تتوافد على باماكو منذ مدة ليست بالقصيرة أصناف من الضباط الفرنسيين والأمريكيين باللباس المدني قصد التقاط أكبر كمية ممكنة من المعلومات عن المد الإرهابي بالمنطقة، وكانت صحف مستقلة مالية وموريتانية ونيجيرية نقلت مثل هذا التواجد المكثف لأجهزة الأمن الغربية في باماكو ونواقشط ونيامي منذ أن توالت عمليات الاختطاف والقتل التي طالت رعايا أوربيين وأمريكيين. وتأتي على رأس هذه الأجهزة المخابرات الأمريكية والفرنسية التي ربطت علاقات مميزة مع توارڤ المنطقة الساحلية والجيش النظامي ومصالح الأمن، وعرفت بالتالي كيف تنشئ شبكة من الاتصالات والروابط المعقدة كان قد كشف عنها الدبلوماسي النمساوي "أنطون بروهاشكا" الموفد الرسمي من قبل فيينا للمفاوضة في باماكو من أجل إنقاذ الرهينتين النمساويتين "وولف غانغ أبنر" و"أندريا كلوبر" المختطفين في شهر فيفري 2008 ولم يطلق سراحها إلا بعد قرابة عشرة أشهر، فمن بين الأسباب التي أخرت إطلاق سراحهما بحسب تصريحات الموفد الرسمي من قبل فيينا "أنطون بروهاشكا" فإن كثرة تداخلات الاستخبارات الغربية واختلاط الوسائط والجواسيس كانا عائقين أمامه للتدخل السريع لإنقاذ رعايا النمسا. وإن كان التواجد الاستخباراتي الأمريكي حديث عهد بالساحل الإفريقي ويمكن تحديده بما بعد 2001 وابتداء من سنة 2005 على وجه التخصيص فإن العمل الاستخباراتي الفرنسي المتمثل في التواجد المكثف لضباط "الدي جي أس أو" أقدم عهدا وأضرب عمقا في المنطقة، غير أن العمل الاستخباراتي من أجل الوقاية الأمنية قد تقلص كثيرا بفعل الميكانيزمات السياسية التي أصبحت تفرض قيودا وشروطا على الدول من أجل الإدلاء بكل ما لديها من المعلومات الأمنية للدول المسيرة لمكافحة الإرهاب فاسحا المجال لنوع جديد من الجوسسة وهي الجوسسة الاقتصادية. فالصراع من أجل السيطرة على منابع الطاقة في إفريقيا والحفاظ على تأمين طرقها في الساحل والسودان إلى القرن الإفريقي وكذلك تقليص المد الصيني والروسي في المنطقة، أصبحت من الأدبيات الكلاسيكية في الجيوستراتيجيا الحديثة، لكن الأمر الملفت هو ما قد أصبح ينادى له جهارا نهارا من جوسسة اقتصادية تقوم بها الأجهزة التي كانت مدربة أصلا على الجوسسة الأمنية والسياسية. وتسعى فرنسا منذ أشهر لإنشاء "مركز للبحوث الاورو- مغربية والدراسات الإستراتيجية"، وهو في الحقيقة مركز يشبه أن يكون وكالة لجمع المعلومات حول الإرهاب. وحسب الأخبار المتوفرة فإن أحد البلدان المغاربية مرشح لاحتضان هذا المركز ولعل تونس هي البلد الأوفر حظا لاحتضان مركزالدراسات الاورو- مغربية. تقول المجلات الفرنسية المتخصصة في المجال الاستخباراتي إن الفكرة كانت قد طرحت أثناء أحد اجتماعات مجموعة العمل الخاص بالدفاع لبلدان الحوار غرب متوسطي لدول "5+5" والتي تضم بالإضافة إلى الدول المغاربية الخمس، كل من فرنسا واسبانيا وايطاليا والبرتغال ومالطا، غير أن الفكرة فرنسية والغاية جمع "معلومات مفيدة" لصالح باريس يمكن "استغلالها" في "الوقت الحقيقي" في كل أنحاء المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل الإفريقي أيضا. وفي إحدى آخر نشرات المجلة الفرنسية المتخصصة "كراريس مارس" يقول مدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية "يرار كوربان دي مانغو" إن المنطقة المغاربية هي "من بين الأوليات" وإن مصالحه "تراقبها بانتظام"، وتقول المجلة إن المشروع هو عبارة عن أرضية عمل وشراكة بين الدول المغاربية والاوربية القصد منه سد الفراغ في مجال تبادل المعلومات ورصد التحركات الإرهابية في الجزائر والمغرب. وحسب المجلة فإن المركز ستكون له مكاتب في جميع البلدان المغاربية وتدار هذه المكاتب من قبل الملحقين العسكريين العاملين في التمثيليات الدبلوماسية. في قلب هذه الاهتمامات نجد الأمن البحري والخطر الإرهابي في منطقة المغرب والساحل الافريقي وهذا كله كان قد سمي ب"القوس الإستراتيجي" وهو معدود في أولويات الأمن الداخلي والخارجي الفرنسي حسب ما جاء في "الكتاب الأبيض حول الأمن والدفاع القومي الفرنسي"، ويأتي هذا المشروع بعد إخفاق المشروع الأمريكي الأخير المسمى "أفريكوم" والذي لا يزال يراوح مكانه.