" لابد أن ينتج فيلم يؤرخ لمجزرة قافلة الحرية وحبذا لو يكون جزائريا " " لا مصلحة للدول المجاورة في استقرار أفغانستان لأنها بقرتهم الحلوب " بعد مسيرة طويلة حافلة بالإنجازات الفنية والسينمائية، نزل المخرج الأفغاني المتميز أكرم برمك ضيفا على الجزائر لأول مرة ليشارك الجمهور الجزائري متعته بمشاهدة فيلمه "طفل كابول" الذي يعرض لثاني مرة بالجزائر. الشروق استغلت فرصة تواجده بالجزائر واقتنصت من وقته سويعة للحديث عن تجربته السينمائية وعن بعض القضايا المتعلقة ببلده أفغانستان وبالمجتمع الإنساني. = السينما لديك، هل هي فعل مقاومة؟ == السينما لدي هي سلاح مقاومة، أحاول فيها إبراز الزوايا المجهولة في الحياة، وأنا أعتبرها أقوى بكثير من بقية الفنون، لأنها تخاطب عددا كبيرا من الناس بأفكار مركزة لها القدرة على تغيير طريقة التفكير والسلوكات. دخولي فرنسا كان كلاجئ سياسي وانخراطي في المشهد الفرنسي بكل تفاعلاته الفنية، حيث درست الموسيقى والخط والفن التشكيلي والسينما وكتبت الشعر، لكني انجذبت إلى عالم الصورة، وفي الأخير وجدت أن هذه الفنون لعبت دورا مهما في أعمالي السينمائية خاصة في فيلمي الأخير "طفل كابول"، وأنا محظوظ بشكل كبير لكوني أمتلك العديد من الأسلحة الفنية التي أستعملها لمقاومة الفشل والتراجع والمآسي الإنسانية . = ماهو سبب نجاح فيلمك " طفل كابول " الذي حاز العديد من الجوائز؟ == بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية التي أنجزتها خلال العشرية الماضية، جاء فيلم "طفل كابول" وهو أو تجربة لي في الفيلم الطويل، والحقيقة لم أكن أتوقع أن ينال نجاحا بهذا الشكل، حيث حاز جائزة حقوق الإنسان في مهرجان البندقية، كما حاز 5 جوائز في مهرجان طهران السينمائي الدولي. أعتقد أن الزاوية التي تناولت بها موضوع الفيلم هي سبب النجاح، حيث استطعت نقل صورة أفغانستان بشكل مختلف عن المشاهد في الفضائيات.. حاولت تصوير الحياة اليومية بعيدا عن المشاكل والصراعات التي حولت هذا البلد إلى غابة ينفر منها الجميع رغم أن ما يحدث بها بفعل فاعل . = كيف هو واقع الإنتاج السينمائي في أفغانستان؟ == هو واقع بائس.. تصور منذ 2002 لم تنتج أفغانستان أكثر من 5 أفلام، بسبب ضعف ميزانية وزارة الثقافة التي لاتتجاوز1 بالمائة من ميزانية الدولة، أضف إلى ذلك عدم وجود معاهد لتدريس السينما، ما جعل بعض المخرجين يصورون أفلاما بكاميرات "الأعراس" وهم يعتقدون أنها صالحة لإنتاج أفلام . قبل 1978 كانت هناك صناعة سينمائية في أفغانستان، لكن الظروف السيئة بعد هذا التاريخ قضت على السينما وعلى الثقافة عموما . = هل تجمعك علاقة مع سينمائيين جزائريين، وكيف ترى السينما الجزائرية؟ == أعرف مرزاق علواش الذي أحدث ضجة خلال السنوات الأخيرة في فرنسا، كما سمعت وتابعت مسيرة العديد من المخرجين الجزائريين الكبار مثل الأخضر حمينة وبوشارب . = على ذكر رشيد بوشارب، ما تعليقك على الضجة التي أحدثها فيلمه " خارجون عن القانون " في مهرجان كان؟ == لم أشاهد الفيلم لحد الآن، لكني أعتقد أنه جيد وقد نجح مخرجه في إثارة مناقشات في مختلف المنابر الإعلامية، بالإضافة إلى أنه زلزل بعض القوى اليمينية الفرنسية التي تظاهرت في الشارع مطالبة بمنع عرضه في كان. = وهل عدم حصول الفيلم على أية جائزة منطقي؟ وهل لجان التحكيم في المهرجانات الدولية بعيدة عن السياسية؟ == عدم حصول "خارجون عن القانون" على أية جائزة قد يكون منطقيا، إذا كان الفيلم من الناحية التقنية والفنية محدودا، لكني لا أستبعد أن يكون إقصاؤه من المهرجان خاضع لحسابات سياسية، أنا أرى أن السياسة والفن مزيج لايمكن فصل أحدهما عن الآخر مهما ادعينا أن الفن حر، وهو نفس الأمر بالنسبة للرياضة. = كمثقف، كيف ترى الوضع الآن في بلدك؟ == بلدي ضحية صراعات مفتعلة تحركها المصالح، ولا أحد من أبناء شعبي يتحمل مسؤولية مايحدث.. فأفغانستان تعرضت لمؤامرات كثيرة منذ خروج الإنجليز سنة 1917 أتت على الأخضر واليابس، فهي مثل الغنيمة التي تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكل الدول المجاورة إلى الاستيلاء على سياستها، ولعل أمريكا وحلفاءها نجحوا بامتياز في إضعاف الاتحاد السوفياتي باستعمال قوى أفغانستان، تحت شعار الحرب على الشيوعية، وهي الحيلة التي انطلت على "طالبان". أعتقد أن الوضع الراهن والذي استفاد منه الأفغانيون كثيرا ستكون نتائجه جيدة على صعيد الأفكار التي تم بثها في هذا المجتمع . = ماذا تقصد بهذه الأفكار؟ == لقد وقعت الطوائف الأفغانية في فخ "إسلامي أفضل من إسلامك" وهو نفس ماحدث في بعض الدول العربية والإسلامية على غرار الجزائر، مما أدى إلى التطرف الدموي. لقد تأسفت كثيرا وأنا أقرأ عن تاريخ الحضارات في متحف اللوفر بفرنسا، حيث وجدت أن أفغانستان كانت منارة حضارية تعايشت فيها مختلف الديانات دون أن يحدث بينها أي صراع.. اكتشفت أن الإنجليز هم سبب الخراب الذي تعيشه أفغانستان الآن، فالأفكار التي قاموا بنشرها مطلع القرن الماضي في المجتمع الأفغاني هي التي هدمت بناه الأساسية، والآن ليس من مصلحة الدول المهيمنة وبعض الدول المجاورة أن تستقر أفغانستان . = هل حقيقة، أفغانستان هي المصدر الوحيد للإرهاب في العالم؟ == نعم في نهايات الثمانينيات وبدايات التسعينيات، عندما كانت الأراضي الأفغانية مرتعا للمعسكرات المتطرفة الداعية إلى الجهاد، وهذا المصطلح النبيل حسب اعتقادي شوهته أمريكا وإسرائيل لضرب الإسلام الحقيقي في العالم.. فأمريكا التي تشير بأصابع الاتهام إلى أفغانستان بكونها دولة إرهاب هي التي مولت الجماعات الإرهابية بالأسلحة لضرب الاتحاد السوفياتي، وحتى هذا الأخير كان له يد في ذلك، بالإضافة إلى الصين والباكستان التي تسخر مخابراتها لخلق البلبلة في الأوساط الأفغانية، وإلا كيف نفسر سر تطور الباكستان وسطوته على الإقليم وتراجع أفغانستان ووقوعها في الخراب. لقد ازداد المشهد تأزما منذ تحالف القاعدة مع طالبان، لكن بعد أحداث11 سبتمبر تغيرت الكثير من المفاهيم وظهر في أفغانستان طالبان جديدة تحاول ارتداء جبة الإسلام الوطني. = هل ترى أن هناك تشابها بين تجربتي الجزائروأفغانستان؟ == نعم هناك تشابه كبير، فالجزائر ضحية دول أجنبية لها مصالح في عدم استقرارها، وأعتقد أن تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر هي نفس تجربة طالبان في أفغانستان، والنتيجة كما نشاهد واحدة، وما وصلت إليه الجزائر من استقرار ستصله أفغانستان في السنوات القادمة . = مؤخرا تعرضت قافلة الحرية المتوجهة إلى غزة إلى هجوم إسرائيلي بشع، كيف استقبلت هذا الحدث الأليم؟ == ما حدث لقافلة الحرية كارثة إنسانية وعمل إجرامي جبان.. لقد كان فضيحة بكل المقاييس لإسرائيل ومن ورائها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبقدر ما كانت مؤلمة بقدر ما كانت فرصة لكشف همجية الإسرائيليين أمام كل العالم. لابد من إنتاج فيلم يؤرخ لهذه المجرزة الرهيبة، وحبذا لو كان الإنتاج جزائريا، لكون هذا البلد العظيم بلدا المقاومة والحرية . = من ستشجع فب المونديال؟ == الجزائر دون شك، خاصة وأنها ستلعب ضد إنجلتراوالولاياتالمتحدةالأمريكية.. أحب الكرة الجزائرية كثيرا من خلال نجم المنتخب الفرنسي السابق زين الدين زيدان، الذي يعتبر النجم الأول لجماهير أفغانستان.