لو واصلنا الحديث عن المنتخب الوطني والبحث فقط عن من سيقوده غدا، وواصلنا الحملة ضد سعدان والدعاية المجانية لبعض الأطراف، ولو تواصل الجدل حول هوية المدرب المقبل للخضر بهذه الكيفية سنفقد كل المعايير وكل المكتسبات، وسنعود إلى مرحلة تجاوزناها من الشك والتفريط في أهداف حققناها وأخرى نقترب منها على كل المستويات، وندخل في دوامة إلى عهد مضى كان فيه الشارع والصحافة واللاعبون يقررون من يدرب المنتخب، وعهد كان فيه تعيين المدرب يخضع لمعايير بعيدة تماما عن المهنية والكفاءة، وكأن الأمر مطروح للاستفتاء وكل واحد يزايد فيه على الأخر. * ومن يقول غير ذلك نسأله لماذا لا تتدخل الصحافة وكل فئات المجتمع في تعيين الوزراء والولاة ومدراء المؤسسات، ولا يتدخلون في تعيين رؤساء النوادي ومدربيهم، ولماذا يرفضون التدخل في شؤونهم واختياراتهم عندما يتعلق بهم لما يكونوا في موقع المسؤولية، ولماذا اليوم بالذات يعودون إلى الواجهة يقترحون وينصحون ويعرضون خدماتهم بعد أن اكتشفوا بأن الظروف صارت أحسن ونواة المنتخب بدأت تتشكل، وأدركوا بأن القادم أفضل .. * أنا لست ضد حرية الصحافيين والجماهير في إبداء أرائهم والكشف عن ميولاتهم وطموحاتهم في رؤية منتخبنا يقوده أحسن ما في العالم، لأنها تبقى أراء نسبية وذاتية وطبيعية وعادية، ولكن الصحافة ستفقد مصداقيتها لدى القراء إذا واصلت سباقها نحو البحث عن السبق الصحفي بهذه الكيفية، وواصلت الدعاية لقوائم من المدربين يشحتون منصبا وعملا في الجزائر، حتى أن بعض الصحافيين تجرؤوا واقترحوا على بعض المدربين الإشراف على المنتخب، فضن هؤلاء بأن الأمر جدي وراحوا يتحدثون عن اتصالات رسمية معهم ويساومون بها منتخبات ونوادي أخرى. * كل يوم تطلع علينا الصحافة بأسماء جديدة وسيناريوهات لاتصالات خيالية توحي بأن الجزائر بأكملها لا يشغل بالها سوى اسم المدرب الجديد، وتعطي الانطباع بأن المدرب المقبل هو لوحده الذي يملك العصا السحرية، وبأن سعدان لم يقدم شيئا للمنتخب. * بعض المدربين من المحليين والأجانب اعتقدوا بأن المنتخب الجزائري صار يتيما يبحث عن من يشرف عليه، وراحوا يجندون الرأي العام وبعض وسائل الإعلام بطريقة رخيصة، وينتقدون زميلهم رابح سعدان، وينتقصون من قيمة كل الذي حققه ويعطون الانطباع بأن الرجل صار من الماضي، وكل الذي قدمه للمنتخب من تضحيات سيذهب هباء. * بالكيفية التي نتحدث بها عن رابح سعدان ونتمادى في الإساءة إليه لن نترك شيئا جميلا إلا وحطمناه، ونفقد ثقة جيل صار يؤمن بأن جزائر اليوم عادت لتعترف بجهود أبنائها وتقدرهم وتحفظ مقاماتهم، وتصنع منهم قدوة لغيرهم، وجزائر لا تتنكر لمن ضحى واجتهد وأصاب وأخطأ .. * إذا واصلنا الجدل بهذه الكيفية سننشغل عن قضايا مهمة في لعبة كرة القدم والمنتخب قبيل مواعيد جد هامة قريبة لا مجال فيها للتهاون، لأن الأمر يتعلق بتصفيات مؤهلة لكأسي أمم إفريقيا 2012 و2013، ولو أخفقنا فيها نقرأ السلام على كل الذي حققناه، ونندم على هذا الوقت الذي نضيّعه في جدل عقيم، وندخل في دوامة كتلك التي عشناها في وقت ما .. * سننشغل عن التحدي الأكبر هذا الموسم، وهو دخول نوادينا عالم الاحتراف في التفكير والتسيير والتدبير، ونضيّع فرصة تثمين وتوظيف نتائج المنتخب لإحداث نقلة نوعية في كرة القدم الجزائرية لا مكان فيها للمشككين والانتهازيين، وسننسى العمل القاعدي وضرورة اهتمام النوادي بإعادة النظر في سياساتها وطرق تسييرها، وننسى ضرورة اهتمام مدربينا بتكوين أنفسهم وإعادة التأهيل لمسايرة التحولات التي تشهدها الكرة العالمية. * إذا استمر الحال على ما هو عليه سيسود الانشقاق والشك أسرة كرة القدم عوض الاجتماع حول ضرورة حصر نقائصنا وتصحيحها وتثمين ما حققناه، وسنخسر ثقتنا في بعضنا البعض ونعمق مشاعر الحسد والغيرة والحقد والأنانية وسنفقد ثقة جيل صار يؤمن بقدرات أبنائه، ونعطي الانطباع بأننا نلهث وراء المناصب والشهرة والمال على حساب المبادئ ومشاعر وعواطف الناس، وعلى حساب الكرة الجزائرية التي وجد فيها الجزائريون متنفسا ليومياتهم ومتاعبهم وهمومهم .. * سنفقد التركيز حول القضايا الهامة في الرياضة الجزائرية وفي المجتمع ويبقى شغلنا الشاغل هو معرفة من سيكون المدرب المقبل، وعندما سيعلن عن اسمه يعود المنظرون والفلاسفة للتشكيك في قدراته، وإذا كان محليا يقولون نريده أجنبيا، وإذا كان أجنبيا يقولون لماذا ندفع له راتبا خياليا، أما إذا تم تجديد الثقة في سعدان يعود البعض للحديث عن ضرورة التغيير والتجديد، وإعطاء الفرصة لآخرين وكأن المنتخب صار حقل تجارب. * إن تعيين المدرب لا يجب أن يكون قضية وطنية تشغل كل الناس لأن قضايانا وهمومنا وتحدياتنا أكبر من المنتخب ومن كرة القدم وأكبر من أي مدرب، ومستقبل الجزائر لا يتوقف تماما على هوية المدرب المقبل لأنه مجرد حلقة في سلسلة من الشروط والإمكانيات يجب أن تتوفر لمواصلة المشوار، ولو فتحنا النقاش مثلا حول مشروع المجتمع الذي نريده لأبنائنا لكان أفضل لنا من الجدل القائم حول هوية المدرب .. * * hafder@gmail.com