الصيام مدرسة عظيمة فيها من الدروس والحكم الشيء الكثير ، فالله تبارك وتعالى ما شرع الصيام فقط ليكون فيه امتناع عن الطعام والشراب والشهوة -مع أن الصيام لا يصح إلا به- دون التطلع إلى حكم الصيام وغاياته. ذم نبينا صلى الله عليه وسلم من ينظر إلى الصيام هذه النظرة القاصرة؛ ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". وروي عن أبي هريرة مرفوعا: "الصائم في عبادة ما لم يغتب مسلما أو يؤذه" رواه ابن أبي شيبة. وعن أنس "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس" رواه ابن أبي شيبة مرفوعا. إذن فالمسلم بعد صيامه لا بد أن ينظر إلى الثمار التي جناها بعد انتهاء هذا الشهر المبارك، فانظر إلى حالك وإليك هذه الثمرات: تقوى الله عز وجل فأهم ثمرات الصيام تقوى الله عز وجل، وهي الغاية التي شرع الله تعالى الصيام من أجلها فالتقوى: هي أن يفعل الإنسان ما أمر الله وأن ينتهي عما نهى، وإن كانت نفسه تنازعه وتلح عليه بالتفلت من هذه الأوامر وارتكاب المعاصي والمحرمات، وبالصيام فإن المسلم يمتنع عن الطعام والشراب وغيرها من المفطرات امتثالا لأمر الله تعالى وإن كانت النفس تطلبها وتشتهيها وتلح عليه بفعلها فإنه يتجاهلها مقدما أمر الله تعالى عليها. مراقبة الله تعالى ومن ثمرات الصيام مراقبة الله تعالى في أي مكان وفي كل حين، فالمراقبة: أن تعلم أن الله تعالى ناظر إليك مطلع على سريرتك، وبالصيام فالمسلم يمتنع عن تناول وفعل ما يفسد صيامه في أي مكان وفي كل حين لأنه يعلم أن الله تعالى يراه ومطلع عليه ولا يخفى عليه شيء. الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية ومن ثمرات الصيام الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية رجاء الثواب الذي أعده الله لعباده في الآخرة وأنها أيام معدودة في الدنيا ثم نغادرها لنفضي إلى ما قدمنا، وأن الصبر عاقبته حميدة، ولذلك يقول الله تعالى لعباده المؤمنين يوم القيامة: "كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ" فبعد الثواب ينسى المسلم التعب وينال ثواب الله تعالى على ما قدم. قال الحسنُ رحمه الله: إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المُحسنون، ويخسر فيه المبطلون ثم يَبكي رحمه الله. الإرادة والعزيمة ومن ثمرات الصيام الإرادة والعزيمة وهي بذل الوسع والطاقة دون توقف أو فتور حتى يحقق المرء ما يريد متجاهلا دعوات نفسه للدعة والراحة، وبالصيام فالمسلم يبدأ صيامه بإرادة قوية وعزيمة جامحة دون التطلع إلى دعوات نفسه للدعة والراحة ولا الاستجابة لما تطلبه وفعل ما تشتهيه فيسوق نفسه ويطوعها حتى يحقق مراده من الصيام. معرفة قيمة الحياة ومن ثمرات الصيام معرفة قيمة الحياة والحرص على أيامها ولياليها وأنها ميدان للتنافس، وأن هذا الميدان سيغلق بعد حين، وكذلك بالصيام فإنه أيام معدودة ثم تنقضي فمن اغتنمها بفعل الطاعات وترك المنكرات نال رضا الله تبارك وتعالى، ومن ضيعها بالتكاسل وفعل المعاصي والذنوب فإنه لن يجني إلا الندم ولن يحصد إلا الشقاء. المسارعة إلى فعل الخيرات ومن ثمرات الصيام المسارعة إلى فعل الخيرات دون التعذر بأوقات دون أوقات والتأجيل والتسويف حتى تروق نفسه لذلك. التطلع إلى ما عند الله في الدار الآخرة ومن ثمرات الصيام التطلع إلى ما عند الله في الدار الآخرة والجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة التي تقرب الى الجنة واجتناب المعاصي والذنوب التي تقرب إلى النار، والصائم في شهر الصيام يجد ويجتهد ويصبر ليحافظ على صيامه، ويترك ما يغضب الله تبارك وتعالى حتى لا يكون ذلك سببا في عدم قبول صيامه ثم ينتهي هذا الشهر بفرحة العيد للطائعين والندم والحسرة للمفرطين.