيزي وزو، خنشلة، بجاية وغيرها..في حين تعمل الأم كمساعدة أما الأخت فانضمت إلى الفرقة بعدما تلقت تكوينا في التصوير الفوتوغرافي العصري كما تشغل صاحبة الوكالة من 4 إلى 6 شابات حسب الطلب اغلبهن طالبات جامعيات أوعاطلات كما فكرت في جلب فرقة "الديجي" التي تم اختيارها من أحسن تنشيط وقفت عليه خلال إشرافها على مختلف الأفراح..تنظيم "ديكور" أسطح المنازل وصالون البيوت،حدائق المنازل أضحت من أكثر طلبات الزبائن تؤكد صاحبة الوكالة لتخفيض تكاليف العرس التي تأخذها عادة الأسعار الخيالية لقاعات الأفراح، فيركز فيطلب منا صاحب العرس أن ننظم الديكور حسب العنوان المطروح فوق الأسطح أوالفناء أما والدة دليلة فقالت ان إحدى العائلات طلبت منهم تحضير صالون بيتهم الصغير لقلة المدعوين..أما عن تكلفة العرس الواحد فتجيب صاحبة الوكالة أنها تتراوح ما بين 50 و60 دينار أو أكثر حسب الطلب في حين بدا المعنيون رضاهم بخصوص المداخيل حين ردت الوالدة بالقول "والله ..الحمد لله!".
صفحة فايسبوكية ورقم هاتف لجلب الزبائن جولة فايسبوكية أخرى أخذتنا باتجاه صفحة وكالة خاصة تنشط في هذا المجال، وتعرض صورا لمختلف الأعراس التي أحيتها بمختلف مناطق الوطن.. رقم هاتف موضوع على هامش الصفحة لمن يهتم بخدمات الوكالة، التي زرنا مقرها وأكد لنا صاحبها أن نشاطه قديم إذ يعتبر من أقدم الوكالات عبر الوطن حيث يعود تواجده إلى 18 سنة من الخبرة والعمل، استطاع أن يجوب مختلف ولايات الوطن في حين يشغل طاقم كامل من الشباب البطال لتزيين قاعات الحفلات بأسعار متباينة، وعن الطلبات التي تستقبلها الوكالة، فأكد المتحدث أنها تتوزع ما بين قاعات بسيطة تتطلب ديكور لإخفاء عيوبها بالإضافة إلى أعرس الأسطح التي عادت بقوة حيث يجبر طاقمه على حمل الكراسي والطاولات وحتى منصة العروس إلى أعلى طابق بالمنزل كما يختار الشراشف التي يتم تزيين بها الحائط باللون والشكل الذي بلائم كل وجهة معنية بالتزيين، وتشغل الوكالة عدد معتبر من الشابات والشبان الذين طلقوا البطالة لتوفير أجرة شهرية لهم ضمن نشاط أصبح مطلبا ملحا في أعراسنا.