لا تزال معاناة المرضى والحوامل مستمرة بمستشفياتنا، رغم الحملات التي أطلقت خلال السنوات الماضية لتطوير القطاع، غير أن الذهنيات المتخلفة وتفاقم المشاكل التي أكل عليها الدهر وشرب تبقى تصنع الحقيقة المرة، لغياب الإرادة الحقيقية من طرف المسؤولين بغية تطوير قطاع يعني "الحياة كلها" ليصبح اليوم ينعت بتسميات متنوعة ك"المريض" أو مستشفيات "الباطوار"، جعلت منه ذاك الذي يتعوذ من اسمه ويدعو أن لا يمسه المرض خوفا على حياته من إهمال أو خطا طبي قد يدخل إليه حيا ويخرج منه في كفن. قضية الحوامل تعتبر من ابرز المشاكل التي يبدو أنها ستقضي على مستقبل الأجيال المقبلة، كيف لا، ونحن لازلنا نسجل وفيات في الأرواح سواء بالنسبة للحوامل أثناء المخاض أو حتى وسط الأجنة لأبسط الأسباب أو المضاعفات التي تجاوزها الزمن بسنوات "ضوئية".. أما طريقة تعامل القابلات والممرضات مع مرضاهن تبقى تتطلب إعادة النظر في معايير التوظيف النفسية حسب كل تخصص.. "الشروق" تنقلت إلى بعض مستشفيات العاصمة وكانت لنا بعض المشاهد والشهادات التي تبقى تطارد كل من يحمل ذرة ضمير حي.
اكتظاظ رهيب.. ونسوة يبحثن عن مكان لهن ونحن نزور مستشفى نفيسة حمود "بارني" سابقا، استوقفتنا مشاهد الاكتظاظ، فأين تولي وجهك تقابلك أفواج من النساء منهن من تنتظر موعد الكشف وأخريات يتوجعن من الألم.. قاعة الانتظار كانت مكتظة عن آخرها والمدخل مغلقا وكل الأنظار كانت تتجه نحوه لاستقبالهن، تقوم امرأة مسنة من مكانها لتشتكي وضع ابنتها الحامل بعد ما طال انتظارها للكشف عنها، فتجيب إحدى الممرضات "مازالت دالتها"، فترد الأم الخائفة على حياة ابنتها "دخلوا بالمعريفة على بالي ولا بالصاشي تحت الطابلة"، فترد الممرضة "إيه نخلي بنت حبيبتي تموت وندخلك بنتك؟".. اقتربنا من السيدة لنستفسر عن المعنى الذي تريده من خلال ذكر الكيس، فقالت لنا أن العديد من الممرضات والقابلات حسب ما وقفت عليه يقمن بقبض أكياس مملوءة بما طاب من أغراض تسيل اللعاب دون أن تذكر قيمتها مجيبة "راكي عارفة الصوالح".. اقتربنا من الباب "الذهبي" لنصعد إلى الغرف التي تنزل بها النساء حتى يتسنى لنا الوقوف عن قرب على مشاهد الاكتظاظ الذي ظل حديث العام والخاص، غير أنه تعذر علينا ذلك بسبب الحراسة المشددة على غير العادة وكأن الأمر يتعلق بمخابر لاكتشافات سرية وهي المشاهد إلي استوقفتنا بكل مستشفى زرناه.
