لا يمكن أن تتخيل أسوارا وحواجز عند حديثك إلى شيخ الروائيين الجزائريين، الطاهر وطار، فكل شيء ينهار أمام شخصيته المتواضعة المرحة.. ولذلك ربما يحب أن يناديه كل من عرفه ب "عمي الطاهر" دون مقدمات، ولا ألقاب فضفاضة... عندما فكرنا في أن يكون الروائي الطاهر وطار أول مدعو ينزل ضيفا على المنتدى الثقافي ل "الشروق اليومي"، لم يغب عن أذهاننا لحظة تواضعه الجم، ولا عطاؤه الإبداعي الذي أسعدنا تواصله بالمذكرات التي صدرت مؤخرا تحت عنوان "أراه"، "الحزب وحيد الخلية"، "دار الحاج موحند أونيس" والذي نتمنى أن يظل دافقا كالنهر الجاري. على مدى أكثر من ساعتين، حلّق بنا عمي الطاهر في عالمه الروائي، بداية من آخر العنقود ونعني مذكراته وعودة إلى سنوات الخمسينيات من القرن الماضي وهي الفترة التي عرف فيها القارئ عمي الطاهر من خلال أول أعماله القصصية المنشورة في الصحافة، وبين البداية والمذكورات أعمال كثيرة مازالت محفورة في ذاكرة الأجيال كالشمعة والدهاليز، الزلزال، والحوات والقصر، الشهداء يعودون هذا الأسبوع. وغيرها من الأعمال المميزة والخالدة. في محاولتنا التقرب من الأستاذ الطاهر وطار وعالمه الروائي كان يغرينا دائما طرح أسئلة حول السياسة والاجتماع لأن المعروف عن عمي الطاهر واقعيته وأعماله الإبداعية شكلت في كثير من الأحيان ترجمان مواقفه السياسية والفكرية، فهو يؤكد بأن مذكراته الصادرة مؤخرا عن دار الحكمة إنما جاءت كمحاولة للكشف عن الطاهر وطار المجهول لدى عامة الناس وخاصتهم "يعرفني الناس ككاتب مرتبط بجبهة التحرير الوطني، مسطح ليست له أسرار، وقد حاولت في المذكرات تصحيح النظرة بعد وصولي العقد السابع من العمر ولأبيّن أن وطار مناضل فكر وإيديولوجية ووطنية" ولا يخفي صاحب "اللاز" أنه دفع ثمن هذا التوجه غالٍ جدا بدأت فاتورته الثقيلة سنة 1956 حين انقطع عن التعليم. البداية كانت مع سيرة عمي الطاهر لتتشعّب الأسئلة باتجاه السياسة، الثورة والرواية وتعرج على قضايا ذات علاقة بالعمل الثقافي من خلال دور الجمعيات المدنية والمؤسسات الثقافية الرسمية، ورأيه في أدب الشباب والأسئلة التي يثيرها إضافة إلى خلافاته مع بعض الروائيين، ولو أن عمي الطاهر يلح على عدم تسميتها بالخلافات ويرى أن المسؤولية تتحملها الصحافة لأنها لم تحاول بالقدر الذي يجب فهم الموضوع ومن ثم وضع الأمور في نصابها. إلى ذلك تحدث وطار عن رأيه في تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، وعن غرفة الإنعاش التي يرقد فيها اتحاد الكتاب الجزائريين منذ فترة، لينتهي إلى بعض المواقف التي اتخذها إزاء مسائل سياسية وأدبية وكذا مشاريعه التي ترتسم في الأفق. وبخصوص هذه النقطة بالذات، أكّد لنا عمي الطاهر أنه يتمنى أن يرتاح لأنه يعايش الكتابة يوميا وكثيرا ما يقوم ليلا ليؤلف أو يسجل فكرة. ميلود بن عمار الرأسمالية الغربية تسعى إلى قتل الإبداع الفردي هل انتهى زمن الرواية البعض يقول بالعكس... لكنه يبقى سؤالا حائرا يبحث عن إجابة؟ يعتبر الأستاذ الطاهر وطار بأن الرواية نوع إبداعي جديد ودخيل على الأدب العربي حيث تعود بداياته إلى القرن التاسع عشر من خلال رواية "ذات الخدر" التي كتبها الخوري وهو روائي لبناني على عكس ما يروّج له المصريون من أن حسين هيكل هو أول من كتب في هذا الفن بإصداره لرواية "زينب". ويؤكد صاحب "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" بأن الفن الروائي مازال يعد دخيلا على الأدب العربي ويحاول دائما الإستقرار بالبيئة العربية. ويؤكد الطاهر وطار أن بعض الأعمال راجت وسط النخبة "أنا أفرح عندما أسمع أن رواية لأحلام مستغانمي بيعت منها 100 ألف نسخة، في السابق، يقول وطار، كان هناك فراغ إعلامي بسرعة يصعد الأدباء، أما الآن فبصعوبة، حيث يجد الروائي نفسه محاصرا بالكثير من المعوقات. وحسب وطار دائما فإن هناك محاولة من طرف المؤسسة الرأسمالية الغربية تهدف إلى قتل كل إبداع فردي من شعر، قصة ورواية وغير ذلك لأن هذه الفنون كلها تعبّر عن معاناة الناس وآلامهم، وجعلها غير مقروءة وفصلها عن حمل هذه الهموم في زمن العولمة المتوحشة التي لا تعبأ بالإنسان كإنسان، غير أن ذلك لم يمنع -حسب ما أكده صاحب الشمعة والدهاليز- "من أن يظهر من حين لآخر روائيون غربيون يعيدون القارئ الغربي إلى أصوله الإغريقية ومن ثم يحققون الشهرة" ويرد وطار مشكلة انتشار الكتاب والعمل الإبداعي في الجزائر إلى عامل التوزيع "في الجزائر المشكلة تكمن في التوزيع"، فمذكراتي مثلا التي صدرت مؤخرا قوبلت بطلب كبير من طرف القراء وبشكل مذهل، غير أن العائق الكبير في وصول العمل إلى يد القارئ يبقى التوزيع". وأضاف وطار أن مذكراته ستصدر عن جريدة أخبار الأدب في كتاب وذلك في مصر، كما ستصدر في المغرب عن دار الزمان، كما ستنشر في مجلة مشارف في فلسطين. ميلود بن عمار بعدما تحولت الثقافة الى خلفية الصورة وطار: لم يعد في الجزائر سوى أخبار الاقتصاد والبنوك " المثقف الثوري الحقيقي كان أقلية ، فذبح في الخمسينيات ، وظللت ذلك الذئب المطارد الى الآن . أنا لا أستشار في أي قضية ثقافية ،ولا أسافر مع أي مسؤول وأنا محصور في زاوية بشارع رضا حوحو، أعطي كبدي في النهار وأستعيده في الليل وذلك منذ ثمانية عشر سنة خلت". هذا ما قاله حرفيا الطاهر وطار حين نزل ضيفا على المنتدى الثقافي للشروق اليومي في عدده الأول . والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل محكوم على المثقف العضوي الذي يلتزم بقضايا مجتمعه ويحمل همومه دائما بالرصيف والهامش ؟ الحكاية في حياة وطار أنها ليست أقرب الى الاختيار بقدر ما هي أشبه بالقدر المحتوم ، ذلك أن الروائي لم يختر أن يكون مناضلا سياسيا بقدر ما كان للتنشئة مفعولها " أنا تربيت في خضم حركة تحرر وطني وهكذا تشكلت ، ولم أكن أقصد أن أكون سياسيا".