كشفت وكالة بلومبرغ الأمريكية، الثلاثاء، عن تحركات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أجل التصالح مع جماعة الإخوان المسلمين التي صنفها السيسي منذ وصوله إلى السلطة قبل عدة سنوات بأنها "جماعة إرهابية"، كما نقل موقع "هاف بوست عربي". وقال الباحثان المصريان عبد الله هنداوي وجنيف عبده في مقال لهما في الوكالة الأمريكية، إن السيسي سيلجأ إلى الإخوان في نهاية المطاف على غرار رؤساء مصر السابقين من أجل رسم حالة من الاستقرار في البلد، والتي لا يمكن أن تتم في عدم وجود الإخوان المسلمين. وقالت بعض مصادر جماعة الإخوان في مصر للوكالة الأمريكية، إن هناك مسؤولين في الاستخبارات الحربية المصرية كانوا على اتصال مؤخراً مع معتقلين تابعين للإخوان المسلمين للموافقة على صفقة تتضمن الإفراج عن كبار قادة الجماعة مقابل انفصال الجماعة عن السياسة. وحسب المقال، فإن السيسي سيعيد ترتيب الوضع الداخلي في مصر بعد حالة التصدع التي اعترت الأجهزة السيادية المصرية في الفترة الأخيرة وكان أبرزها ترشح الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري الأسبق لمنصب رئيس الجمهورية ضد الرئيس المنتهية ولايته السيسي. وبخلاف الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي حكم مستنداً إلى ركائز عدة من الولاء المؤسساتي، بما في ذلك القضاء والجيش والشرطة وبعض رجال الأعمال إلى جانب الحكومة المدعومة من الحزب الوطني الديمقراطي، يعتمد السيسي بصورة كاملة تقريباً على الدعم الموثوق الذي يلقاه من الجيش. وفي ظل غياب أي أحزاب رئيسية مهمة قادرة على العمل بحرية في مصر وقطاع خاص مُتقزم، بلغ تدخل الجيش في الشؤون المدنية والاقتصادية والسياسية مستويات غير مسبوقة، حسب بلومبرغ. لكن على مدار الأسابيع القليلة الماضية، عزل الرئيس السيسي عدداً من اللاعبين الرئيسيين في الجيش، بينهم رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق محمود حجازي، ومدير جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء خالد فوزي. وفي حين لم يُقدم أي تفسير علني لذلك، قد تُضعف هذه الخطوات الدعم الذي كان السيسي يضمنه سابقاً من الجيش. وما كان السيسي ليُقدم على اتخاذ خطوات كتلك ما لم يكن لديه سبب يدفعه للاعتقاد بأنها ستمنحه بعض الفوائد الأكبر. ليست المرة الأولى وحسب الوكالة الأمريكية، فإن هذه الخطوة لن تكون المرة الأولى التي يستفيد فيها الإخوان المسلمون من تغيرات السياسة في مصر. فمن الرئيس جمال عبد الناصر إلى أنور السادات إلى حسني مبارك - وكلهم ارتقوا من صفوف الجيش - ثمة سردية مألوفة: حين ينقلب الجنرالات على بعضهم البعض، غالباً ما يلجأ الرؤساء إلى الإخوان المسلمين للحصول على الدعم السياسي. حين قام أنور السادات ب"ثورة التصحيح" في 1971، عزل عشرات من الجنرالات الناصريين النافذين، ثم اتفق على صفقة يُطلق بموجبها سراح أعضاء الإخوان المسلمين المعتقلين ويسمح لهم بممارسة السياسة، مقابل عدم انتقاد السادات علناً. وظلت الصفقة ناجحة إلى أن وقع السادات معاهدة السلام مع "إسرائيل" عام 1979، والتي أدت في نهاية المطاف إلى اغتياله، حسب المقال. وعلى مدار العديد من السنوات، ظلت جماعة الإخوان المسلمين فاعلاً رئيسياً في تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط. وكانت الجماعة قد تأسست في عام 1928 بهدف قتال الاحتلال البريطاني في مصر؛ لكن سرعان ما انتشرت رسالتها في أرجاء المنطقة. وحافظت جماعة الإخوان المنظمة بإحكام على العديد من الأدوار، فعملت كحزب سياسي يسعى لتحقيق مكاسب انتخابية، وكجمعية خيرية تُروج لبرامج مساعدات اجتماعية والتعليم الديني. وتبنت الجماعات المتطرفة الأفكار التي روج لها كبار مفكري