وجوه طبعها "التشناف".. والإهمال يزيد من الأخطاء الطبية انتقلنا إلى مستشفى مصطفى باشا بوسط العاصمة، اقتربنا من مصلحة التوليد والأمومة، فوجدنا الكل ينتظر موعد الزيارة.. أول من قابلتنا هي سيدة ذات بنية قوية عند باب الاستقبال بوجه عابس ونظرات تنفر.. أردنا مباغتتها للدخول بعدما غفلت في الحديث مع زميل لها، غير أنها اكتشفت أمرنا لتنادي علينا "وين راكم رايحين يا بنات ممنوع"، عدنا من حيث أتينا وأخذنا الحديث مع إحدى النسوة التي كانت في انتظار موعد زيارة قريبتها التي تتواجد في الإنعاش بسبب خطأ طبي، تقول "أنجبت قريبتي طفلا منذ شهرين، حيث أنها وبعد مدة قصيرة عن الولادة ارتفعت درجة حرارة جسمها بشكل مفاجئ، أعيد إرجاعها إلى المستشفى بعد ما عرفت مضاعفات ليخبروهم أن المعنية تعاني من ميكروب لم يعرف مصدره..". سيدة أخرى أخبرتنا بقضيتها لدى نزولها بمستشفى حسن بادي (بلفور) بالحراش، حيث أكدت أن خطأ طبيا ألزمها الفراش بعد معاودة عمليتين جراحيتين بعدما اكتشف انه خطأ طبي ناجم عن ترك ضمادة داخل رحمها.. سيدة أخرى تنتظر موعد زيارة ابنتها التي تعاني من نزيف حاد منذ شهرين بعد ما فقدت جنينها الأول ولم يعرف السبب لحد الساعة - تقول السيدة... انتقلنا باتجاه مستشفى القبة، فمشاهده اختلفت عن سابقيه من حيث التنظيم وعدد مستقبليه، حيث لم نشاهد في أية غرفة الزحمة أو الحشر في الأسرة مثل ما تعانيه مستشفيات أخرى، أما الحراسة فكانت مشددة هي الأخرى، غير أن الأخطاء الطبية والإهمال لدى البعض يبقى يطبعه.. شهادات انتزعناها من طرف عائلة كانت تنتظر الدخول إلى مصلحة الإنعاش من اجل تفقد ابنتها الحامل والتي تعرضت لخطأ طبي سبب لها نزيفا داخليا ما أرغم لطاقم الطبي على إعادة فتحها من جديد، غير أنها تعرضت للنفخ مع ارتفاع درجة الحرارة، كما أرغمت أختها على حراستها ليلا بعد تهاون الممرضات، تضيف أخت المريضة "أتواجد هنا منذ 4 أيام ورأيت العجب بأم عيني، 4 حالات كاملة لأخطاء طبية تستدعي التدخل لمعاقبة المتهاونين".
مصالح توليد في عطلة وحوامل في رحلات العذاب تحت حرارة تجاوزت ال40 درجة، يتزاحمن لدخول قاعة الاستعجالات!.. يجلسن لساعات في انتظار دورهن، والعرق يتصبب من وجوههن المصفرة من ألم الحمل والخوف من الولادة في أي لحظة.. زيادة.. إنها استعجالات طب التوليد في مستشفى نفيسة حمود "بارني" بحسين داي، التي تحولت إلى ما يشبه الجحيم مع بداية شهر أوت.. رئيس المصلحة في عطلة وأطباء غائبون، والمتواجدون منهم لا يكفون، والمعاناة تعيشها المرأة الحامل وقد تدفع ثمن ذلك حياتها، حيث وقفت الشروق على حالة إغماء لشابة حامل اقترب موعد ولادتها ولكنها لم تستقبل في المصلحة. ولأن مصلحة التوليد لم تعد تستوعب الأعداد الهائلة القادمة إليها من النساء الحوامل، انعكس ذلك على أداء الخدمات، خاصة وأن مصلحة الولادة لا تتسع سوى ل24 سريرا، في حين تتكفل بحوالي 50 عملية ولادة يوميا، وحسب الجولة الاستطلاعية التي قادتنا إلى ذات المستشفى، فإن أعوان الحراسة والأمن هم من يدفعون ثمن الاكتظاظ في المصلحة، وهو ما أكده لنا بعضهم. وحسب هؤلاء فإنهم تعرضوا للعديد من الاعتداءات من طرف المواطنين.
...روائح كريهة وساعات انتظار طويلة في قاعة الاستعجالات قبل أن تدخل قاعة الاستعجالات المكتظة بالحوامل القادمات من مختلف الجهات القريبة لحسين داي، وهن في حالة صحية صعبة، تستفزك تلك الروائح الكريهة المنبعثة من برك دم متعفن التف حولها الذباب والبعوض، وكأنها وضعت خصيصا في مدخل القاعة ومدخل مصلحة التوليد لترهيب الحوامل وإعطائهن صورة توحي لهن بالدخول إلى"باطوار"!.. رائحة الأدوية والحرارة والتماطل في الاستقبال وعدد المنتظرات دورهن، زاد من مرضهن، وأدى إلى حالات إغماء داخل قاعة حرارتها خانقة ومكيفها الهوائي عاطل!
