سؤالان يتبادران إلى الذهن بعد تصريحات أحمد أويحيى حول النازحين الأفارقة: هل يملك أويحيى معلومات دقيقة حول تورط النازحين في تجارة المخدرات والاتجار بالبشر؟، أم أنّه "انتقم" من الوزير الأول عبد المجيد تبون الذي يسعى إلى تقنين تواجد النازحين، بعدما عكسه برفض خوصصة الشركات العمومية الذي دعا إليها "سي أحمد"؟. بالنسبة إلى السؤال الأول، فإنّ أحمد أويحيى الذي يشتغل مدير ديوان رئاسة الجمهورية، حتما يملك معلومات بناء، ربّما، على تقرير رفع إلى رئيس الجمهورية من المصالح الأمنية حول النازحين الأفارقة في الجزائر، وكان ينتظر الفرصة المواتية ليصدم بتصريحه الجزائريين بالتخفي وراء صفته الحزبية في مقر حزبه بالعاصمة، فكشف بأن هؤلاء النازحين مصدر تجارة المخدرات والاتجار بالبشر وغيرها من الآفات الضارة.
كما يشاع عن أويحيى "الصرامة" في القول والفعل، واجتناب خطاب "الشعبوية" الذي كان يتهم به الوزير الأول السابق عبد المالك سلال، فعندما تحدث، حسبه، عن "مخاطر" النازحين فهو يدرك تماما ما يقول، لأنه يعي جيدا أن كلامه مردود عليه ومحسوب على مؤسسة الرئاسة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يشتغل عنده مديرا لديوانه، وتصريحاته التي هي في الأصل "معلومات أكيدة" يعلم جيدا أنها لن يفصلها الإعلاميون والمتابعون للشأن العام عن وظيفته السامية في الدولة، حتى وإن تكلم بصفته الحزبية.
أويحيى بكلامه عن "مخاطر" النازحين، ينطلق من "معلومات" بحوزته وصلت إلى درجة أن أخافته وأرعبته كثيرا، فكان هدفه دقيقا بالتركيز على مخاطر المخدرات وتزوير العملة وانتشار آفات، قال إنّها "غريبة عن مجتمعنا"، ولهذا السبب رّبما وضع أويحيى الحكومة أمام "مصيرها" بضرورة إطلاع الجزائريين عن "الخطر" الناتج، حسبه، عن تواجد النازحين في الجزائر.
أمّا بشأن السؤال الثاني، تصريح أويحيى حول الأفارقة تزامن بعد ساعات قليلة من اجتماع الحكومة الذي استدعاه الوزير الأول عبد المجيد تبون، خصصه لبحث الوضع القانوني للنازحين الأفارقة وكذا السوريين، عبر تقنين تواجدهم في الجزائر فبدأت العملية بإعطاء تبون تعليمات إلى وزير الداخلية لإحصائهم والتحضير لمشروع قانون لتقنين عمالتهم من خلال منحهم بطاقات تشغيل. فهل كان أويحيى يقصد التشويش على تبون مثلما كان يفعل تماما مع سلال من قبل؟.
خرجة أويحيى قد تكون مقصودة بعدما "عطاه الحس" عبد المجيد تبون، حسب تعبير رئيس "حمس"، عندما دعا "سي أحمد" الحكومة إلى التعجيل في خوصصة الشركات العمومية (على رأسها الفنادق والمطاحن..)، فكان أويحيى التفاعل الإيجابي والاستجابة لمطلبه من طرف تبون، بعدما كان أول المهنئين له بتعيين وزيرا أولا، لكن تبون من أول تصريح له وهو يعرض مخطط الحكومة أمام البرلمان، نفى قطعيا خوصصة الشركات العمومية، وكلا الرجلين يعرفان تماما مقصدهما.
"الكلاش" بين أويحيى وتبون بدأت بوادره تظهر إلى العلن، وإن كانت لا تزال لم تصل العلاقة بين الرجلين إلى القطيعة، مع أن الإشارات تم تبادلهما. فأويحيى الذي كان لا يخفي خصومته تجاه سلال وقراراته التي يصفها ب"الشعبوية"، ظنّ في تبون المسؤول "الفاهم والمُتفهم"، فخصص أويحيى بعد تعيينه تبون وزيرا أولا، جزء كبيرا من ندوة صحفية له يتحدث فيها عن مخطط عمل الحكومة، فمرّر طلبات إلى تبون منها خوصصة الشركات العمومية، لكنّها قوبلت من طرف الوزير الأول ب"الفرض القطعي".
وبعيدا عن هذا المشهد، يكون أويحيى قد وجد في "النازحين الأفارقة" ورقة رابحة في معركة الحملة الانتخابية لاستحقاق المحليات المقبل، فوضع إصبعه على الوتر الحسّاس وهو يعلم بوجود "تذمر عام" لدى شريحة واسعة من الجزائريين، من انتشار النازحين في الشوارع وبالتحديد في المدن الكبرى، خصوصا وأن الجزائريين لم يعتادوا على مثل هذه المظاهر، فكان تقبل النازحين أمرا صعبا بالنسبة لهم. أو أن أويحيى لا يستهدف لا تبون ولا غيره، بل كلامه عن النازحين موجه إلى الخارج وبالتحديد فرنسا، التي تتغلغل في دول الساحل مما أدى إلى فرار سكانها نحو الجزائر والمدن المجاورة بشكل عام.