الجماعة. وارتكب بعض أعضائها أعمال عنف، لا سيما في العقود الثلاثة الأولى للجماعة (على الرغم من أن قيادة جماعة الإخوان المسلمين المصرية أدانت العنف مراراً)؛ ومضى بعض أعضائها السابقين لتأسيس جماعات متطرفة كالقاعدة. وقد وصل كل رئيس مصري في نهاية المطاف إلى الإدراك بأن درجة ما من المشاركة السياسية للإخوان المسلمين مطلوبة إن كانت هناك رغبة في الحفاظ على الاستقرار. وكان مبارك بارعاً على وجه الخصوص في هندسة علاقته مع الإخوان المسلمين بطرق تتيح للجماعة درجة محدودة من المشاركة في الحياة السياسية رغم حظرها رسمياً. السيسي لا يختلف عنهم ولا يختلف السيسي عنهم، ففي تغير تام لموقفه المناهض للإخوان أمام شعبه، يستكشف فرص المصالحة مع الجماعة عبر بعض الوسطاء. وقالت بعض مصادر جماعة الإخوان في مصر، إن هناك مسؤولين في الاستخبارات الحربية المصرية كانوا على اتصال مؤخراً مع معتقلين تابعين للإخوان المسلمين للموافقة على صفقة تتضمن الإفراج عن كبار قادة الجماعة مقابل انفصال الجماعة عن السياسة، حسب الوكالة الأمريكية. وأشار السيسي إلى تحول موقفه بسلسلة من القرارات على مر الأسبوع الماضي. ولعل أبرز الأحداث ارتباطاً منطقياً بهذا التحول هو إقالة اللواء خالد فوزي، الرئيس النافذ السابق لجهاز المخابرات العامة، في 18 جانفي. ويُذكر أن اللواء فوزي تولّى منصبه في شهر ديسمبر عام 2014 أثناء فترة مضطربة، وكان يُنظر إليه باعتباره متعصباً ضد التيار الإسلامي عجّل بحملة القمع الحكومية ضد المعارضين الإسلاميين في العموم، والإخوان المسلمين على وجه الخصوص. وقالت مصادر عسكرية لنا إن فوزي كان يمنع محاولات الحكومات المصرية السابقة التصالح مع الإخوان. ويشير رحيله إلى أن جماعة الإخوان تحظى الآن بمنفذ جديد. وظهرت في يوم 23 جانفي علامة أخرى على إمكانية عودة الإخوان حين سَجَن السيسي الفريق سامي عنان، منافسه الأبرز على الرئاسة قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في شهر مارس المقبل. جدير بالذكر أن عنان - الذي كان آخر رئيس أركان حرب في عهد مبارك وسلّم السلطة لحكومة الرئيس المصري السابق محمد مرسي التي كانت مُنتخبة حديثاً - لديه علاقة طويلة الأمد مع جماعة الإخوان. وكان قد تعهد بإعادة فتح ملفات الأحكام السابقة التي قال إنّها مسيسة ضد الجماعة على أمل الحصول على دعمها في الانتخابات المقبلة. ويبدو أن السيسي يعتقد أن المصالحة مع الإخوان أمر حتمي وهو عازم على ضمان الاستفادة منها وألا تصبح منافسته على الحكم. ماذا سيستفيد الإخوان من هذه المصالحة؟ وحسب بلومبرغ، فإذا تمت هذه المصالحة بالفعل، سيتعزز نفوذ الإخوان في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وهو ما سيثير قلقاً في بعض دول الخليج مثل الإمارات والسعودية، اللتين أعلنتا جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. وقد يُعقد هذا العلاقة المعقدة بالفعل بين السيسي ودول الخليج، ولو أنه تجدر الإشارة إلى أن حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي كان سابقاً فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، يتواصل مع الإمارات عبر السعودية. والسؤال المطروح الآن هو كيف ستستمر دول مثل الإمارات والسعودية في إدراج جماعة الإخوان المسلمين على لائحة المنظمات الإرهابية إذا قرر البلد الأم للجماعة التصالح معهم؟. وصحيح أن جماعة الإخوان المسلمين حركة سياسية اجتماعية دينية مثيرة للجدل، لكن لأنها تحظى بدعم واسع النطاق في مصر والمنطقة، فدائماً ما كانت تتمكن من إعادة إحياء نفسها. الأمر مجرد مسألة وقت وطريقة. ولأن السيسي يدرك ذلك، فربما قرر السير على خطى أسلافه بالتوصل إلى تفاهم جيد مع الجماعة. والوقت فقط كفيل بإثبات ذلك.