ولهذا فان ارتباط اسم الطاهر وطار ككاتب لدى عامة الناس وخاصتهم بجبهة التحرير الوطني ، وأنه رجل مسطح ليس له أسرار جعلني يؤكد صاحب اللاز " أحاول في مذكراتي الكشف عن الطاهر وطار المجهول لدى الكثيرين من خلال تصحيح النظرة بعد وصولي الى سن السبعين ، فبينت أن وطار هو مناضل فكر وإيديولوجيا ووطنية الأمر الذي من أجله دفعت ثمنا غال جدا ، كما بينت أيضا بأنني عشت دائما كطرف ثالث لمعادلة السلطة والمعارضة .. الطرف الثالث الذي يقف بينهما " . ولا يخفي الطاهر وطار بأنه على هذا الأساس له وجهة نظره الخاصة في الكثير من القضايا والمسائل السياسية ، في الوقت ذاته فهو يؤكد بأن وجوده كفكر وتيار ومناضل لا يمكن أن يكون اذا كان غيره غير موجود . وهنا يرى وطار انه ورغم عدم اتفاقه مع الإسلاميين في الكثير من وجهات النظر والأفكار ، الا أنه يتفهمهم . كما يؤكد وطار بأن السلطة التي عاش حياته يعارضها لا يمكنه أن يتقاطع معها لمجرد أن للإسلاميين وجهة نظر تتعارض مع توجهاتها ، وهو ما يعتبره متعارضا مع منطق السياسة . فهل يعبر ذلك بشكل أو بآخر عن تقاطعات ما تجمعه بالإسلاميين. هنا يعتبر صاحب " الشمعة والدهاليز" بأنه "لم أتفاوض مع أي طرف بشكل طبيعي هذا توافق فرضته شروط مرحلة معينة". سؤال آخر رفعناه الى الطاهر وطار مفاده أن كلاما تردد حول وطار كونه بعد الثمانينيات كسب الإسلاميين وخسر الشيوعيين . الإجابة من جهته لم تكن بالنفي ولا بالإيجاب لكنه أكد بقوله " بعض الشيوعيين فقط" وأردف قائلا " لما التقيت في باريس بالصادق هجرس الأمين العام لحزب الطليعة الاشتراكية طرحت عليه رأيي بخصوص الموضوع ووافقني ، وكان له نفس الرأي .. وطرحت الفكرة نفسها على الأمين العام للحزب الاشتراكي الأردني ووافقني هو الآخر .. لا يمكن في نظري تجاهل طرف آخر لمجرد أنه يحمل وجهة نظر تختلف عن وجهة نظرنا". ويعتبر وطار بأن الاسلاميين والمعربين وكذا المفرنسين كل طرف من هؤلاء يحمل شمعة بيده يحاول من خلالها أن ينير الدروب المظلمة في عصر العولمة المتوحشة التي بدأت تأخذ أشكالا مباشرة في حياة الناس اليومية .وأضاف وطار في المنتدى الثقافي بأن الجزائر لم تعد الا ساحة لأخبار الاقتصاد والبنوك ، لتتحول بذلك الشؤون الثقافية الى خلفية الصورة . كما أكد بأن الرواية هي ذكاء سياسي واستيعاب للتاريخ بقدر ما هي إبداع ولهذا فالموهبة وحدها لا تكفي . أما فيما يتعلق به شخصيا فيؤكد بأنه يملك مقاييس تقنية في الكتابة ورثها من سنوات الخمسينيات ، في حين هناك من الكتاب من يتجاهل بأن للرواية هيكلا يبدأ بمقدمة منطقية ، وأنه ليس كاتبا تسجيليا " أنا لست كاتبا تسجيليا في روايتي " الزلزال" كتبت حتى وصلت الى الفصل الخامس فتوقفت عن الكتابة بعدما أغوتني قسنطينة بجمالها ، وفي احدى المرات قمت من النوم لأواصل الكتابة وهو ما استغربته زوجتي بعدما اعتادت على أنني لا أكتب الا صباحا " . المبدع يكتب اذا في كل وقت حسب وطار وهو لا يستطيع أبدا أن يستغني عن الموهبة. من حقي ان يكون لي رأي ولو حاسبنا بوجدرة كسياسي لقتلناه لا يكاد يخلو جدال ثقافي في الجزائر الا و كان الطاهر وطار طرفا فيه حيث كان العام الماضي شرارة الجدال الذي شهدته اعمدة الجرائد بينه و بين بوجدرة وواسيني و ربيعة جلطي المديرة السابقة لصندوق الابداع و لكن وطار يرفض ان يعتبر هذه السجالات خلافات