الولادة في الصيف تتحول إلى جحيم "من ترغب في الحمل عليها أن تجري حسابها على أن لا تصادف ولادتها عطلة الصيف" قالتها سيدة في ال60 سنة، كانت رفقة كنتها الشابة والتي اقتربت ولادتها، وكانت تتلوى من الألم، وامرأتان تلوحان بقطعة كارتون للتهوية عليها، ودورها لم يأت بعد وطابور الحوامل لم ينته، والممرضة تغيب لمدة طويلة قبل أن تنادي على صاحبة الدور. أكدت حامل خرجت من مكتب الطبيب الذي يقوم بفحصهن، والكشف عن حالتهن التي تستدعي تحويلهن مباشرة إلى قسم الولادة، أنها انتظرت لساعات كاد يغمى عليها، حيث يقضي الأطباء والممرضون حسب ما وقفنا عليه وقتا طويلا وهم يتحاورون في أمور خاصة. ونحن متواجدين في قاعة الاستعجالات الخانقة من الحرارة، أغمى على حامل وهي شابة لم تتجاوز ال30 سنة، مما استدعى رشها بالماء على وجهها، حيث لم يمنحها الطبيب شهادة الدخول إلى مصلحة التوليد بحجة أن الموعد لم يحن بعد لولادتها، لكن حالتها الصحية كانت متدهورة.
أعوان الأمن بدل الأطباء والقابلات لا يختلف الأمر بالنسبة لمصلحة التوليد، والتي كان مدخلها في حدود الساعة الواحدة زوالا، مكتظا بالمواطنين الذين جاءوا ليطمئنوا على نسائهم، فقد كان الكثير منهن يتوسلون إلى أعوان الأمن أن يدخلوا إليهن قبل موعد الزيارة، والسبب أن الكثيرات منهن اتصلن هاتفيا بأزواجهن يطلبن الدواء والماء، ويستنجدن بهم لعدم وجود الممرضات والقابلات بالقرب منهن. تسللت الشروق، للطابق العلوي، أين وقفنا على معاناة لبعض الحوامل والنفساء، واللواتي كان يبدو عليهن حالة من القلق والخوف في غياب القابلات والممرضات، وقالت إحداهن ان الكثير منهن يضطررن للصراخ حتى يسمعها الأطباء في الطابق السفلي، وهذا ما قد يعرضهن للخطر الصحي. وأكدت امرأة نفساء، أنها ولدت في الرواق وكادت تموت في غياب الممرضة، فيما عبرت أخريات حوامل في انتظار موعد الولادة، عن خوفهن الشديد، حيث كان يبدو عليهن القلق وهن يتحركن ويمشين والرواق يكاد يكون خاليا إلا من طبيبة أو ممرضة تمر من حين لآخر، وفي انعدام وجود المكيف الهوائي. وقالت سيدة شابة أنجبت طفلا وبقيت في المصلحة، كانت مصابة بالتهاب حاد في عينيها، إنها طلبت مصلا لعلاج الالتهاب، ولكن الممرضات لم يجلبنه لها، ولكن المشكل لم يتوقف حسب ما رصدناه، عند هذا الحد، إذ يعتبر غياب بعض الأطباء وتوافد أعداد كبيرة من الحوامل ونقص بعض الأدوية والخدمات هاجسا يهدد حياة الحوامل ومواليدهن.
