يقف دائما خلف الكاميرا ليصنع أجمل الكادرات وأروع الصور، لايعرفه الجمهور الواسع، لكن لايوجد مخرج أو مشتغل في مجال السينما في الجزائر أوخارجها يجهل من يكون، حيث يعود له الفضل في نجاح العديد من الأعمال السينمائية التي عشقها الجمهور.. هو مدير التصوير علال يحياوي الذي شارك في إنجاز أعمال ضمنت لسينما الجزائر مكانا مرموقا، وحصد جوائز لا تحصى في محافل دولية وعربية فمن لايذكر "نهلة" ، المفتش الطاهر" ، "حسان طاكسي"، "موريتوري" و"القلعة"، وغيرها، "المساء" التقت الرجل، ورغم تواضعه ورغبته الدائمة في البقاء في الظل أجرت معه هذا الحوار. - تعدون من بين الذين عايشوا العصر الذهبي للسينما الجزائرية ومازلتم من المشتغلين فيها، فكيف تقيمونها بين الأمس واليوم؟ * كانت السينما الجزائرية في الماضي حاضرة بإنتاجها، وهناك اليوم بعض الأعمال الجيدة التي تنجز، ولايجب الاعتقاد أن كل ما ينتج سيء، صحيح أن البلاد عرفت فترة قطيعة عصيبة، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أنه حتى خلال تلك الفترة كانت هناك محاولات لإنجاز أفلام من طرف مخرجين تحدوا كل المصاعب، لذلك يستحقون منا اليوم الثناء والتحية، هناك دم جديد يسري في جسد السينما الجزائرية اليوم، وكوكبة من المخرجين الجدد وهذا جميل، لكن للأسف هناك نوع من التطاول على العمل السينمائي. دخولي عالم السينما كان عام 1963 بالمركز السمعي البصري، لكن لم أجرؤ على خوض غمار إنجاز أول فيلم كمدير تصوير إلا سنة 1978 أي بعد 15 سنة من ذلك، وطوال تلك المدة كنت مساعد مصور إلى جانب كبار مدراء التصوير على غرار رشيد مرابطين الذي علمني الكثير، ولم أتركه حتى قال لي يوما "عليك أن تطير بجناحيك". - هل تقصدون بذلك أن العمل السينمائي اليوم أصبح يستقطب كل من هب ودب؟ * العمل السينمائي في مختلف تخصصاته لا نستطيع أن نتقنه بين عشية وضحاها، إذ لابد من التدرج من أجل اكتساب قاعدة صلبة وخبرة في الممارسة، خاصة بالنسبة لمهنة التصوير السينمائي التي أهملناها، لدرجة أن أيا من كان أصبح يقوم بأي شيء. طلب مني في إحدى المرات المشاركة في إنجاز فيلم، وكان علي تكوين فريق من التقنيين الذين سأعمل معهم، وبما أنني للأسف كنت غائبا عن الجزائر لمدة ست سنوات، إقترح علي مخرج العمل اسما وقال إنه من أحسن مساعدي التصوير، وسألت عن الأعمال التي شارك في إنجازها فقيل لي إنه كان مخرجا ومهندس صوت ومدير تصوير وريجيسور.. فرفضت التعامل معه وقلت إنه خارق وأنا مجرد مدير تصوير بسيط.. لا أفهم كيف أن شخصا واحدا يستطيع أن يكون مخرجا دون أن يمر أولا بتجربة مساعد مخرج وكيف يمكن أن يكون مخرجا ومدير تصوير ومهندس صوت ... في آن واحد. - على ذكر الإخراج ، قلتم في تصريح سابق إن الإخراج أصبح موضة العصر؟ * هذا ما قلته، فعلا، فالإخراج أصبح موضة العصر، والكل يسعى لأن يصبح مخرجا دون أن تكون لديه أية خلفية عن هذه المهنة، ونتيجة لذلك تجد في البلاطو شخصا لا يعرف ما يريده، عاجز عن إعطاء أي تصور شامل للعمل الذي يريد تقديمه، لأنه أصلا لم يقم بأية دراسة مسبقة أو تحضير للمشروع، وينتظر من فريق العمل من تقنيين ومصورين أن يقوموا بالعمل مكانه، في حين أن هؤلاء من المفروض أن يكونوا مجرد أداة لتحقيق رغبة المخرج. وأثناء تعاملي مع الكثير من هؤلاء اكتشفت أنهم لايملكون أي تصور سينماتوغرافي ولا يكونون أية فكرة مسبقة للشكل الذي يريدون أن يكون عليه عملهم، عكس الجيل الأول من المخرجين الذين كانوا يفكرون في كل جزئيات العمل بما فيها الصورة والموسيقى والممثلين، الكاميرا وحدها لا تستطيع أن تصنع فيلما جيدا لأن الفيلم عمل متكامل، ولا يمكن لمدير تصوير أن يقدم عملا جيدا إذا كان المخرج نفسه لايعرف ما يريده. - كيف يختار السيد علال يحياوي الأعمال التي يشارك فيها، هل له شروط معينة لقبول العمل؟ * أعتقد أنه لا أحد اليوم قادر على رفض أي عمل يقترح عليه لأن الأعمال أساسا قليلة، صحيح أنه حدث واعتذرت عن بعض الأعمال لأنني كنت منشغلا بأعمال أخرى، لكنني لم أرفض أبدا عملا بسبب عدم توفر شروط معينة، فأنا أشتغل مع الجميع حتى مع المخرجين الشباب وحتى المبتدئين منهم ، ولا أقرر أبدا من أول تجربة، أنتظر لأجرب، وربما هذه " عملتي الخاصة" كما لا أرى مانعا من مساعدة شاب يسعى لتقديم عمله الأول وإثبات وجوده، لكن أقول إن عليه أن يضع قدميه على الأرض وأن يقبل النصيحة ولايعتبر أنه وصل الى القمة. سبق لي وتعاملت مع مخرجين شباب ورأيت كيف يشتغلون، فهناك استسهال كبير للعمل السينمائي وغياب للخبرة والبحث والتكوين والجدية في العمل، جميل أن تكون مخرجا لكن حبذا لو كان بالمعنى الحقيقي للكلمة. - تسعى السلطات الى إنشاء معهد للتكوين السينمائي، هل علال يحياوي مستعد لتقديم خبرته للجيل الجديد؟ * قبل عودتي للجزائر كنت في تونس التي توجهت إليها من أجل تصوير فيلم "حبيبة مسيكة ورقصة النار" لسلمى بكار فبقيت ست سنوات إذ اقترح علي العمل بمحطة " كنال +" والتدريس بالمعهد المغاربي للسينما بتونس لأربع سنوات، الى جانب نوري بوزيد في الإخراج ... وغيره من المختصين في مجال الفن السابع، وكنت سعيدا بهذه التجربة لأن الكثير من طلابي أصبحوا اليوم مدراء تصوير مهمين، ومع أول فرصة أتيحت لي وتمت دعوتي للجزائر لتصوير فيلم" الجارة" للغوتي بن ددوش عدت بدون تردد. في الجزائر كانت هناك بعض المحاولات حيث دعيت مرة من طرف إحدى المؤسسات الخاصة لتدريس تقنية التصوير، لكن هذا النوع من المؤسسات تسعى لربح المال أكثر من تكوين المهتمين، وحتى الأشخاص الذين يأتون للدراسة في مثل هذه المعاهد لا يأتون حبا في السينما ولكن من أجل التظاهر و"التفاخر" لا أكثر ولا أقل. - مع من يحب علال يحياوي أن يعمل أو يشعر بالراحة من المخرجين القدامى أو الجدد؟ * لا أفضل أحدا على آخر لقد اشتغلت مع العديد من المخرجين من الجيلين القديم والجديد، مع محمد شويخ، فاروق بلوفة، بن ددوش، موسى حداد، عكاشة تويتة، يزيد خوجة. رشيد بن علال ومن الجيل الجديد بشير درايس الذي قدمت معه الفيلم التلفزيوني "قربي بلاص" والفيلم الطويل "10 ملايين سنتيم" وأستعد هذه الأيام للانطلاق في تصوير فيلم مع خليدي بعنوان: "والشمس تشرق دائما"... لكن في الحقيقة كنت أستمتع كثير في العمل مع محمد شويخ الذي أنجزت معه كل أعماله كفيلم "القلعة" التي لقيت نجاحا كبيرا وكرمت من أجله مرتين، "دوار النساء"، "عرش الصحراء"... كذلك عكاشة تويتة الذي كلما بدأ مشروع فيلم جديد يدعوني للعمل معه..