أثار العلماء الاميركيون مخاوف الأطباء في مختلف أنحاء العالم حينما تحدثوا عن بكتيريا خطرة تقاوم أجهزة التعقيم والتطهير السائدة في المستشفيات (الأوتوكليف). وقال هؤلاء العلماء إن بعض أنواع البكتيريا لا تقتلها حرارة تعقيم تبلغ 100 مئوية. وإذا كان من المعروف عن البكتيريا انها تموت في الحرارة العالية فقد دأب العلماء منذ فترة على محاولة التعرف على «الرقم القياسي» للحرارة التي تستطيع بعض أنواع البكتيريا تحملها دون أن تموت. وطبيعي إن الكشف عن درجة الحرارة القصوى الكفيلة بقتل البكتيريا يتطلب معرفة الفترة اللازمة للتسخين ودراسة الظروف الاخرى مثل الرطوبة والضغط. وعثر العلماء الاميركيون على بكتيريا تعيش في فوهات البراكين تتحمل حرارة تزيد عن 300 درجة مئوية في قاع المحيط الأطلسي. وكتب الباحثان كاظم كاشفي وزميله ديرك لوفلي من جامعة ماساتشوسيتس الأميركية في مجلة «ساينس» العلمية المتخصصة أنهما استطاعا عزل بكتيريا لم يعرفها العلم من قبل بدرجة حرارة 100 مئوية. ويبدو بوضوح أن البكتيريا الجديدة، التي أطلق عليها العلماء اسم «العائلة 121» تتغذى أساسا على الحديد. ويبلغ حجم البكتيريا نحو جزء من ألف جزء من المليمتر وتتكاثر بسهولة داخل الأنابيب الزجاجية. وفي سبيل التعرف على شدة مقاومة البكتيريا «الحديدية» جرب كاشفي وزميله لوفلي أجهزة «الاوتوكليف» السائدة في المستشفيات والمستخدمة في تطهير الأجهزة الطبية والادوات الجراحية. وكتب الطبيبان أن كل البكتيريا المعروفة حتى الآن ماتت بدرجة 121 مئوية عدا «العائلة 121» التي بدا وكأنها تشعر نفسها بأحسن حال في هذه الدرجات القاتلة. إذ استطاعت البكتيريا في هذه الدرجة الحرارية العالية أن تضاعف نموها مرتين خلال أربع وعشرين ساعة فقط. ولم يرصد العالمان أي نمو في هذه البكتيريا بدرجة 130 مئوية، الا أن البكتيريا عادت إلى الحياة والنمو بشكل طبيعي بعد أن تم تبريدها تدريجيا كما يحدث في «الاوتوكليف» بعد انتهاء عملية التعقيم. وكشفت التجارب الأخرى أن هذه البكتيريا تحبذ الحرارة العالية لأن الباحثان رصدا أن هذه البكتيريا بدأت «بالارتجاف بردا» في درجة 85 مئوية التي تكفي لقتل معظم أنواع البكتيريا. ويرى العالمان ان «العائلة 121» تحتوى على جزيئة خاصة تتمتع بأهمية كبيرة في تقرير مقاومة البكتيريا للحرارة من جهة، وتحافظ على حياة البكتيريا عموما من الناحية الثانية. وذكر الباحث كاشفي أن الفحوصات التي أجريت حتى الآن لم تنجح في كشف جزء البكتيريا الذي تكونه هذه الجزيئة. ويأمل الباحثان بالتوصل إلى كشف هذا الجزء، أي الكشف عن كعب أخيل أو نقطة ضعف البكتيريا، بواسطة الحرارة العالية أيضا. وعلى أية حال لا يعتقد العالمان أن الاستفادة من هذا الاكتشاف يقتصر على المجال الطبي لأنهما يريان إمكانية تتبع طريقة تغذية البكتيريا للكشف عن طريقة حياة العديد من المخلوقات، بما فيها المخلوقات الفضائية التي قد يكشف عنها مستقبلا. إذ تتغذى هذه البكتيريا (العائلة 121) على الحديد، كما تفعل العديد من أنواع المخلوقات الأخرى وهو سر ديمومتها وتطورها. وهذا يعني أيضا أن التغذية على الحديد تكون سر مقاومة هذه البكتيريا للحرارة الأمر الذي يعد بالكشف عن مخلوقات مماثلة في المناطق الشديدة الحرارة من الكواكب القريبة. ومن المحتمل أن يتوصل العلماء إلى طريقة لتجريد البكتيريا من مصدرها الغذائي، وبالتالي جعلها اكثر حساسية تجاه درجات الحرارة المعتدلة التي تستخدم في «الاوتوكليف» كمثل.