وعد بفتح تحقيق وكشف ملابسات الوفيات فضائح مصالح التوليد تستنفر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تعهد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بفتح تحقيق حول وضعية الصحة في الجزائر والقيام بزيارات ميدانية عبر كامل التراب الوطني لمختلف المؤسسات الاستشفائية، للوقوف على حقيقة ما يعانيه المرضى من تقصير للطاقم الطبي ونقص في التجهيزات، وسيكون التقرير مفصلا وموثقا ومصحوبا بتوصيات وآراء المجلس في هذا الحق الدستوري. أكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان في بيان له، متابعته واهتمامه بالأوضاع العامة للصحة في البلاد وذلك من خلال التقصي الميداني الذي يندرج ضمن صلاحياته ومهامه، كاشفا بأن الحق في الصحة هو من الحقوق الأساسية للإنسان ومرتبط بالحق في الحياة ويضمنه الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر. وحث المجلس الجهات المعنية على العمل بجدية من أجل تفادي وقوع هذه الحوادث المؤلمة التي تودي بحياة مواطنين همهم الوحيد الاستفادة من خدمات صحة جوارية ذات جودة. ويأتي هذا التحرك عقب وفاة سيدة حامل تبلغ من العمر 23 سنة من ولاية الجلفة، تقاذفتها ثلاث مؤسسات استشفائية، فقد نقلت للمؤسسة الاستشفائية لعين وسارة، وتم رفض استقبالها بحجة عدم وجود طبيبة توليد ليتم تحويلها إلى مستشفى حاسي بحبح وتم رفض التكفل بها، ولم يعد من حل أمامهم سوى العودة إلى عين وسارة لتضع مولودها داخل السيارة وتدخل في غيبوبة لتنقل بعدها إلى مصلحة الاستعجالات وتخضع لعملية استئصال الرحم لإيقاف النزيف، لكنها لفظت أنفاسها. وليست هذه الحالة الوحيدة، فقد توفيت سيدة حامل أيضا بمستشفى بني مسوس بالعاصمة، بعد وضع مولودها جراء رفض الطاقم الطبي المشرف على حالتها توليدها بعملية قيصرية وتمسكوا بالولادة الطبيعية، وهو ما أصابها بنزيف داخلي في الرحم ليحاول الأطباء إيقافه باستئصال رحمها، لكن دون جدوى لتسلم روحها لبارئها. وتجدر الإشارة أن الوضع في مصالح الولادات قد بلغ درجة التعفن، وكانت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان قد كشفت في 14 مارس الماضي، والمتزامن مع اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة تسجيل 39 ألف معوق سنويا بسبب أخطاء في الولادة، حيث يصاب أطفال معافون بإعاقات بسبب إهمال القابلات أو أخطاء عند توليدهم النساء خصوصا باستعمال الملاقط "الفورسابس"، كما يعرف قطاع الصحة حالة من التسيب والإهمال في مختلف التخصصات والمؤسسات الإستشفائية، وهو ما جعل عدد قضايا ضحايا الأخطاء الطبية في المؤسسات العمومية والخاصة، يتجاوز 1200 ملف وهو لا يعكس الرقم الحقيقي، لأنه يتجاوزه بكثير.
رئيس هيئة "فورام"، الدكتور مصطفى خياطي: الأطباء يتحجّجون بتعليمة وزارة الصحة حول الإقليم الجغرافي لرفض استقبال الحوامل أرجع رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام"، الدكتور مصطفى خياطي، أسباب عدم استقبال الحوامل في كثير من مستشفيات الوطن، إلى تعليمة قديمة صادرة من وزارة الصحة، تنص على الصلاحية الجغرافية لكل مستشفى، بمعنى أن كل مستشفى يستقبل الحوامل الموجودات في إقليمه الجغرافي فقط، وهي التعليمة التي يستغلها الأطباء بل أساؤوا فهمها، وأصبحوا يرفضون استقبال المرأة الحامل القادمة من إقليم جغرافي آخر، حتى وإن كانت وضعيتها طارئة. ويتأسف خياطي لكون بعض الأطباء في الجزائر يفتقدون كليا تكوينا في أخلاقيات مهنة الطب، وإلا كيف يرفضون استقبال حامل في وضعية حرجة حسب تعبيره. ويطالب محدثنا بإعادة النظر في تعليمة وزارة الصحة، مع ضرورة التركيز مستقبلا على موضوع تكوين الأطباء في أخلاقيات المهنة، خاصة أن عدم تقديم طبيب المساعدة لمريض، يعتبر جريمة جنائية قد تصل عقوبتها حتى 5 سنوات سجنا نافذا، وهو ما يجهله الأطباء. ويؤكد خياطي على المواطنين الذين يقصدون المستشفيات، ويقابَلون برفض استقبالهم خاصة ليلا من طرف أطباء المناوبة، أن يتوجهوا مباشرة إلى المسؤول الإداري المناوب بالمستشفى، لإطلاعه على الأمر، وبحسبه، "المسؤول الإداري وظيفته خلال المناوبة حل المشاكل العالقة".