حيث اكد لدى نزوله ضيفا على المنتدى الثقافي لجريدة الشروق اليومي انه لا خلاف بينه و بين بوجدرة الذي قال عنه انه فنان و مبدع لا ينبغي محاسبته كسياسي لأننا لو حاسبناه كذلك لقتلناه . واضاف للشروق ان مابينه و بين واسيني لا يعدو ان يكون رأي مثقف في كتابات الآخرين و من حقه ان يكون له رأي فيما يقرا او يسمع اما بشان خلافه مع المديرة السابقة لصندوق دعم الابداع ربيعة جلطي فاعتبر الأمر مسالة مبدأ و دفاعا عن حرية الرأي و الإبداع و ليس موقفا ضد ربيعة جلطي . و قد رفض وطار ان تدرح هذه الخلافات في خانة "الصحة الثقافية" مادامت لا تطرح قضايا او تسجل افكارا و اعتبر هذا الوضع انعكاسا للوضع الثقافي في الجزائر الذي يتميز بالهشاشة و غياب التقاليد الاحترافية سواء كانت في النقاش او في احترام التراتبية كما قد تكون هذه الصراعات اغلبها مفتعلة و قد تكون ايضا تغذية من قبل اطراف و جماعات في ضرب الأشخاص ببعضهم في سياق الصراع و حرب المواقع كما حمل عمي الطاهر الإعلام و خاصة الصحافة الثقافية في الجزائر بعضا من المسؤولية في تردي النقاش الثقافي و تسطيحه و عدم وجود أناس يحترمون مراتبهم و أنفسهم . التحضير لعاصمة الثقافة مهمة ولاية الجزائر و رفضت دعوة الرئيس للحج لانها تدخل في حياتي الشخصية قال الطاهر وطار انه رفض دعوة رئيس الجمهورية لزيارة البقاع المقدسة لانه اعتبرها تدخلا في حياته الخاصة و هو يرفض أي تدخل في الامور الشخصية كما اعتبر رفضه لدعوة السفير الامريكي احتجاجا على سياسة امريكا في الاقطار العربية في فلسطين و العراق و افغانستان و رفضا ايضا لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي ترمي من خلاله امريكا الى امركة كل العالم و جعله منمطا على طريقة رعاة البقر. من جهة اخرى اكد الطاهر وطار ان الطريقة التي تجرى بها التحضيرات لعاصمة الثقافة العربية فيها خلل ما لان الجزائر يجب ان تكون عاصمة لثقافة الاخرين عندنا و ليس عاصمة لعاصمة في بلادها و لهذا كان يجب ان تكون التحضيرات من مسؤولية ولاية او محافظة الجزائر العاصمة على غرار ما هو معمول به في كل الدول العربية التي سبقتنا الى ذلك دون كل هذا التهويل لان ما تسعي اليوم لتحقيقه و انجازه بالمناسبة كان يجب ان ينجز طوال العام على امتداد كل هذه السنوات و ليس الآن فقط برغم ذلك يبقى عمي الطاهر متفائلا بهذا الحدث الثقافي و ما قد يحققه للجزائر من الناحية الثقافية . ادب الشباب لا يحترم الجوانب التقنية و اعتذر لكل من قرأته و لم يعجبني قال الطاهر وطار انه لا يحكم على ادب الشباب و لا يعترف بما يسمى بادب الاستعجال و يؤكد ان المبدع إما أن يكون مبدعا او لا يكون و لا حدود للسن او العمر في قضايا الابداع و اكد وطار من جهة اخرى انه كان يقرا الاخرين بحثا عن نفسه وهذا خطا فيجب ان نجد يضيف وطار الآخر في كتاباته و جمله و فواصله وطار قال انه توصل لهذه النتيجة منذ ان اجبر نفسه على قراءة " راما و التنين " لادوارد الخراط ليجد أنها من أجمل ماكتب ويعتذر بعدها لكل الذين قرأهم و لم يعجبوه . رغم ذلك يشدد ضيف الشروق على ان هناك أمورا و جوانب تقنية يجب احترامها في الكتابة الروائية التي لا ينبغي النظر إليها كمجرد سرد فقط لكنها تقنيات و هيكل وجسد روائي يجب احترام بنائه كما شدد وطار على امر مهم في رأيه و هو عدم وجود احترام التراتيبة في سلم القيم الثقافية في الجزائر و هذا الخطأ يقول وطار يعود لغياب الأسس التربوية و التنشئة الاجتماعية في هذا الجانب ربما هذا ما جعل الجزائر تفتقر إلى الإجماع حول رمز او رموز ثقافية كما هو معمول به في الدول العربية الأخرى و نحن في المقابل يقول وطار لا نحسن الترويج و لا تسويق نماذجنا الثقافية على غرار ماهو موجود عند الآخر فضل المشهد الجزائري باهتا خارجيا متشضي داخليا تجمعه المصالح السياسية و تفرقه القضايا الكبرى . ومع ذلك يؤمن عمي الطاهر بوجوب إعادة النظر في الكثير من الأمور و القضايا بما في ذلك نظرة ما يعرف بجيل الشباب للكتابة و لمن سبقوهم . المؤسسات الثقافية تعاني الإفلاس و مديريات الثقافة مجرد حرس ولائي زهية .م اكد الطاهر وطار في فوروم الشروق الثقافي ان المؤسسات الثقافية في الجزائر استقالت من دورها الحقيقي للتحول الى التنشيط الثقافي و تلعب دور الجمعيات و المجتمع المدني عوض ان تلعب الدور المنوط بها في التخطيط للسياسة الثقافية للبلاد وهذا يعود في رأي ضيف الشروق إلى الفراغ الثقافي الذي تعاني منه الجزائر على مختلف الأصعدة أما مديريات الثقافة في الولايات فيرى عمي الطاهر أنها تحولت إلى مجرد حرس ولائي في الشأن الثقافي فما جدوى تعيين مدير ثقافة بمرسوم ليقوم بدور قد تقوم به جمعيات المجتمع المدني . من جهة أخرى اعتبر الطاهر وطار ان الوضع الثقافي المتردي في البلاد لا يعود فقط لهشاشة المؤسسات بل أيضا لكون هذه المؤسسات تخضع و تسير بعقلية الأنظمة الشمولية و زمن الحزب الواحد كما أن السياسة و الأطماع الفرنسية ما تزال نافذة في الجزائر عن طريق الايدى الخفية التي تعمل جاهدة على إفشال كل مبادرة ناجحة خاصة إذا كانت هذه المبادرة من طرف المعربين الذين لم يسلموا أيضا من انتقادات وطار الذي أكد أن أي معرب يصل إلى سدة القرار يتحول إلى تابع لنفس السياسة و يصبح ملكيا أكثر من الملكيين فإذا كان رئيس الدولة يقول وطار يخطب في الصين بالفرنسية فكيف نلوم بعدها من يروج للفرنسية من داخل الجزائر ففرنسا ما تزال مهيمنة على دهاليز صناعة القرار الثقافي عندنا و نحن لم نحقق استقلالنا بعد في هذا المجال و لا غرابة بعد ذلك ان كانت حالة الثقافة عندنا بهذا الشكل و الوضع . من مداوروش بدأت الرحلة: شيوعي عنيد في زمن الإسلاميين زهية منصر شيوعي ما يزال وفيا لخياراته منذ انخراطه في الثورة التحريرية التي أجبرته عام 1956 على التخلي عن دراسته و الالتحاق بالثورة من اجل استقلال الجزائر ، بربري معتز بانتمائه إلى الاوراس الأشم و ارتباطه بقرية مداوروش أين رأى النور لأول مرة مناضل عنيد مثقف مشاكس لا يجامل و لا يخاف الجهر بارائه في اشد الأوقات إحراجا حتى عندما أعلن تعاطفه مع الإسلاميين الذين رأى