أجمع أكاديميون وناشطون فلسطينيون في ندوة "الشروق" على خطورة الوضع في الأقصى ومدينة القدس بالنظر إلى تسارع عمليات الحفريات تحت المسجد الأقصى بحجة البحث عن الهيكل المزعوم، وتواصل عمليات تهويد المدينة، فضلا عن عمليات التضييق اليومية الممنهجة التي يقوم بها الاحتلال ضد سكانها. وأعاب الضيوف على العرب والمسلمين موقفهم السلبي من قبلتهم الأولى، وعدم اكتراثهم بما يقع تحت الأقصى من حفريات يمكن أن تُفضي في أيّ لحظة إلى انهياره. وأكد الناشطون أن دراساتهم تؤكد أن الأقصى موجودٌ منذ عهود سابقة لداوود وسليمان عليهما السلام، خلافا لما يدّعيه اليهود، وأن بناءه يعود إلى عهد سيدنا آدم. وأبدى ضيوف "الشروق" ارتياحهم للدعم الرسمي والشعبي الذي تحظى به القضية الفلسطينية في الجزائر، لكنهم طالبوا بتفعيله وترجمته إلى أفعال دعمٍ ملموسة على كافة المستويات، حتى يكون له أثر في حياة الفلسطينيين، ويوثق أكثر العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
الدكتور هيثم الرطروط: إسرائيل تخوض حرب الزمان والمكان والإنسان اعتبر الدكتور هيثم الرطروط، أستاذ محاضر بكلية الهندسة المعمارية "كلية النجاح الوطنية" بنابلس، كبرى جامعات فلسطين، ما يتعرض له القدس الشريف مسلسلا قديما فهو عملية متواصلة، غير أنّ الملفت للنظر هو تزايدها وتسارعها، فإسرائيل تخوض حرب الزمان والمكان والإنسان. وكشف المتحدث أنّ "بعض الأجزاء والمسارات غير معلنة وتقتصر على الإسرائيليين من وزارة السياحة والآثار الإسرائيلية حتى الباحثون والأكاديميون يمنعون من الوصول إليها، فالهدف من الحفريات المتواصلة هو إطالة عمر الدولة العبرية، رغم أنّ الصهاينة ومعظم العاملين من المؤسسة العسكرية والسياسية متأكدون أنه لا وجود للهيكل حيث تضخم الوقائع والنتائج لتحقيق مكاسب سياسية". وأهم نفق، حسب الدكتور هيثم الرطروط، هو على امتداد الجدار الغربي طوله 400 متر، حيث تسبَّبت الحفريات في تهديم أقدم تراث تاريخي. واستطاع الفلسطينيون ترجيح كفة المعرفة لصالحهم من خلال اكتشاف نظريات تؤكد إسلامية الأقصى وعمقه التاريخي المتجذر، حيث يقول الأكاديمي "كثير من المعارف المقدسية التي نعتمد عليها هي ذات مصادر إسرائيلية وكنا في السابق نرد عليها، وشكل لنا تحديا كبيرا أن نرد على الأطروحات، لكننا اتجهنا إلى منحى آخر وهو صناعة المعلومة، نحن نصنعها وهم يردون علينا، وبالتالي قمنا بتطوير بعض النظريات والبحث في عدد من النقاط المفصلية والمهمة التي تتعامل مع مدينة بيت المقدس ومسجدها المبارك من بينها الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى قبل الفتح الإسلامي، فتخطيط المنطقة هو تخطيط إسلامي يشابه الأصول الإسلامية وبالتحديد مكةالمكرمة وتشير النظرية إلى وجود المسجد الأقصى قبل الأنبياء: سليمان وداوود وإبراهيم عليهم السلام، فهو يعود إلى عهد سيدنا آدم". وعرّج المتحدث على إشكالية تضاعف الاستيطان بالقدس وتسارع وتيرته الهادف إلى تغيير النظرة الشمولية ومحاولة تغيير المشهد العمراني من خلال إظهار الصورة الإسرائيلية والاستطالة والعلو في المباني للتغطية وإخفاء صورة المقدس حتى تصبح القدس العربية نقطة في بحر، ويضاف إلى ذلك طرد المقدسيين بكل الوسائل وتعمير الأجانب أي تفريغ القدس من الإنسان كما البنيان. ويختم الدكتور الرطروط حديثه بالقول إن "إسرائيل تحارب ديمومة الوجود المقدسي من خلال إضعاف النواحي الاقتصادية وتقليل فرص العمل ومنع سكان الضفة من الدخول إليها".