بسبب النقص الفادح في أطباء النساء والتوليد الولادة الأولى بتيبازة شبه مستحيلة.. والحوامل في رحلة العذاب تجد العديد من النساء الحوامل بولاية تيبازة أنفسهن مجبرات على تحمل آلام الحمل وتبعاته من المخاض وأتعابه خلال السويعات الأخيرة قبل الإنجاب والتنقل من مستشفى لآخر في ظل النقص الفادح في أطباء النساء والتوليد، حيث يتم توجيههن من مستشفى لآخر لاسيما تلك اللواتي ينجبن لأول مرة، حيث أصبحت مثل هذه الولادات بمثابة هاجس تتخوف منه المستشفيات وكأن القضية تتعلق بأمر خارق، أما الولادات القيصرية فأصبحت "موضة" بين القطاع الخاص والعام. شهادات عديدة أتتنا من نساء حوامل أو تلك اللواتي وضعن حملهن ومعاناتهن مع مستشفيات ولاية تيبازة وحتى خارجها بزرالدة غرب العاصمة وحتى البليدة وهي الوجهات التي عادة ما يتم توجيههن إليها بعد ما يستعصى على طاقم المستشفيات التعامل مع وضعيتهن أو حالتهن التي عادة ما تكون معقدة واغلبهن ينتظرن مواليدهن الأوائل، فبمستشفى حجوط على سبيل المثال تؤكد شهادات غياب أطباء مختصين في النساء والتوليد، في حين يقوم مستشفى بأكمله في الولاية الأم تيبازة تحت تغطية طبيب وحيد لا يمكنه بحال من الأحوال أن يغطي أو يستجيب لطلبات ولاية بأكملها وهي التي تضم 28 بلدية، حيث يتم توجيههن إلى كل من مستشفى زرالدة الذي يعرف هو الآخر اكتظاظا رهيبا ما يدفع بالطاقم الطبي إلى رفض المريضات لغياب الأماكن والأسرة. في حين وفي الحالات القصوى والمستعجلة يجبر الأطباء على قبولهن أو توجيههن إلى مستشفى البليدة بن بولعيد الذي يعرف اكتظاظا رهيبا مقابل تدني الخدمات، حيث تجبر الحوامل على حمل الأفرشة والأغطية لفرشها على الأرض بسبب غياب الأماكن الشاغرة والأسرة في مشاهد تستدعي دق ناقوس الخطر لإيجاد حلول استعجالية.
قصة أغرب من الخيال حدثت في الهضاب العليا توأم من ذكرين ولد في ولايتين مختلفتين وفي يومين مختلفين! ما حدث في راس الواد بولاية برج بوعريريج، منذ بضع سنوات هو أغرب من الخيال، ويؤكد بأن معاناة الحوامل في الجزائر العميقة، يجعل من الخِلفة نقمة في بعض الأحيان، بالرغم من أنها من أكبر النِعم، التي منّ الله بها على الإنسان وحتى على الحيوان. عائلة ب، المقيمة براس الواد، وهي بلدية تابعة لولاية برج بوعريريج ولكنها على الحدود مع ولاية سطيف، منّ الله عليها بقرب وضع سيدة في الثامنة والعشرين ربيعا أول باكورة خِلفة، وهي توأم من الذكور تم متابعة تطوره عبر الإيكوغرافي لدى طبيبة مختصة في طب النساء بمدينة سطيف، إلى أن حان موعد ولادة هذا التوأم، حيث تم نقل السيدة إلى عيادة التوليد بمدينة راس الواد، وسارت الأمور في حدود منتصف الليل إلا ربع ساعة، من يوم الخميس 2005 على ما يرام، حيث تم إخراج التوأم الأول في ظروف جيدة، ولكن القابلة وجدت صعوبة في إخراج التوأم الثاني، وتم نقل الحامل في سرعة البرق إلى عيادة خاصة ولكن في مدينة سطيف وهي عيادة محابي، حيث نجح طبيب مختص في التوليد في إخراج التوأم الثاني في حدود منتصف الليل وبضع دقائق أي في الساعات الأولى من