ما زالت قضية التعريب في الجزائر تطرح نفسها، رغم الأشواط التي قطعتها، وفي كلّ مرة يلتقي المهتمّون بشؤون العربية، إلاّ ويُعيدوا طرح المسألة من جديد، لأنّ التحديات التي كانت مطروحة أمام فرض العربية كلغة وطنية أولى في الجزائر منذ عشريات خلت ما تزال مطروحة. في هذه الندوة التي خصّصتها الشروق لطرح تساؤلات حول مستقبل العربية في ظل التحديات الراهنة، وإلى أين وصلت مسيرة التعريب في الجزائر، يُجيب عدد من المهتمّين الذين التقيناهم خلال ندوة الجزائر حول تعريب التعليم والتنمية المستدامة، على هذه الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح. * يُؤكد الدكتور المهندس محمد أحمد علي ثابت، أمين عام الجمعية اليمنية لتعريب العلوم، أنّ العربية تُواجه تحديات عديدة أهمها تقاعس بعض أبناء الأمة العربية في استخدام العربية في شتى مجالات الحياة، وعليه فإنّ المسؤولية مشتركة وجماعية لحماية لغة الضاد وجعلها لغة التعليم والتعلّم. وشدّد الدكتور علي ثابت على متّخذي القرار العرب ومنظمات المجتمع المحلي من أجل أن يعملوا بشكل جماعي ومخطط ومنظم لتعزيز دور العربية معتبرا أنّنا "بحاجة لزيادة دور الأسرة والمدرسة والقيادات الإدارية في مواقع العمل من أجل توسيع استخدام العربية في الحياة اليومية". ويرى أنّ تجربة الجزائر في مسيرة التعريب تُشكّل معينا، وجبت الاستفادة من سلبياته وإيجابياته، مع توحيد الجهود العربية في مجال التعريب كون المسألة مصيرية. * ترى الأستاذة إنصاف عبودي من سوريا، أنّ العربية ستنتصر، لأنّها العامل الأهم الذي يُوحّد الأمة العربية ويُعبّر عن روحها، وفوق ذلك فهي لغة الإسلام قبل أن تكون لغة العرب. والعرب أمة حسب الأستاذة إنصاف آخذة في الانبعاث، كما ترى أنّ العربية غنية، وتمتلك كلّ صفات البقاء والإبداع، وقد سبق وأن اتّسعت لكلّ المعاني التي تحملها الأديان والعلوم والفنون. * أمّا عن مسيرة التعريب في الجزائر ما لها وما عليها، فيرى الدكتور نشأت العمارنة، وهو طبيب عيون من سوريا ومهتم بالتعريب، أنّ العربية في الجزائر كانت حاجة أيام الاستعمار، يتعطش الناس إلى استعمالها والتحدث والتعلم بها، لذلك فإنّ أول ما فعلته الثورة الجزائرية بعد انتصارها أن عرّبت التعليم الابتدائي والثانوي، فأعادت للشعب روحه، وعبقرية فكره. غير أنّ هذه الخطوات تبقى في حاجة إلى استكمال حسب الدكتور نشأت "لكي تلتحق الجزائر بركب النهوض العلمي الحقيقي، يبقى أن يصل التعريب إلى مستوى الكليات العلمية". * في رأي الدكتور بومدين بوزيد، أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة وهران، فإنّ التطورات التقانية الجديدة كشفت عن وهم الذين يرون عجز العربية عن استيعاب المعارف وتوظيفها وتنميتها، إذ أنّ التقانة المتعلقة بالمعلومة يُمكن استخدامها بكلّ اللغات، ومن هنا يبدو مستقبل العربية من الناحية التقنية لا خوف عليه، ولكن المشكل بحسب الدكتور بومدين بوزيد، يكمن في هيمنة سياسية وإدارية لا ترى مصالحها خارج اللغة الأجنبية، ويُلاحظ أستاذ الفلسفة بجامعة وهران، أنّ بعض البلدان العربية يوجد بها تواطؤ ضمني في العودة إلى التدريس الكلّي باللغة الأجنبية، ويُعزّز كلامه بأنّ المدارس التحضيرية الجامعية المُنشأة حديثا في الجزائر تسعى نحو هذا، وأنّ أصحاب القرار غير مُدركين أنّ الوصول إلى "مجتمع المعرفة" وإلى الوعي بالحياة وبالبيئة والمواطنة وغيرها، لا يُمكن أن يكون خارج اللغة التي يتحدث بها المواطن، وإذا كان بعضهم يرى التطور في اللغة الأجنبية، فهناك اليوم علوم بلغات إنجليزية وكورية ويابانية وروسية، بمعنى أنّ ربط التقدم بلغة ما "وهم واستمرار لرؤية كولونيالية بالية". * يعتبر الدكتور زيد العساف، مدير المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر بدمشق أنّ العربية لغة حية وقادرة على استيعاب معطيات التقدّم، ويكفي حسبه أن نذكر دورها عندما نقلت الفكر والفلسفة إلى الغرب. ويُمكن للعربية أن تُساير المعطيات الجديدة بجدارة إذا توفرت النية والقرار السياسي بتعريب العلوم، سيما وأنّ العربية أكثر مفردات، وأغنى محتوى من كثير من اللّغات التي يُمكن أن يطالها خطر المعطيات العلمية الجديدة. لذلك، والكلام للدكتور العساف، كانت قناعتنا بتعريب التعليم راسخة، ونحن لا نخاف على لغتنا من التآكل. * أمّا ما تعلّق بالتعريب في الجزائر، فيرى مدير المركز العربي للتعريب، أنّ تجربة الجزائر تستحق الاحترام والدراسة، وأنّ الجزائريين بدؤوا على مستوى العربية من الصفر، على اعتبار أنّ الجزائر كانت تحت الاستعمار. إضافة إلى هذا، فإنّ الدكتور العساف يرى أنّ الجزائر بذلت جهودا جبارة لكن الذي كان ينقصها هو أن تصل تلك الجهود إلى تعريب مرحلة التعليم الجامعي.