على عكس تجاربه السابقة في قصر الدكتور سعدان، التي امتدت لسنوات طويلة، لم ينعم الوزير الأول أحمد أويحيى بالاستقرار المنشود في محطته الرابعة، فقد لاحقته الإشاعات بعد أسابيع قليلة من تكليفه، لكنه تمكن من الصمود كعادته، غير أن الوضع هذه المرة يبدو مختلفا تماما عن السابق. فالرئاسة تدخلت على مرحلتين لتبطل قرارات اقتصادية اتخذها الرجل، في سابقة اعتبرت مؤشرا على تراجع في مستوى الثقة بين الرئيس ووزيره الأول. اليوم وبعد أن باتت قرارات الوزير الأول غير قابلة للنفاذ، لأن جهات أعلى منها سلطة ونفوذا أوقفتها، فهذا يعني أن المسألة تنطوي على جدية كبيرة. أويحيى، بدأ مشواره على رأس الحكومة في التسعينيات بمشروع خوصصة خلفت ولا تزال تخلف جدلا كبيرا إلى غاية اليوم، أما اليوم، فالرجل لم يعد معنيا بهذا الملف بعد تعليمة الرئاسة الأخيرة.. فهل الخوصصة هي التي جلبت إلى أويحيى المتاعب التي يعيشها اليوم؟ أم إن مهمة الرجل هي التي انتهت؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها.
ملفات صنعت الجدل وفرضت الغموض ماذا سيقول الوزير الأول أمام هيئة أركان الأرندي؟ لم يكن تدخل الرئيس بوتفليقة لوقف القرار الذي وقعه الوزير الأول والمتعلق بخوصصة المؤسسات العممومية، سوى محطة جديدة أعقبت قرارات سابقة متشابهة في الهدف والمصدر، فقبل أيام قليلة صدر قرار آخر ألغى قائمة المستفيدين من حصرية إقامة مصانع لتركيب السيارات في الجزائر، كان الوزير الأول، أحمد أويحيى قد وقعّها. وإن كان قرار تجميد قائمة مركبي السيارات، لم يُكشف عن مصدره، بحيث جرى الحديث فقط عن إقدام الحكومة على وقف العمل بذلك القرار من دون الخوض في تفاصيله، إلا أن كل المراقبين فهموا أن الجهة التي أمرت بتجميد قرار الوزير الأول، هي رئاسة الجمهورية، باعتبارها الجهة الوحيدة القادرة على وقف قرارات من هذا القبيل. غير أن الجهة التي أوقفت قرارات الوزارة الأولى، والمتمثلة في رئاسة الجمهورية، قررت الخروج إلى العلن في المحطة الثانية، من خلال "التعليمة الشهيرة"، مؤكدة سحب هذا الملف من أيدي الوزير الأول، وإخضاع أي قرار يخص هذه المسألة، لموافقة رئيس الجمهورية، ما يعني أن الرئاسة أرادت توجيه رسالة صارمة للوزير الأول. وقبل ذلك وخلال الأسابيع الأخيرة وبالتزامن مع هذين القرارين، سرت إشاعات تحدثت عن قرب حدوث تغيير حكومي يطيح برأس الوزير الأول، غير أن تلك التسريبات بقيت مجرد إشاعات، لأن الكثير من المتابعين لم يتحمسوا لها بسبب التداعيات التي خلفها خروج الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون من الوزارة الأولى بتلك الطريقة، على المشهد في قمة الهرم. لكن تخلف الوزير الأول عن حضور افتتاح صالون الطاقات المتجددة، الذي نظمه منتدى رؤساء المؤسسات أمس بقصر المعارض