محمد السعود أبو عيشة: "الترميم والإعمار يحتاجان إلى تظافر الجهود العربية لحماية مقدسات المسلمين" شدد الخبير في التراث الحضري ومسؤول عن ترميم الفسيفساء في المسجد الأقصى محمد السعود أبو عيشة، على ضرورة الدعم المالي العربي لعملية الإعمار والترميم في المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وقال بخصوص ذلك إنها تحتاج إلى تظافر جميع الجهود من مختلف الدول العربية، خاصة بعد الصعوبات والعراقيل التي تواجههم من قبل سلطات الاحتلال، والتي تمنع المواد الأولية والأساسية في الترميم من الدخول إلى القدس، كونها غير متوفرة محليا ويجب جلبها من الخارج، حيث يستغرق ذلك وقتا في إحضارها. وأضاف الخبير خلال نزوله ضيفا على منتدى "الشروق" أنه أشرف شخصيا على عدة عمليات ترميم بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، منذ 2010 مع وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية في الأردن بالتنسيق مع لجنة الإعمار، التي أسسها الملك الأردني عقب حريق أوت 1969، والذي أتى على ثلث الأقصى المبارك كان من ضمنها، منبر "نور الدين الزنكي" الذي أحضره "صلاح الدين الأيوبي" إلى المسجد الأقصى، وواصل المتحدث أن عملية الترميم انطلقت بصنع المنبر في عام 1993 وإرجاعه إلى الأقصى سنة 2007، بعد تركيب 16 ألف قطعة خشبية. وأشار المسؤول عن ترميم الفسيفساء في المسجد الأقصى، إلى أنه يوجد 1500 متر مربع من الزخارف الفسيفسائية الإسلامية بداية من الفترة الأموية إلى غاية الحكم العثماني، تحتاج إلى حمايتها من أثار الزمن والطبيعة، والمحافظة على طابعها العمراني بحكم تصنيفه ضمن لائحة التراث العالمي والذي أصبح مهددا بالخطر، حيث تشرف مديرية أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، على عمليات ترميم ذات معايير دولية، وعلمية منها توثيق المخطوطات ولأول مرة في تاريخ المسجد الأقصى، يتم توثيق الزخرف الخطي الفسيفسائي، لتجنب ضياعه في حالة وقوع كوارث طبيعية كالزلازل أو الحرائق، من خلال نسخ الرسومات المتواجدة وبالتالي بالإمكان إعادتها في المستقبل.
