تحلق مروحيات الجيش فوق أسطح المنازل مطلقة الصواريخ على درة المدن المسلمة في الفلبين "مراوي" التي تحترق وخلت من سكانها، بينما تنتشر في شوارعها روائح الجثث المتحللة والنفايات المكدسة، حسب تقرير نشرته وكالة فرانس برس، الثلاثاء. بدت مدينة المآذن الواقعة على ضفة بحيرة وشكلت مركزاً ثقافياً للأقلية المسلمة في الفيليبين - معظم سكانها من الكاثوليك - مقفرة بعد هجوم شنه مسلحون حملوا رايات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السوداء الأسبوع الفائت. وحث الجيش الفلبيني، الثلاثاء، المتشددين في مراوي، على تسليم أنفسهم وذلك في اليوم الثامن من العملية العسكرية التي تستخدم فيها قوات الأمن المدرعات وتطلق صواريخ من طائرات هليكوبتر للقضاء على المسلحين، كما نقلت وكالة رويترز للأنباء. وقالت الحكومة، إنها باتت قريبة من استعادة السيطرة على مدينة مراوي من أيدي حركة ماوتي المرتبطة بتنظيم "داعش". وسيطرت الحركة على أجزاء من المدينة بعد محاولة فاشلة من الحكومة للقبض على اسنيلون هابيلون الذي يعتبره المتشددون أمير جنوب شرق آسيا. ورغم حملة عسكرية شرسة بقي عدد مجهول من المسلحين في جيوب في المدينة يحتجزون فيها رهائن. وما زال حوالي ألفين من السكان كذلك محاصرين. وأقر قائد شرطة مراوي بارسون اساديل لفرانس برس بينما كان ينظم حاجزاً أمنياً، الاثنين، بأسف، أن "هؤلاء المسلحين يتقنون القتال. يبدو أنهم تلقوا تدريباً ما". وأضاف أن واحداً من رجاله على الأقل قتل، وفقد أثر خمسة آخرين. وبلغت حصيلة القتلى الرسمية 19 مدنياً و17 جندياً وثلاثة شرطيين و65 ناشطاً، ومن المرجح ارتفاعها. وقال حامد باليمبينغان أحد عناصر القوات الخاصة للشرطة، لصحافيين في مراوي أنه يشتبه في أن السوق العامة التي منع العامة من دخولها ما زالت مليئة بالجثث. وأضاف أن "رائحة المنطقة سيئة.. ما زلنا عاجزين عن دخول المنطقة، لهذا نستعين بالمروحيات الرشاشة ضد" المسلحين. وأفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تحاول مساعدة العالقين، إن الناس يموتون من الظروف القاسية والرصاص الطائش، مع انقطاع الكهرباء والماء والغذاء والرعاية الطبية. وأوضح نائب رئيس بعثة اللجنة إلى الفلبين مارتن ثالمان الموجود حالياً في مراوي، لفرانس برس: "عندما يتحدث إليهم زملاؤنا عبر الهاتف نسمع أن الوضع صعب للغاية مع نفاد الطعام والمياه ولا كهرباء لديهم". وأضاف لفرانس برس: "يجري قتال عنيف باستخدام أسلحة صغيرة. الوضع فظيع بالنسبة لهم.. هناك أشخاص ماتوا لعدم توفر طبيب يعالج جروحهم التي أصيبوا بها جراء إطلاق النار". وتشهد الحملة العسكرية قتالاً ضارياً بين المنازل فيما يستعين المسلحون بقناصة على المباني الرئيسية. كما تحلق المروحيات دورياً فوق المناطق التابعة للمسلحين وتطلق الصواريخ حتى لو علمت بوجود مدنيين في مبان مجاورة. مدينة مقفرة على معبر أساسي أقامت فيه قوات الشرطة المحلية حاجزاً أمنياً، الاثنين، خلت الشوارع من كل حياة باستثناء أربع دجاجات هزيلة وجائعة تهافتت على نفايات مكدسة في شارع مقفر. وأغلقت واجهات المتاجر المحيطة بألواح خشبية فيما بدا زجاجها مليئاً بثقوب الرصاص. وسدت الطريق القريبة شاحنة مكسرة الزجاج ومثقوبة الإطارات. قبل المعارك، كانت مراوي تضم مائتي ألف نسمة، أكثر من 90 في المائة منهم مسلمون. وهي إحدى المدن القليلة التي تعد أكثرية مسلمة في منطقة مينداناو (جنوبالفلبين) التي تعتبر الموطن التاريخي للمسلمين الذين وصلوا قبل فترة طويلة من نشر المستعمرين الأسبان الديانة المسيحية في البلاد اعتباراً من القرن السادس عشر. منذ اندلاع المعارك اكتظت المدن والبلدات المجاورة بسكان مراوي النازحين الذين وصل بعضهم بعد مسيرة يومين على الأقدام من القرى الجبلية هرباً من المواجهات. وامتدت طوابير طويلة أمام عدد من الحواجز التي أقامها الجيش والشرطة خارج المدينة، فيما تحقق الأمن من هويات السكان بالمقارنة مع صور مكبرة لأشخاص معروفين يشتبه باتصالهم بالإرهاب. وقالت ربة المنزل سوناي ماكودين (28 عاماً) وهي أم لستة أولاد لفرانس برس: "نشعر بالغضب تجاههم" في إشارة إلى المسلحين المتشددين، فيما جلست وأطفالها وجدتها العجوز على أرض قاعة رياضية حولت إلى ملاذ طوارئ في بلدة بانتار المجاورة. وصرحت بأسف: "ما كنا لنعيش ذلك لو لم يأت المسلحون إلى قريتنا". وأعرب مسلم آخر من السكان عن الذهول إزاء أهداف المسلحين المعلنة أي فرض نظام حكم شرس على غرار ما فعل تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، واعتبار كل من لا يشارك أيديولوجيتهم عدواً. وقال "من المفترض أنهم جزء من قبيلتنا، وأقاربنا، لكن حتى نحن لا نفهم ما هي قضيتهم". وقتل أكثر من مائة شخص في أسبوع من المعارك، منذ إقدام مسلحي حركة ماوتي الذين أكدوا انتماءهم إلى "داعش" على تخريب بعض أحياء المدينة التي تعد مركزاً للثقافة الإسلامية في البلاد. وأعلن الرئيس رودريغو دوتيرتي فرض الأحكام العرفية في مجمل منطقة مينداناو التي تضم 20 مليون نسمة. * * * * * * *