* فرار جماعي للحوامل نحو العيادات الخاصة "نفضل دفع المال على أن نراهن بحياتنا وحياة أطفالنا" لا يخفى على الكل أن واقع الخدمات الطبية في الجزائر متراجع إلى حد كبير وأن الكتابة في هذا الموضوع يعد هواء في شباك بسبب استمرار نفس السيناريوهات المريرة التي يتجرعها المرضى وذووهم، فما نشاهده ونسمعه في مستشفيات الجزائر على غرار مستشفى (بيلفور) و(مصطفى باشا) وغيرهم في قسم الولادة جريمة بحق الإنسانية وليس مستشفيات للتوليد يقع على كاهلها العناية بعشرات الآلاف من النساء الحوامل المقبلات على الولادة على مدار الساعة. حسيبة موزاوي مستشفى مصطفى باشا واحد من المستشفيات الكبرى بالعاصمة، الذي شهد ميلاد آلاف الأطفال الحوامل قدمن من مختلف مناطق الوطن، وفي ظروف صعبة نتيجة الاكتظاظ الخانق، وهي حقيقة لاحظناها بعد أن تمكنا من دخول المصلحة وكل غرفها خلال موعد الزيارة الذي تم تغييره إلى الواحدة والنصف زوالا. فالزائر لمستشفى مصطفى باشا الجامعي في هذه الفترة، يلاحظ حشدا هائلا من الرجال والنساء وحتى الأطفال الذين يتدفقون دفعة واحدة على المستشفى، إلى مختلف الأقسام، وبكثرة على قسم التوليد، هذا الأخير الذي يمنع دخوله إلا على الطاقم الطبي. ولكن تمكنا من دخوله لنبحث عن طبيبة نحتاجها، لا يمكن أن تتصوروا الوضعية التي تتم فيها الولادة، من خلال توزيع العدد الإضافي من الأسرّة هنا وهناك، وحتى بطريقة فوضوية، بينما تفترش بعض النسوة المساحة المتبقية على الأرض في انتظار التوليد، فالوضعية بجناح الولادة أصبحت لا تطاق جراء انتشار روائح الدماء المختلطة برائحة الأدوية، كما لاحظنا غياب النظافة بقاعة الولادة حيث أن جدرانها كلها ملطخة بالدماء، والسبب هو الإهمال واللامبالاة. مستشفى بيلفور... الوساطة شرط لتوليد الحوامل أكاد أجزم أن الحامل التي تضع مولودها في مستشفى بيلفور، ستحتفظ بذكريات لا تنسى لأنها ستمضي وقتا طويلا في انتظار المعاينة التي تكون فيها الأولوية لأصحاب الوساطة، على حد تعبير السيدة (ج.ن) التي قالت (إن تجربتي الأخيرة كانت مختلفة عن سابقتها، حيث أنجبت ابنتي الأولى في المصلحة في ظروف جد صعبة، بينما حظيت هذه المرة بالعناية، بعد أن توسطت لي إحدى معارفي لدى المصلحة). فحكايات قسم التوليد بهذا المستشفى لا تختلف كثيرا عن أقسام التوليد الأخرى، فالأوساخ ودورات المياه المتعفنة والمتسخة كفيلة بأن تنشر مختلف الأمراض والأوبئة في قسم التوليد، وحسب شهادة إحدى النساء الحوامل كالسيدة رانيا، إيمان وحميدة، (فإن الحامل التي تدخل هذا المستشفى ستعاني لا محالة وستفترش الأرض، بسبب الاكتظاظ ونقص العمال، خاصة الممرضات أثناء الليل، مؤكدة أن الكثير من الحوامل تجهض فوق السرير، ووسط دهشة وصراخ القابلات أو الممرضات على حد سواء، مشيرة إلى أنهن لا يكلفن أنفسهن عناء مساعدتهن، وهن تحت وطأة الألم، وأكبر مشكل يمكنه أن يضع حياة الحامل في خطر هو غياب الممرضة ليلا وصعوبة الاتصال بها، كما صرحت السيدة فضيلة قائلة (فلا احترام للحوامل في هذا المستشفى، فالقابلات يرغمن الحوامل على ترك السرير والمشي في الرواق بحجة تسهيل عملية الولادة، حيث أن إحدى الحوامل كادت أن تضع مولودها في الرواق). فرار جماعي نحو عيادات التوليد الخاصة في الوقت الذي يشهد فيه القطاع العام في الصحة فوضى كبيرة، تبقى المريضات بين مطرقة المرض وسندان العيادات الخاصة، هذه الأخيرة مجرد مؤسسات ذات طابع اجتماعي واقتصادي، تخضع لقانون العرض والطلب، بموجب العقد الطبي الموجود بين الطبيب والمريض، حيث تقدم خدمات جيدة وبامتياز، وأصبحت تنافس أكبر المستشفيات لولا غلاء خدماتها، حيث توفر وبدون تضخيم غرفا للمرضى، هي أفخم بكثير من غرف