أمس، بالعاصمة، بعدما كان أعلن مشاركته فيه، جاء ليعطي الكثير من الجدية للإشاعات التي تحدثت عن قرب وقوع تغيير حكومي، بعدما كانت اعتراضات رئاسة الجمهورية على قرارات أويحيى، قد غذت التأويلات وعززت من الجدل حول مصير الرجل، الذي لم يعتد على تفويت فرص لقائه بواحد من أكثر رجال الأعمال نفوذا في البلاد، وهو رئيس المنتدى، علي حداد. التفسير الذي أعطي لتغيّب أويحيى عن صالون الطاقة، جاء فضفاضا وعاما، وقد عُلق على مشجب "الانشغالات الحكومية"، غير أن الترتيبات التي سبقت الإعداد لهذا النشاط والتي امتدت على مدار عشرة أيام كاملة، وكذا السياق الذي تزامن وهذا الغياب، توحيان بأن شيئا ما يطبخ في دهاليز صناعة القرار، ابعد بكثير من انشغالات الحكومة، لاسيما وأنه لا يوجد نشاط حكومي برر هذا الغياب. القراءة الأولى التي تبرز إلى الواجهة هو أن الوزير الأول تحاشى مواجهة الصحافة في وقت يبدو أن وضعه يفتقد تماما إلى الأريحية التي كثيرا ما تمتع بها الرجل خلال تربعه على عرش الوزارة الأولى على مدار سنوات طويلة، ويبدو أن أويحي فضل مواجهة الصحافة بالقبعة الحزبية على مواجهتهم بالقبعة الحكومية، طالما أن نهاية الأسبوع الجاري، سيشهد اجتماع المجلس الوطني لحزبه، وفي ذلك فرصة مناسبة للقائه برجال الإعلام، يكون فيها أكثر تحررا. ويرى مراقبون أن وضع أويحيى على رأس الجهاز التنفيذي هذه الأيام بات شبيها إلى حد كبير (مع بعض الفروقات) بالوضع الذي عاشه في صائفة العام 2012، وهي السنة التي شهدت إبعاده من الحكومة، قبل أن يأتي الدور على إزاحته من الأمانة العام للحزب بعد نحو ستة أشهر من ذلك. وقد استبق يومها أويحيى بقوله في إحدى نشاطاته الحزبية إنه بات "مزعجا للكثير"، وهي العبارة التي أطلقها الرجل بعدما اقتنع حينها أنه لم يعد مرغوبا فيه وفي الدور الذي يؤديه، كما قال.
النائب القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف ل "الشروق": هناك خوصصة تحت الطاولة.. وبيع المؤسسات يكون عبر البورصة أثارت التعليمية التي "صحّح" بها الرئيس بوتفليقة مسعى الخوصصة الذي أطلقه الوزير الأول، أحمد أويحيى، الكثير من التساؤلات.. ما هي القراءة التي تقدمونها لذلك؟ المشكل الذي يطرح نفسه هو أن كل مسؤول من المسؤولين في السلطة يتكلم باسم برنامج الرئيس، وحتى لما رجع أويحيى إلى الحكومة تصرف باسم برنامج الرئيس، إلا أن ما حدث هو أن الرئيس نفسه أوقف مشروع الخوصصة بطريقة غير مباشرة، وهو ما يبرز وجود انسداد وتخبط داخل هرم السلطة، متعلق بالأساس بالتحضير لاستحقاقات الانتخابات الرئاسية لسنة 2019. الحادثة التي وقعت لأحمد أويحيى هذه الأيام تشبه إلى حد كبير تلك التي تعرض لها الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون.. ما قولكم؟ صحيح؛ نفس الحادثة التي وقعت مع الوزير الأسبق عبد المجيد تبون الذي كان أول وزير أول جزائري يعين ويقال في ظرف قصير يقارب شهرين ونصفا، تكررت مع أحمد أويحيى الذي تلقى بدوره صفعة بتعليمة رئاسية تصحح قراره بخصوص الخوصصة، وهو السيناريو الذي يفتح الباب حول حدوث تغيير حكومي مرتقب، كثر الحديث حوله منذ شهر ديسمبر، والدليل على ذلك عقد حزب جبهة التحرير الوطني لثلاثية موازية بعد تلك التي عقدها أويحيى، فضلا عن قرار تجميد قائمة الناشطين في قطاع تركيب السيارات الذي اختصره الوزير الأول في خمس شركات فقط، ليتراجع في قراره بعد 48 ساعة. والواضح من كل هذه المعطيات، أن هناك انسدادا وأزمة في اتخاذ القرارات في أعلى هرم السلطة. تعليمة الرئاسة شددت على العودة إليها (الرئاسة) مستقبلا في أي قرار يتعلق بالخوصصة.. هل تعتقدون أن أويحيى سيفتح هذا الملف مرة أخرى؟ سبق أن حذرنا من ملف الخوصصة منذ إقراره في قانون المالية لسنة 2016، وهذا الملف يذكرنا بما حدث في التسعينيات ونفس الشخص (أويحيي) آنذاك هو من قام بغلق المؤسسات العمومية وبيعها بالدينار الرمزي مع تشريد العمال، وبعد استدراك الرئاسة الأمر وتراجعها عن قرار الخوصصة الثاني، الذي أعلن عنه نفس الشخص بعد عودته إلى الحكومة، فلا أظن أنه سيفتح الملف من جديد لأن تعليمة الرئاسة كانت واضحة بخصوص عدم بيع الشركات وتجسد ذلك في إلغاء عقد الشراكة الذي أبرم خلال الثلاثية بطريقة ذكية، مع سحب الملف الاقتصادي برمته وفي الوضع الذي تمر به البلاد نهائيا من يد الوزير الأول وهو ما ينبئ بمغادرته القريبة للحكومة بعد تقليص صلاحياته. ملف الخوصصة تم ترسيمه في قانون المالية 2016، غير أن تفعيله تأخر إلى بداية 2018، لماذا برأيكم؟ لأن السلطة كان لديها تخوف من ردود الفعل إزاء ملف الخوصصة، وكان عليها التحكم في سير الاستحقاقات المختلفة من الانتخابات التشريعية إلى المحلية وكذا سير مخطط الحكومة سواء الأول أم الثاني، بالإضافة إلى اعتماد سياسة طبع النقود لسد عجز ميزانية 2017 حيث تم طبع 570 ألف مليار دينار لأجل ذلك، وبعد تمرير الدولة كل هذه الملفات أتى دور ملف الخوصصة لتجسيده في أرض الواقع لبيع مؤسسات الدولة إلى أصحاب المال الذين اكتنزوه من الشعب وبالمزايا الضريبية التي منحتها لهم الحكومة. هناك من يتحدث عن وجود حالات لبيع مؤسسات عمومية (مثال إيني للإلكترونيات).. ماذا تقولون؟ للأسف هناك حالات لبيع المؤسسات الاقتصادية العمومية مثل "إيني"، وحتى بعض الفنادق في إطار ملف الخوصصة وتحت الطاولة، حيث تم بيعها بطريقة ملتوية ونحن ضد هذا الأمر لأن المؤسسات الاستراتيجية وذات الوضع المالي المريح لا تباع، وإذا اقتضى الأمر بيع مؤسسات مفلسة إن وجدت، فينبغي أن يكون البيع عن طريق بورصة الجزائر لا تحت الطاولة أو كما حدث في التسعينيات.