انه من حقهم التواجد في الساحة لان تواجده لا يكتمل و يصبح بلا قيمة لو أعلن عن إعدامهم من الساحة . ذلك هو الطاهر وطار أو عمي الطاهر كما يدعوه كل الذين عرفوه أو يعرفونه يرفض أن يسلم بفشل الاشتراكية كاتجاه أو كفكرة و يؤمن لحد لا رجعة فيه أن الاشتراكيين قدموا ما في وسعهم و حاولوا كما حاول الإسلاميون من بعدهم و أن كان عمي الطاهر يعترف ببعض مآخذ الاشتراكيين لكن في المقابل يرفض أن يحملهم لوحدهم مسؤولية كل الفشل الذي حدث في الجزائر . ارتبط اسم الطاهر وطار بالرواية في الجزائر كما ارتبط بالرواية الواقعية في الوطن العربي وقد وصل صيته للعديد من الدول التي ترجمته وهو اليوم على مشارف السبعين ما يزال وفيا للمناضل الشعبي و البسيط الذي كانه قبل عشرين سنة من الآن يفتخر دائما انه ذلك الطفل الذي كان بالاوراس لا يعرف شكل القلم و يعجز عن ركوب الدابة ليصير من ابرز كتاب الرواية في الجزائر و العالم العربي و يجالس المشاهير و الزعماء و يطوف بنصف دول العالم و في جعبته ما يزيد عن خمسة عشر كتابا بين رواية و قصة و مسرحية أهمها " الموت و العشق في الزمن الحراشي " " عرس بغل " الحوات و القصر " الشهداء يعودون هذا الأسبوع " و غيرها من الروايات التي أرخت لجزائر السبعينات و " الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي " و "الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء" التي واكبت الجزائر بعد زلزال أكتوبر لذلك لا يجد عمي الطاهر حرجا في اعتبار نفسه كاتبا سياسيا فيه نضج و حنكة المناضل الذي خبر الضر و فيه رهافة المبدع و الفنان المستوعب لأدوات محيطه فكان كما يقول عن نفسه " طرف ثالث في المعادلة معارض من داخل السلطة فكان هو المعارضة تارة و هو السلطة تارة أخرى " فلا السلطة قبلت به و لا المعارضة استوعبته . في شخص الطاهر وطار تتجسد طباع الجزائري البربري العنيد المعتد برأيه أو كما يقول هو عن نفسه" طريق الشاوي بين عينيه ". يبدأ عمي الطاهر يومه بشارع رضا حوحو بمطالعة الجرائد اليومية و استقبال ضيوفه على أكواب الشاي و القهوة و النقاش في مختلف القضايا الثقافية ، بدون مواعيد و لا بروتوكولات المثقفين الكبار يستقبلك عمي الطاهر بديناميكية شيخ في السبعين و بابتسامة عريضة قد تنتهي إلى قهقهة عالية و هو يمسك بعكازه الخشبي يعدل من جلسته أو يسوى من وضع البيري الذي يرتديه علامة مميزة عن اتجاه ما زال ينبض في عمق عمي الطاهر . و هو المتحفظ أحيانا ، شرس في أحيان أخرى لكنه دائما يعرف متى و كيف يتحدث ليترك خلفه اينما مر عاصفة من الإعجاب و أخرى من الانتقادات الحادة . قد تتفق معه بعض الشيء وقد تختلف معه كثيرا لكنك مجبر دوما على احترامه ليس فقط لأنه أب الرواية الجزائرية لكنه رجل ظل عصيا على التصنيف يحترمه من هم في السلطة و يخافه من هم خارجها هو باختصار رجل من زمن النيف و الرجلة الجزائرية مولع بالتكنولوجيا العصرية حتى النخاع كارها لأمريكا معتز بالبربري الذي يسكنه هو هكذا فقط لا تتعب نفسك في تصنيفه لأنه لا يشبه إلا نفسه.