يوم الجمعة. وبقدر ما ابتهجت الأم بعد شفائها والاطمئنان على توأمها، وابتهاج زوجها، بقدر ما وجدت العائلة نفسها في مشكل عويص جدا، فالتوأم الأول حسن ولد في ولاية برج بوعريريج بتاريخ 13 مارس، بينما ولد التوأم الثاني الحسين في ولاية أخرى هي سطيف وبتاريخ 14 مارس، كما أن الحسن وُلد في عيادة تابعة للدولة من دون أن تدفع العائلة دينارا واحدا، بينما اضطرت لدفع مبلغ 25 ألف دينار جزائري في العيادة الخاصة، ولكم أن تتصوروا حال العائلة بعد هذه الورطة، التي جعلتها تضع للعالم أول توأم في التاريخ يولد في منطقتين مختلفتين وفي زمنين مختلفين أيضا؟ وتعتبر الولادة في ولايتي سطيفوبرج بوعريريج خاصة في مناطقهما الشمالية أزمة حقيقية بسبب نقص المختصين والمختصات إلى غاية صيف 2017، وتضطر حتى مدينة سطيف، إلى تحويل حواملها إلى المستشفى الجامعي بقسنطينة على بعد 120 كلم.
أطباء عاملون بها يضمنون أحسن الخدمات في عيادات خاصة برخصة غير شرعية الولادة في مستشفى التوليد ببلعباس شبه مستحيلة تعتبر المؤسسة الاستشفائية المتخصصة في أمراض النساء والتوليد بولاية سيدي بلعباس، من بين المؤسسات الصحية التي تعرف توافدا كبيرا للمريضات القادمات من مختلف بلديات الولاية، وحتى الولايات المجاورة، ما يفرض ضغطا كبيرا عليها صار يؤثر على نوعية الخدمات الصحية المقدمة للمريضات، وكثيرا ما ينتهي الأمر بمحاولات اعتداء على العاملين بالمصلحة، الذين يتهمون بالتقصير للتكفل بالحالات الاستعجالية. تشير الأرقام التي تحصلت عليها "الشروق"، أن ما معدله من 2 إلى 3 وفيات وسط النساء الحوامل تسجل كل شهر بالمؤسسة، بينما يصل عدد الوفيات وسط المواليد الجدد إلى 10 وفيات شهريا، وإن ترى بعض الأطراف المحسوبة على قطاع الصحة بالولاية، أن الأرقام المسجلة تعتبر – مقبولة – بالنظر للحجم الكبير من عمليات الولادة التي تجرى بالمؤسسة، والتي تبلغ حسب مصادرنا 13 ألف ولادة سنويا، إلا أن ذلك يبقى سببه في الكثير من الأحيان حسب تقدير أهالي الضحايا، الإهمال الذي كلفهم حياتهم، وغالبا ما يتهم العمال البسطاء ممن كلفوا بالتكفل وحدهم بالوافدات على المصلحة بالتقصير، كما حدث مؤخرا مع 7 قابلات و3 طبيبات أحلن على التحقيق القضائي، بعد ما رفع والد رضيع دعوى قضائية يتهمهن فيها بالتقصير والإهمال الذي كاد أن يكلف رضيعه حياته، عندما ظهرت عليه إصابة خطيرة على مستوى الرأس، أشارت الكشوفات التي أجريت بالقطاع الخاص، أن سببها تعرضه لسقوط خطير خلال عملية الولادة، ما تسبب له في نزيف حاد داخل الرأس كاد أن يكلفه حياته. المؤسسة التي فتحت أبوابها سنة 1985 بمعايير تتوافق وعدد سكان الولاية أنذاك، أصبحت في حاجة ماسة لعملية توسعة تمكنها من استيعاب الكم الهائل من الوافدات عليها، أو إنشاء مؤسسة مماثلة تقاسمها الضغط، كما أضحت في حاجة ماسة لفرض نظام عمل يضمن تقديم خدمات طبية مثل التي تقدم بالقطاع الخاص، من طرف نفس الأطباء الذين منحت لهم رخص بطرق غير قانونية لممارسة نشاطهم بالعيادات الخاصة، رغم تقلدهم لمناصب المسؤولية بالمؤسسة.