القيادي والنائب عن التجمع الديمقراطي محمد قيجي ل"الشروق": "تعليمة الرئيس تعرضت لقراءات مشوهة" خلفت التعليمة التي "صحّح" بها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة مسعى الخوصصة الذي أطلقه الوزير الأول، أحمد أويحيى، الكثير من التساؤلات.. ما القراءة التي تقدمونها لذلك؟ هذه التعليمة صادرة عن رئيس الجهورية وتندرج في صلب اختصاصاته التي ليس هنالك أي شخص يستطيع أن ينازعه عليها، ولذلك لا يمكن لأي كان قول أي كلمة حول المسألة، وهنا أعود لأقول وأنبه إلى أن الوزير الأول أحمد أويحيى عينه الرئيس بنفسه ومنحه صلاحيات مهامه كوزير أول، وهذه التعليمة جاءت كمساعدة لتوضيح إجراءات الخوصصة وليس لتحولها إلى مخالفة، وما نشر في برقية وكالة الأنباء قبل 3 أيام جاء لتوضيح محور التعليمة الأولى ولإزالة كافة الشكوك والغموض حول الملف ومنع أي تأويلات أخرى، بعدما عملت بعض الجهات على تفسير الأمور في الاتجاه المعاكس. ما وقع لأويحيى هذه الأيام يشبه إلى حد كبير ما تعرض له الوزير الأول السابق، عبد المجيد تبون.. ما قولكم؟ لا يمكن تشبيه ما حدث للوزير الأول السابق عبد المجيد تبون بما يحدث اليوم للوزير الأول أحمد أويحيى، فكما قلت لك الرئيس بوتفليقة هو من يمنح الصلاحيات لوزيره الأول، والسيد أويحيى معروف ومشهود له بخبرته ورويته منذ أزيد من 10 سنوات في الحكومة، هذا الأخير لا يتخطى حدوده ولا يتعدى صلاحياته، وما يحصل اليوم من طرف بعض الجهات أسميه تحرشا، وأذهب أبعد من ذلك لأقول إنه تحرش من قبل بعض الأطراف الحزبية ضد شخص الوزير الأول أحمد، وتبقى هنا، صلاحية تعيين الوزير الأول وإقالته دائما من صلاحيات رئيس الجمهورية. تعليمة الرئاسة شددت على العودة إليها (الرئاسة) مستقبلا في أي قرار يتعلق بالخوصصة.. هل تعتقدون أن أويحيى سيفتح هذا الملف مرة أخرى؟ ما يجهله الكثيرون هو أن قانون الخوصصة ليس بجديد، فهو قانون كائن بذاته منذ سنة 2001، وشهدت الحياة الاقتصادية آنذاك خوصصة عدد من المؤسسات منها الحجار، ويتم تمرير ذلك عادة عبر مجلس وزاري، وهنا أقول إن أحمد أويحيى لم يتجاوز حدوده، ولكن ولسوء الحظ ذهبت بعض الاتجاهات لتمنح لتعليمة الرئاسة قراءات أخرى بنوايا مغرضة، وللتشكيك في شخص الوزير الأول الذي اختاره رئيس الجمهورية، إلا أن برقية وكالة الأنباء جاءت لتشرح الأمور وتزيح اللبس وقد تحدثت عن الملف بكل موضوعية وبعيدا عن أي ملابسات. ملف الخوصصة تم ترسيمه في قانون المالية 2016، غير أن تفعيله تأخر إلى بداية 2018، لماذا برأيكم؟ ملف الخوصصة لم تتخذ بشأنه أي خطوة إلى حد الساعة، وإنما كان هنالك لقاء تشاوري في شبه الثلاثية التي انعقدت شهر ديسمبر الماضي لتفعيل قانون الخوصصة الصادر سنة 2001، ثم قانون الاستثمار المعدل سنة 2016، وكذلك قانون المالية الخاص بسنة 2016، وهذه القوانين جميعا بكل ترساناتها تبيح الخوصصة في حال تسجيل عجز مالي بالشركة حيث يتم فتح رأسمالها وفق القاعدة 34 66، ولذلك أعود وأقول إن ما يتم إثارته اليوم ليس جديدا. هناك من يتحدث عن وجود حالات لبيع مؤسسات عمومية (مثال إيني للإلكترونيات).. ماذا تقولون؟ لا أعتقد ذلك، وأنفي هذا نفيا قاطعا، يستحيل أن تكون هنالك خطوة للخوصصة في الظلام أو بعيدا عن أعين رئيس الجمهورية، وأقول مجددا لا تتم هنالك أي عملية لفتح رأسمال المؤسسات العمومية من دون وجود استشارة لدى الرئيس، ومن يتحدث بعكس ذلك فهو يتحدث لحاجة في نفس يعقوب، هنالك بعض الأحزاب السياسية التي لا تريد الخير للبلاد ولا تثق في شخص الوزير الأول، فكيف يمكن أن تكون هنالك خوصصة من دون استشارة للرئيس، هذا أمر لا يمكن أن يصدّق.