إبراهيم أبو ثريا: الحفريات تسرّع شيخوخة الأقصى والتصدّعات تنذر بالأسوإ أفاد رئيس التجمع الدولي للمهندسين الفلسطينيين إبراهيم أبو ثريا بأنّ شبكة الحفريات تحت المسجد الأقصى في مجملها غير معلومة، والواضح جليا أن المقدسيين والإدارة المقدسية لا تستطيع اتخاذ الإجراءات لحمايتها، حتى وإن علمتها، فمواد البناء لا يُسمح بإدخالها إلا بعد تعقيدات مطوّلة، ليس لترميم المسجد الأقصى فقط لكن حتى بالنسبة إلى البناء العادي. وأضاف أبو ثريا "هناك دعاماتٌ خفيفة تسند الأقصى وما نراه من تصدعات في المباني وانهيار في الأرضيات تؤكد تهالك المبنى، والترميمات المسجلة لا تكفي لإطالة عمره، بل إن إسرائيل تقوم من خلال الحفريات بتسريع شيخوخة البناء". واستطرد قائلا "أحد أعمال الترميم استغرق 9 سنوات كاملة في أمر كان يحتاج عاما واحدا على الأكثر، حتى ماسورات المياه يمنعوننا من تصليحها وهي تتسبب في تسرب المياه إلى الأرضيات والجدران وبالتالي تهالكها.. ببساطة وباختصار إسرائيل تعتمد على سياسة الانهيار الذاتي للأقصى لأنها تعلم أنها لو هدمته علنا ستقام عليها الدنيا وستخسر الرأي العام العالمي". ترميم التصدعات وجلب الإسمنت باتا جريمة في المقدس تكلف الناس حريتهم، ويحكي أبو ثريا واقعة مدير متحف المقدس الذي استقدم كمية من الإسمنت لدرء تصدّع في مكتبه فكلفه الأمر ملاحقته في القضاء الإسرائيلي! وتحدّث أبو ثريا بمرارة وألم عن معاناة المقدسيين في البقاء والانتماء حيث قال "معاناة المقدسيين تتم وفق خطة مدروسة أجندتها التطور الاستيطاني والأنفاق الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى، وهي تبدأ من نشأة المقدسي حتى مزاولة عمله وعلى عدة مستويات اجتماعية وسياسية وإدارية". وعبر رحلةٍ قصيرة للحياة المقدسية تطرق أبو ثريا إلى العقبات الكارثية للمقدسي حيث أكد أن ما يُصرف على تعليمه ودراسته وصحته يعادل عُشر ما يصرف على الإسرائيلي، بالإضافة إلى الآفات التي تروَّج للشبيبة للعصف بها عن طريق انتشار المخدرات والمهلوسات وبيعها بأثمان بخسة لتدمير عقولهم وتحصيلهم العلمي ولتدمير عائلاتهم، فالصهاينة يؤمنون بمقولة "مدمن المخدرات لا يحمل حجرا". وفي حال حفاظ الشباب على أنفسهم والتحقوا بالجامعة فيواجهون تضييقا بسبب المحاذير الأمنية، وكذا خيارا صعبا إما الالتحاق بالجامعات الإسرائيلية أو جامعات الضفة، وفي حال اختيار الأولى يتطلب الأمر امتحان تعديل، فضلا عن المصاريف المرتفعة ويجب أن يكون ملفه "نقيا"؛ ومعناها أنه لم ينضم إلى المقاومة يوما ولا أحد من عائلته وأقاربه، وهنا يحدث الغسيل الدماغي الأخلاقي والمعرفي وإمكانية تجنيدهم في الجوسسة، أمّا من يدرس في الجامعات الفلسطينية فهم يعتقلونه قبل الامتحانات بشهر ويفرجون عنه بعد الامتحانات بشهرين، حيث إنه يدفع تكلفة العام الدراسي من دون أن يقطف الثمرة أو يحصل الشهادة! فضلا عن عدم تساوي حظوظ العمل وإن استفاد من منصب فسيبقى رئيسه دوما إسرائيليا مهما أبدى الفلسطيني من كفاءة ومهارة. كما أنه يعيش محاطا ببيوت مدججة بالجنود الذين يحرسون السكنات اليهودية ومعروف عن اليهود إيذاؤهم للفلسطينيين. لو أنّ المقدسي غاب عنها لمدة 7 سنوات لفقد حقّه في الإقامة كليا وأسقطت عنه الجنسية ويعتبر حينها لاجئا، ولا تجدد هويته إلا في حال غيابه لمدة عامين شرط إقامته في القدس لمدة 6 أشهر كاملة، ما يفقده دراسته فهو مخير بين نارين: إمّا أن يفقد هويته أو يفقد دراسته أو عمله.. باختصار -يقول المتحدث- التعقيدات المعيشية لسكان القدس كارثية. ودعا أبو ثريا في الختام جميع الأمم والدول والشعوب إلى الوقوف والنهوض مكافحة الإجرام الصهيوني؛ فالتجمع الدولي للمهندسين الفلسطينيين يقوم بمشاريع إعمارية في الأقصى والبيوت المقدسية، لكنها غير كافية وتحتاج لالتفاف وهو ما جعل الهيئة الدولية لإعمار غزة تلحق ملف القدس بنشاطها. وأثنى أبو ثريا طويلا على مشاعر الجزائريين تجاه القضية الفلسطينية ودعمهم غير المحدود لها، لكنهم دعاهم إلى ترجمة واقعية للشعور النبيل الذي يكنونه لإخوانهم الفلسطينيين من خلال مبادرات توأمة في شتى المجالات، فهذه البرامج هي التي تُحدِث التغيير الحقيقي.
