أيا كانت القراءة التي أُعطيت أو تُعطى للبرقية التي أوردتها وكالة الأنباء الجزائرية (نقلا عن المصدر المأذون) والمتعلقة بقرارات الخوصصة التي أصدرها الوزير الأول، أحمد أويحيى، فهي تؤشر بقوة على انحصار منسوب الثقة بين الوزارة الأولى ورئاسة الجمهورية. التعليمة التي جاءت لتضع الكثير من النقاط على الحروف في ظل موجة الجدل التي أعقبت تسريب اعتراضات الرئاسة على قرارات الوزارة الأولى، لم تعارض توجهات الوزير الأول نحو الخوصصة من حيث المبدأ، لكونها مكرسة دستوريا وقانونيا على مراحل عدة، لكنها تشكك في نزاهة المسار، لا سيما أن هذه القوانين موجودة منذ سنوات، لكن لا أحد ممن تعاقب على قصر الدكتور سعدان، منذ العام 2009، مثل عبد المالك سلال وخلفه عبد المجيد تبون، تجرأ على فتح هذا الملف. ويجسد هذا المؤشر بعض العبارات التي تضمنتها البرقية ولا سيما الفقرة التي تتحدث عن القرار وتعتبره "عملا سياسيا يهدف إلى إضفاء المزيد من الشفافية والإنصاف والنجاعة، على هذه الشراكة بين القطاعين العمومي والخاص، التي غالبا ما تشكل موضوع شكوك وتأويلات مفرطة تشبهها بنهب للأملاك الوطنية". ما يمكن استشفافه من رسالة "المصدر المأذون"، هو أن مشروع عمليات الخوصصة التي أعقبت اجتماع الثلاثية الأخير، وقبلها تلك التي قاد أغلبها الوزير الأول الحالي عندما كان رئيسا للحكومة في النصف الثاني من عشرية التسعينيات، شابها بعض اللبس ويعوزها الكثير من الإنصاف كما رافقتها الكثير من التأويلات، وهي الأمور التي لا يراد لها أن تتكرر بعد نحو عقدين من انطلاق عملية الخوصصة. ومن هنا جاء تأكيد البرقية على "إلزامية إخضاع" أي اتفاق حول فتح رأسمال أو تنازل عن أسهم لمؤسسة عمومية اقتصادية في إطار الشراكة العمومية الخاصة المتفق عليها خلال اجتماع الثلاثية بين الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين ومنتدى رؤساء المؤسسات في شهر ديسمبر الأخير، للموافقة المسبقة لرئيس الجمهورية، باعتباره صاحب القرار النهائي. التعليمة فيها الكثير من الوجاهة القانونية والدستورية، فهي لا تتعارض مع أحكام الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20 أوت 2001 المتعلق بتنظيم وتسيير وخوصصة المؤسسات العمومية الاقتصادية، كما تتماشى وروح المادة 20 من الأمر 01-04 الذي ينص على أن استراتيجية وبرنامج الخوصصة، يجب أن يصادق عليه مجلس الوزراء برئاسة رئيس الدولة، تتكفل الحكومة بتطبيق البرنامج الذي انتخب من أجله رئيس الجمهورية.. لكن ما هو تأثير قرار من هذا القبيل من الناحية السياسية، على مستقبل أويحيى في الوزارة الأولى؟ ما هو مرجح هو أن ملف الخوصصة قد سحب بالكامل من أيدي أويحيى، وهو الأمر الذي يبدو أن الرجل لم يتوقف عنده مطولا، إذ كيف لسلال الذي قضى خمس سنوات بالتمام والكمال في الوزارة الأولى ولم يتجرأ على فتحه، كما لم يقترب منه تبون وإن كانت مدة إقامته بقصر الدكتور سعدان قصيرة جدا.. ويمكن القول إن محيط أويحيى في الوزارة الأولى بات ملغما بعد تعليمة الرئاسة، ويرى مراقبون أن الرجل سوف لن يتجرأ مستقبلا، إن حافظ على منصبه طبعا، على فتح المزيد من الملفات حتى ولو كانت ليست ذات أهمية كبيرة، ما يعني أن أويحيى سيقضي ما تبقى له من أيام أو أسابيع في الوزارة الأولى، مغلول اليد فاقدا للإرادة ومحروما من هامش المناورة الذي اعتاد التحرك فيه.