سؤال ينبغي لكلّ واحد منّا أن يطرحه على نفسه في هذه السّاعات القليلة التي لا تزال تفصلنا عن يوم هو أفضل أيام الدّنيا، يوم الأضحى المبارك، اليوم الذي يتقرّب فيه العبد المؤمن إلى خالقه ومولاه بطاعة هي من أعظم وأجلّ وأحبّ الطّاعات إلى الله، عبادة نحر الأضحية؛ ينبغي لكلّ عبد مؤمن أن يتساءل: لماذا نذبح الأضاحي في هذا اليوم؟ وهل ذبحها هو الغرض والغاية؟ إنّنا لا نذبح الأضاحي في هذا اليوم المبارك إلا لنتقرّب إلى الله جلّ وعلا، ثمّ لنتذكّر قصّة نبيّ الله إبراهيم الذي أعطى للبشرية درسا عظيما في الاستسلام والخضوع لأمر الله جلّ وعلا.. أمِر- عليه السّلام- بذبح ابنه فلذة كبده الذي احترق قلبه شوقا إلى قدومه، فاستسلم وأذعن لأمر الله وأخبر ولده بقضاء الله فقال: ((يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى))، فما كان من الولد الذي تربّى على طاعة الله وعلى التّسليم الكامل لأمر الله إلا أن قال: ((يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين)).. فيا له من استسلام.. لم يقل "يا أبت افعل ما تريد"، وإنّما قال "افعل ما تؤمر"، لأنّه يعلم أنّ الأمر أمر الله والحكم حكم الله.. فانظر أخي المؤمن إلى هذا الشّيخ الكبير الذي دعا الله أن يرزقه الولد فرزقه الله ولدا بعدما بلغ من الكبر عتيا، ولدا وضيئا من أحسن الأولاد وجها، ولدا طيّعا ملأ حياة أبيه سعادة وسرورا، ولمّا بلغ سنّ السّعي والقدرة على الكسب وصار العون بعد الله لأبيه، جاء الأمر من الله بذبحه.. لقد كان بلاءً أيّ بلاء.. نجح فيه نبيّ الله إبراهيم- عليه السّلام- لأنّه كان يعلم أنّ دين الإسلام الذي يحمله يعني الاستسلام الكامل والتامّ لأمر الله جلّ وعلا.. هكذا كان شأن نبيّ الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السّلام؛ فكيف هي حالنا نحن مع حقيقة الإسلام؟ مع الاستسلام لأمر الله جلّ في علاه؟ إبراهيم- عليه السّلام- أُمر بذبح ابنه فأذعن لأمر الله، والواحد منّا ربّما يضيّع دينه ويتهاون في صلاته ويهجر القرآن وينسى الأذكار، بسبب لقمة العيش.. يعادي أخاه ويقطع رحمه لأجل أبنائه، لأجل كلمة تافهة أو شجار نشب بين الأبناء. يعادي جيرانه لأجل أبنائه، ويأكل الحرام لأجل أبنائه.. يعمل في الحرام ويبيع الحرام ويأخذ الحرام لأجل أبنائه.. يعمل في البنك الربويّ أو في صناعة وبيع السجائر، لأجل أبنائه.. يقترض من البنوك الربوية لأجل أن يبني مسكنا أو يشتري سيارة لأبنائه.. يضع أمواله في البنك لأجل أن يؤمّن مستقبل أبنائه.. أو يتاجر في الألبسة المزرية والفاضحة لأجل أبنائه.. يزاحم ويعادي ويشاجر ويقاتل لأجل أبنائه.. يمنع الزّكاة وتشحّ نفسه عن الصّدقات ويترك الحجّ لأجل أبنائه.. يصبح همّ أبنائه وبالا عليه، يحمله على إضاعة دينه وقطيعة رحمه وإساءة جواره.. يقول الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون)). ينبغي لنا أن نراجع أنفسنا ونعيد النّظر في أحوالنا مع فتنة الأولاد، قبل أن يكون أبناؤنا- الذين يفترض أن نسعد بهم في الدّنيا والآخرة- سببا لشقائنا في الدّارين؛ خاصّة إذا كان همّنا الذي نحمله لهم هو إصلاح دنياهم وتأمين معاشهم، وغفلنا عن إصلاح دينهم ومعادهم.