"هنا المدينة كلها باتت تنبض بالحياة« هكذا حدثني عمي الطاهر عن شكل الحي الذي يقطن فيه منذ فترة ليست بالقصيرة جزء منه، وهو حي العقيد لطفي، الذي أضحى لا يصدق قاطنوه، وبينهم عمي الطاهر، التحول الكبير الذي يعرفه منذ فترة، خصوصا بعد حلول فصل الصيف... "وكأننا نكتشف حيّا جديدا"؟!! * عائلات بأكملها، شباب ونساء، فتيات ومواكب أعراس، كلها تتزاحم على فواهات المياه التي تتدفق في وسط الشارع، فانطلاقا من تلك المنطقة، ووصولا إلى العقيد لطفي، مرورا بفندق الشيراتون، سيكتشف الزائر لوهران صورة أخرى مختلفة وجديدة عن المدينة التي هجرها السياح منذ فترة، وباتوا يعودون إليها بخجل واحتشام، صورة يلخصها لنا أحد المواطنين بالقول إن وهران بدأت تتحدد جغرافيا من الكورنيش إلى واجهة البحر، وصولا إلى العقيد لطفي "... الكثير من المحلات والمقاهي تفتح حتى ساعة متأخرة من الليل، بغية الحصول على أكبر عدد ممكن من الزبائن، حتى التصنيفات القديمة التي كانت تجعل من أحد المقاهي معروفا بكونه مخصصا لرجال القانون وأصحاب الصفقات ورجال الأعمال، تحول مع مرور الأيام، وخلال فصل الصيف، إلى المكان المحبّب للجميع، دون استثناءات ولا شروط مسبقة لها علاقة بالمهنة أو الهدف أو حتى بشكل سيارة الزبون. * ليلة الخميس إلى الجمعة، لا شك أنها باتت تحمل في رحمها الكثير من الصخب لكل المارين بهذه المنطقة، ذلك أن مواكب الأعراس التي كانت تشق طريق واجهة البحر، كنوع من التقليد من أجل الحصول على بركة سيدي الهواري على العرسان الجدد، باتت هذه المرة تقف كثيرا في الأماكن الحيوية الجديدة، أمام فندق الشيراتون، وأيضا فواهات المياه، لتطلق الموسيقى الصاخبة، وليخرج العريسان من أجل الاحتفال بهما أمام الملأ. هذا التقليد الجديد اكتسب صفة دائمة وركنا أساسيا بالنسبة لجميع المحتفلين بدخول القفص الذهبي في المدينة، إلى درجة أن أحدهم قال لنا إن العائلات باتت تضعه شرطا أساسيا لإتمام أعراسها؟!! * ولا تخلو ليالي وهران من أخبار الجريمة، ولعل الإقبال الكثيف للساهرين في العقيد لطفي اضطر السلطات الأمنية إلى وضع مخطط خاص بتلك الأماكن، حيث يسهل أن تكتشف لوحدك، خصوصا إذا كنت من العابرين الجدد للمنطقة، ذلك العدد الكبير لأفراد الأمن بالزي الرسمي والمدني، والذين يحيطون بالمكان من كل جانب، من أجل ضمان راحة المواطنين، وإن كان تواجدنا بالمكان قبل يومين عرف تشديدا أمنيا خاصا، أماط أحد رجال الأمن السر الذي يقف وراءه بالقول إن شخصية سياسية مهمة في الدولة موجودة في فندق الشيراتون في تلك الليلة، ولم يكن الأمر متعلقا إلا بالوزير الأول أحمد أويحيى الذي حضر حفل زفاف بنت الرجل الثاني في الحزب، ميلود شرفي؟! * ولعل أكبر المستفيدين من تغير وجه المنطقة، خصوصا بعد عقد قمة الغاز فيها شهر أفريل الماضي، واهتمام السلطات المحلية بها، لتحسين المنظر الخارجي، هم أصحاب العقارات الذين ظنوا لوهلة واحدة أنهم معزولون عن وهران، ليكتشفوا في نهاية المطاف أن أسعار الأراضي والبنايات قد تضاعف إلى مرتين أو ثلاث، بعد انتباه المواطنين والمستثمرين للمنطقة، "والفضل كله للوزير السابق شكيب خليل« مثلما يقول بعض المواطنين، ولو على سبيل التهكم، في إشارة لفضائح الفساد التي تلاحق سوناطراك! * العقيد لطفي، هنا يلتقي جميع سكان وهران، الأثرياء منهم والزوالية، العرسان الجدد والباحثون عن سكن يؤويهم، البطالون والمتنعمون بالعطلة الصيفية، المرتاحون من العمل، حتى المراهقين باتوا يستغلون المكان من أجل الحصول على مواعيد غرامية.. نظرة، فابتسامة، فموعد، فلقاء، في العقيد لطفي، أو بجانب الشيراتون، هذا هو الشعار الجديد، حيث الحياة تنبض مرة أخرى في وهران.