الدكتور أسامة الأشقر: "إسرائيل تنفق مليار دولار سنويا لتهويد القدس" قال رئيس التجمع الدولي للكتاب والأدباء الفلسطينيين الدكتور أسامة الأشقر، إن إسرائيل تنفق سنويا ما يفوق مليار دولار، كميزانية لتهويد القدس تشمل ميزانية البلدية الإسرائيلية إضافة إلى الوزارات الإسرائيلية المتخصصة، ودعم مالي تتلقاه من قبل الجمعيات الأوروبية، بالمقابل يضيف المتحدث أن الميزانيات العربية لا تتجاوز في مجموعها سنويا 5 ملايين دولار فقط من مجموع 60 مليون دولار موعود بها، وأضاف أسامة الأشقر أن التهويد استراتجية إسرائيلية تسعى من خلالها إلى تحويل المكان إلى مكان توراتي بالكامل، غير أن ذلك قد لا يمكنها من التعامل معهم، بسبب وجود حارات إسلامية كبيرة، منها الحارة الشرقية المكتظة بالكثير من الأعمال والطرز المعمارية الإسلامية. وبخصوص التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، حذّر المتحدّث من أن إسرائيل يمكنها أن تفرض ذلك بحكم الأمر الواقع وتكرر تجربة تقسيم الحرم الإبراهيمي، في ظل الصمت العربي والإسلامي والتواطؤ الدولي. من جهة أخرى، أبدى الدكتور الأشقر رغبته في ضرورة تبني مؤتمر دولي معرفي أكاديمي، يؤسس لمضامين يمكن أن تسجل لتوثيق العلاقة بين الشعب الفلسطينيوالجزائري، والاستفادة من الحميمية في العلاقة بين الشعبين، وتعزيز الروح الواحدة بينهما، وأضاف قائلا "إن ذلك ينبغي أن يكون مؤسسا على مشهد علمي وتاريخي، لاسيما أنه ما يزال متصلا إلى يومنا هذا من خلال وحدة المعاناة ووحدة الروح النضالية". وأضاف أن عمق ما يربط الشعبين انطلق من رحلة الأمير عبد القادر إلى الشام، والتي بنيت على الجهاد القديم والحج وحتى العلم والمعرفة والزيارات المتصلة والمصاهرات، ما جعل العلاقة تتوطد أكثر، والدليل على ذلك تمركز الجزائريين الذين نفتهم فرنسا إلى فلسطين عقب فشل ثورة الأمير عبد القادر وكذا المقراني والحداد، في ست قرى منها الكساير وهوشة ومعز وعلمة وواد الذهب في فلسطين إلى يومنا هذا، زما يزال الكثيرُ منهم يتحدث الأمازيغية. وعرّج المتحدث على النضالات التي جمعت الشعبين وتجلت في الأعداد الكبيرة من الجزائريين الذين تنقلوا إلى المخيمات خلال نكبة الشعب الفلسطيني في 1948، وأصبحت لهم حارات داخل المخيمات، أشهرها حارة المغاربة في المخيم اليرموك في سوريا، وهي من أكثر الحارات تسجيلا للشهداء.