مرضى يرفعون شعار "أين المفرّ؟" لا تمرضوا.. حتى العيادات الخاصة تقدّم خدمات طبية متدنية في سعيدة؟! يبدو أن مرضى ولاية سعيدة يتعذبون ما بين القطاع العمومي والعيادات الخاصة، هذه الأخيرة اعتبرها المرضى مربط الفرس والهم الأكبر الواجب الوقوف عنده من طرف من يعنيهم أمر مراقبة هذه المرافق الاستشفائية، التي انتشرت كالفطريات، حسب تعبيرهم..؟ بعض هذه العيادات الخاصة المتاجرة بالمرضى دون حسيب ولا رقيب، حسب رأي مجموعة من أولياء المرضى، الذين صادفتهم الشروق يشكلون طوابير لا منتهية في انتظار دورهم بتلك العيادات التي يفتقر معظمها لمتطلبات الراحة ومنها من تستقبل قاصديها للتحليل والكشوفات وهلم جرا داخل ما يشبه أماكن تزيد من معاناة المرضى، شعارها استنزاف جيوب الغلابى وبأي ثمن، بعد أن سمح القطاع الصحي العمومي لبعض تلك العيادات باستعراض خدماتها بطريقة "دعه يمر دعه ينهب"، حسب وصف من ذاقوا مرارة عذاب العيادات الخاصة، أما العمومية وهنا يكمن المشكل، فالمريض بسعيدة حسب وصفه يعاقب عندما يمرض ويتعذب أكثر وراء الجري لإجراء التحاليل ويتطلب مرات التنقل إلى عدة جهات من الوطن، ومع أن الأمر يتطلب جهدا كبيرا من المتاعب وأموال طائلة يصرفها على التحاليل حسب النوع والعيادة ووصفة الدواء التي تحمل أرقاما خيالية يصعب فكها لدى المريض البسيط وصولا إلى إجراء العمليات الجراحية، قد تعود إليه الحياة أو يرحل إلى الرفيق الأعلى، مادام أن القطاع العام سمح لمثل هذه العيادات بركوب الموجة.
بعد مأساة الجلفة مطالب باستحداث رقم أخضر لفضح تجاوزات المستشفات لا تزال حادثة وفاة امرأة وجنينها بالجلفة في ظروف وصفت بغير الإنسانية تصنع الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ما تحولت رحلة امرأة من أجل الولادة بهذه الولاية إلى عذاب انتهى بوفاتها ووفاة جنينها، جراء عدم التكفل بها من طرف ثلاث مستشفيات، الأمر الذي خلف موجة غضب واسعة في جل ولايات الوطن، رغم التحقيق الذي فتحته الجهات المعنية، في الوقت الذي التزمت فيه نقابة عمال هذا القطاع الصمت ازاء هذه الحادثة رغم التعدي الفظيع على أخلاقيات هذه المهنة النبيلة، فإن رواد مواقع التواصل الاجتماعي يناشدون السلطات العليا للبلاد من أجل استحداث رقم أخضر لفضح تجاوزات المستشفيات، حيث أكد أغلبهم أن حادثة الجلفة ليست الا الشجرة التي تغطي فضائح قطاع الصحة بالجزائر، فرغم الإصلاحات التي عرفها هذا الأخير، الا أن المواطن البسيط لا يزال يعاني في أغلب المؤسسات الاستشفيائية سواء بسبب سوء الخدمات المقدمة أو جراء نقص الطواقم الطبية أو حتى بسبب غياب الوسائل اللازمة أو عدم استغلالها لأسباب تبقى مجهولة على غرار ما تعلق بالسكانير وغيره، فيما ألح آخرون على ضرورة استحداث أرقام خضراء لكل المؤسسات العمومة لفضح كل التجاوزات التي تحدث فيها، الأمر الذي سيسمح للمواطن بالدفاع عن حقه في ظل التسيب الكبير الذي تغرق فيه أغلب المؤسسات العمومية على حد تعبير العديد منهم.