تصوير _ مكتب ميلة حينما يتحرك الشعب وتبقى الإدارة صائمة عن أداء مهامها كما نكتب عن مآسي الشعب وعن القلوب المتحجرة، وجب الكتابة أيضا عن الوجه المشرق لمجتمعنا، فما شاهدناه في اليومين الأخيرين المتزامنين مع العطلة الأسبوعية الجمعة والسبت كان أصعب من الوصف في كوخ الشقيقتين سلطانة ويمينة اللتين قضتا الأسبوع الأول من رمضان تزحفان وتتسلقان الأشجار الشوكية للظفر بحبات من الهندي للإفطار بعد أن نفذت مؤونتهما الغذائية وهجرهما الناس كل إلى همّه. هذه المرة عودة الشروق اليومي كانت مختلفة وحتى الضحكة الغائبة عن محيى الشقيقتين انفجرت ممزوجة بدموع الفرح بعد أن قررت عائلات أن "تحج" جماعات رغم الطقس الحار جدا والمسافة البعيدة حيث أتت من كل مكان وخاصة من نواحي العاصمة وبومرداس بعد تأثرها بالتحقيق الذي أنجزته الشروق اليومي خلال الأسبوع الماضي عن الحالة المأساوية لهاتين الشقيقتين اليتيمتين اللتين تعيشان لوحدهما في كوخ به الجدران فقط. فقد شهد دوّار مزيزوي ومنذ صباح الجمعة إنزالا خيريا تضامنيا إنسانيا فجّر كل معاني الحب التي يكتنزها الشعب الجزائري على بيت الشقيقتين بتلك المشتة التي عانى كثيرا أهل الخير لبلوغها وكأنها ليست في الخارطة وغير موجودة على الكرة الأرضية، حيث زارت 10 عائلات تقطن بالجزائر العاصمة ونواحيها الشقيقتين وقدمت ما تقدر عليه وحتى ما لا تقدر عليه .. ويمكنكم تصور قطع مسافة تزيد عن الألف كيلومتر ذهابا وإيابا وفي درجة حرارة لم تقل عن 45 درجة خاصة يوم الجمعة لأجل عمل سيعتق فاعليه من النار بالتأكيد .. كما زارتها النجيبة إيناس من عين مليلة رفقة أختها الصغرى ذات الخمس سنوات رفقة والدها ووعدتا الشقيقتين بكسوة عيد الفطر المبارك، كما أن الوالد تكفل بتجهيز شبه الكوخ بمكيف هوائي، بالإضافة إلى عمي مسعود وصديقه "بادر" من ولاية جيجل واللذين كانا من السباقين ووعدا أيضا بالتكفل التام بإنجاز مرحاض وحمام مع إدخال الماء إلى كوخهما وتهيئته بطريقة يصبح العيش فيه أكثر راحة في أقرب الآجال، مع إنهاء معاناتهما المستمرة في قضاء حاجاتهما البيولوجية في الأحراش والأشواك، أول أمس السبت، ورغم بلوغ درجة الحرارة أكثر من 45 درجة بتلك المنطقة التي تعتبر من المناطق الشديدة الحرارة بولاية ميلة إلا أن الإنزال الشعبي التضامني لم يتوقف إطلاقا، إذ وفي حدود الساعة الرابعة والنصف رن هاتف الشروق اليومي وكان الطلب من أجل مرافقة عائلة متكونة من ستة أفراد من ولاية قسنطينة إلى بيت الشقيقتين لأنهم يجهلون المسالك الجبلية المؤدية إلى البيت، الأمر الذي أجبرنا على إيصال المحسنين إلى مبتغاهم وكم كانت فرحة الشقيقتين كبيرة عندما رأت العائلة من كبيرها إلى صغيرها تحضنهم وتطمئنهم بأنهما لن تحتاجا إلى أي شيء بعد الآن، وسجلوا رقم هاتف الأختين الذي تصدقت به إيناس ابنة مدينة عين مليلة للأختين. روح تضامنية كان ختامها مسك بعد نزول ثلاثة شبان من مدينة الخروببقسنطينة قالوا للشروق اليومي قرأنا موضوع إفطار الشقيقتين على التين الهندي وآلمنا ذلك واستكثرنا على أنفسنا ما نتناوله في ديارنا .. كل يوم نرى كيف يفطر الأثرياء على الفواكه وعدة أطباق فاقت الخمسة وأكثرها تأكلها القطط والكلاب في القمامة صباحا بينما هناك من لا يستطيع تحصيل فطوره مثل الأختين، الشبان انسجموا مع الشقيقتين كما أنهم قاموا بملء برميل الماء الذي يستعملونه في الغسل، أجمل ما في حكاية هذا الإنزال التضامني الخيري أنه لم يكن من باب الفضول وحب الاستطلاع وإنما من باب التراحم والتآخي، ومعظم الذين حاولت الشروق اليومي أن تصوّرهم أو تحدثهم من الذين ساعدوا الشقيقتين ماديا وماليا رفضوا وقالوا إن ما قاموا به إنما هو لوجه الله ولمسح دموع الشقيقتين. وفي المقابل اتصل رجال أعمال وبرلمانيون، وأعرب جمال مصباح نجم الخضر ونادي ليتشي الإيطالي عن استعداده لمساعدة الشقيقتين وأيضا نجم الخضر السابق مصطفى دحلب وسأل عن الوسيلة التي تمكنه من مساعدة الشقيقتين ماديا.. لكن غالبية الذين قرروا مباشرة توفير الحياة الكريمة للشقيقتين رفضوا جملة وتفصيلة ذكر أسمائهم أو مهنتهم .. ونحن نغادر القرية ونترك الأختين متمتعتين بابتسامة وأمل أضاعاهما منذ وفاة أمهما، لم نشعر بأي آثار لأقدام سلطوية، فالقفة لم تصل بعد ووزارة التضامن لم تتضامن بعد .. ونرجو أن يكون شعورنا خاطئا وأن يكون هذا الصمت متبوعا بعاصفة وأن يكون ماعشناه إمهال وليس إهمالا.