"عاشور العاشر" ليس مجرد مسلسل كوميدي، بل تحوّل في رمضان 2017 إلى ظاهرة فنية بكل المقاييس، يكفي أنه تضمن العديد من الإسقاطات التي جعلت الجزائريين لا يفرقون بين المملكة العاشورية، ووطنهم الحقيقي المثقل بالهموم والجراح، حلقات عن الديمقراطية وشروط ممارستها، هجرة العقول التي تم طردها، عن الأولمبياد وفضائحه، تسريبات البكالوريا التي لم تنفع معها صرامة "بن عفريت"، ظهر عاشور العاشر هذه السنة وكأنه يرد على نقاده حين هاجموا النص في جزئه الأول، بمنح العمل إسقاطات كثيرة، لا يقول المخرج جعفر قاسم إنه تعمدها، لكنه ذكي بالقدر الذي يجعله مسؤولا عنها!! "عاشور" جعل من الشروق القناة الأولى في رمضان، وجعلت هي منه المسلسل الأكثر مشاهدة في السنوات الأخيرة، هكذا كان الرهان قبل ثلاث سنوات، وهكذا تجسّد في مشروع ضخم، أركانه تنوعت واختلفت في التفاصيل لكنها اتفقت جميعا على تقديم عمل يليق بالجزائريين، ويرفع من احترافية الصورة بشكل يُحرج بقية المنتجين والمخرجين!! لا نقول إن المسلسل جاء كاملا، لا يشوبه أيّ نقص لكنه مقارنة ببقية الأعمال الفنية جاء حافلا بالاحترافية، وهي ليست غريبة عن جعفر قاسم، المخرج الذي بدأ مصورا بالتلفزيون الجزائري لينتقل إلى مايسترو حقيقي ينجز الكثير من النجاحات على مستوى الشاشة الصغيرة، ومؤثثا ذاكرتنا البصرية بالعديد من الأعمال الجميلة، ليس أقلها "ناس ملاح سيتي" الذي جاء كقطيعة مع ما سبقه من أعمال وبمثابة إعلان رسمي عن ميلاد السيتكوم بالجزائر، بعد سنوات ذهبية صنعها رواد "أعصاب وأوتار" وثلاثي "بلا حدود"، جاء جعفر بمدينته الجميلة "ناس ملاح سيتي" ليؤثث المشهد التلفزيوني بشكل مختلف تماما، ومتطور جدا، أكده بعد ذلك في "جمعي فاميلي"، هذا الأخير تحول بأجزائه الثلاثة ومع صالح أوقروت وسميرة صحرواي، محمد وعز الدين بوشايب، بشرى، عثمان بن داود، بلاحة بن زيان وكل الممثلين إلى بارومتر حقيقي للعمل الرمضاني العائلي، حيث شكلت شخصية الجمعي "الطاكسيور" مرجعية بالنسبة لذلك الجزائري البسيط والذي لا يهمه سوى سعادة عائلته واجتماعها بشكل يومي على طاولة العشاء أو بالجلوس على الأريكة لمشاهدة التلفزيون في أجواء كوميدية من الطراز الرفيع!! توقف "الجمعي" بعدما استنفد أغراضه الفنية والعمرية، وبات الجميع يسأل، ماذا سيقدم جعفر قاسم بعدها؟ وهل سينجح مرة أخرى في العثور على بديل يكرسه اسما كبيرا في عالم الفن أم أن نجاحه كان مجرد صدفة قد لا تتكرر؟! وبسرعة، جاءت الإجابة، وهذه المرة بعمل ضخم، يسمى "عاشور العاشر"، انتقل به من حياة العائلة إلى جوّ الممالك.. ومن النجاح بالصدفة إلى تكريس الريادة!! "عاشور العاشر" في جزئه الجديد لم يعد مجرد مسلسل وإنما بات مرجعية فنية كبيرة، سيكون صعبا على من يأتي بعدها أن يقدم عملا أقل شأنا، ليس فقط لأن جعفر قاسم وكل فريق العمل، رفع من رصيد المنافسة، لكن لأن الجمهور بات واعيا بالدرجة الكافية التي تجعله لا يتقبل أي عمل.