الفنادق بالجزائر، وهو حال عدد من العيادات بالعاصمة، حيث يصل سعر الليلة إلى مليوني سنتيم لليلة الواحدة دون الخدمات الخاصة، تتوفر كل غرفة على سريرين أو ثلاث على الأكثر، وصالون مجهز بشاشات عملاقة، هاتف وكل اللوازم، ناهيك عن الحمام المجهز بكل اللوازم، كما تتوفر العيادات على مطاعم فاخرة يسيرها خبراء في الطبخ الصحي ويقدمون أطباقا ذات جودة وقيمة غذائية عالية، فالوافدون إليها من النساء الحوامل وعائلاتهم، يستحسنونها مثلما قالت لنا السيدة (جميلة) التي وضعت مولودها بعيادة خاصة (لا أخفي عليك أنني وضعت ثلاثة مواليد، في عيادات خاصة، فرغم الوجع الذي كنت فيه، لكن فور دخولي قاعة الولادة والمعاملة الحسنة التي تلقيتها من الطاقم، وحتى بعد خروجي ورؤيتي لنظافة الغرف، وكل ركن من العيادة، لم أندم على تكاليف الولادة والتي تقدر بأربعين ألف دينار). "البزنسة" الوجه الآخر للعيادات الخاصة... فبعد أن صارت الولادة في أحيان كثيرة ببلادنا، مرادفا لأنواع من العذاب بدءا من العمليات القيصرية إلى الولادة بالفورسابس وانتهاء بالإنتانات التي تصيب الأمهات والمواليد الجدد، إلى درجة أن بعض المستشفيات استحقت بجدارة لقب (المذابح) التي تثير الرعب في نفوس المقبلات على الولادة لمجرد سماع اسمها، وأيضا نظرا لارتفاع نسبة الوفيات في أوساط الأمهات والمواليد الجدد بسبب تعقيدات في الحمل والولادة، وحوالي ألف مولود جديد يموتون سنويا في القطاع العام، لم يبق على المرأة سوى الاتجاه إلى العيادات الخاصة وتقبل حسناتها وسيئاتها، وعندما نقول العيادات الخاصة فهي ليست الجنة، صحيح أن المرأة تلقى الرعاية من طرف فريق طبي، ولكن بما أن أغلب العاملين ليسوا دائمين في هذه العيادات، فإنهم في الغالب على عجلة من أمرهم، وعلى الحامل أن تكون لديها معريفة قوية، رغم أنها تدفع حتى تلقى العناية المثالية، وكما قلنا، العاملون، سواء أكانوا أطباء أو ممرضين أو قابلات، فهم يضطرون إلى حرق مراحل الولادة لأنهم على عجل، وأحيانا يصرون على العملية القيصرية، حتى وإن كانت المرأة قادرة على الولادة الطبيعية لأن الأمر أسهل ويوفر مالا إضافيا، الخدمة في عيادات التوليد الخاصة تكون، إما بتوصية أو ب(شطارة) المرأة الحامل، بمعنى أن تطالب بحقوقها مادامت تدفع المال من أجل راحتها، وهو الأمر الذي يدفع بالمرأة وزوجها إلى اختيار العيادات الخاصة، سعيا وراء الراحة والمعاملة المنشودة التي تجدها الحوامل والأمهات في هذه الأخيرة، رغم مخاطرها الجمة التي لا تدركها الحوامل أمام الولادة القيصرية، بحيث لا تفكر النساء لحظة المخاض سوى في الخلاص، وشراء حقن خاصة بالولادة دون ألم، وهي الأخرى لها مخاطرها وآثارها، حيث أضحت هذه العيادات تبرمج أكبر عدد من الحوامل، لإجراء عمليات قيصرية تحت أي مبرر، حتى ولو كان غير مقنع لإدخال السيدة إلى غرفة العمليات، وهو ما أدى بالنساء مؤخرا للجوء إلى بعض العيادات، خاصة السيدات اللواتي تلدن لأول مرة، لأنها في الغالب هي الفاصلة، والتي يتحدد من ورائها أن باقي الولادات ستتم عن طريق عمليات قيصرية. النهاية ...مراهنة بحياة الأم أو الجنين وبعد كل ما تطرقنا له لا تزال النساء يعانين الويلات ويحكين مشاهد مرعبة داخل المستشفيات، حسب ما يتداول ذلك الرأي العام من حين لآخر، حيث يتعرضن للإهمال ما قد يؤدي في الكثير من الأحيان إلى وفاة إما الأم الحامل أو الجنين أو هما معا، نتيجة استفحال ظاهرة الرشوة مقابل تقديم (خدمات) للحامل في مستشفيات الدولة رغم أن هذه الخدمات تعد واجبا على الطبيب أو الممرض وحقا للمريض، فضلا عن ما تلاقيه النساء من قسوة المعاملات من طرف القابلات والممرضات والممرضين وكأنهن في معتقل للتعذيب.