منذ أيام أعلن وزير الطاقة والمناجم في المجلس الشعبي الوطني على هامش تقديم الحكومة لبيان السياسة العامة، أمام النواب، عن جاهزية برنامج وزارته المتعلق باستغلال الطاقة الشمسية في الجزائر والذي سيعلن عنه، حسب قوله، مع نهاية السنة الحالية. * وفي حديثه عن بعض التفاصيل والإجراءات السياسية لهذا البرنامج، طرح السيد الوزير ثلاثة شروط أساسية للاستثمار الأجنبي أو الشراكة الأجنبية في هذا المجال، أولها نقل التكنولوجيا، وثانيها عدم استيراد التجهيزات الصناعية المتعلقة بهذه التكنولوجيا، والشرط الثالث هو ضمان انفتاح الأسواق الأوروبية على شراء الفائض من الكهرباء التي ستنتج من استغلال الطاقة الشمسية. * شروط أقل ما يقال عنها أنها غريبة وعجيبة وهي أشبه بتلك الشروط المستحيلة التي تطرح على أبطال القصص والأساطير للخروج من الأزمات والمآزق، إذ كيف يمكن نقل التكنولوجيا واكتسابها من دون استيراد تجهيزات صناعية لإنتاج هذه التكنولوجية محليا، وكيف يمكن إنتاج أو تصنيع هذه التجهيزات الصناعية محليا والتكنولوجية التي تتطلب إنتاجها غير موجودة، ويتطلب الأمر استيرادها من الدول المتطورة حتما؟ وكيف يمكن اشتراط وجود منفذ في الأسواق الأوروبية لفائض من الإنتاج الجزائري من استغلال الطاقة الشمسية وهو لايزال في طور الافتراض والاحتمالات والتخمينات؟ ثم لماذا هذه الشروط على الأسواق الأوروبية في حين أن التعامل أو الشراكة في مجال استغلال الطاقة الشمسية بالجزائر يمكن أن تتم مع الولاياتالمتحدة أو كندا أو اليابان أو الصين مادام الأمر سيجرى بواسطة المناقصات والمنافسات الدولية المفتوحة التي ليس بالضرورة أن تكون من نصيب الدول الأوروبية؟. * ثم أن تصريح وزير الطاقة والمناجم وطرحه لهذه الشروط يأتي أسابيع معدودة بعد رفض السلطات الجزائرية للمشروع أو المقترح الألماني القاضي باستثمار ما قيمته 400 مليار أورو في استغلال الطاقة الشمسية بالصحراء الجزائرية مع كل ما يترتب عن ذلك من نقل للتكنولوجيا وتكوين للإطارات الجزائرية وتوفير لمناصب الشغل بالآلاف وضمان للأسواق الخارجية في أوروبا وإفريقيا لتصدير الفائض من الطاقة الكهربائية. * ولكن إذا عرف السبب بطل العجب وتصريحات الجانب الألماني يؤكد أن من يقف وراء رفض هذا المشروع هو فرنسا التي تخاف من النفوذ الألماني ومن أن تتحول الطاقة الشمسية وسيلة ضغط ألمانية على الوجود الفرنسي سواء في أوروبا أو في الجزائر وبعض الدول الإفريقية المعنية بالاستفادة من هذا المشروع، وهذا مع أن فرنسا غير قادرة على تنفيذه بنفسها أو أنها ترفض ذلك لأسباب معروفة ومع ذلك نجد من المسؤولين الجزائريين من يسايرها في مساعيها المناهضة دوما لمصالح الجزائر، حتى أن هؤلاء المسؤولين أصبحوا مسكونين بعقدة الشك وعدم الاقتناع بكل ما هو ليس فرنسيا، وأصبحوا في مجال استغلال الطاقة الشمسية بالذات، لا يؤمنون بزوال النفط والغاز ولا يفكرون في توفير ما بقي منه للأجيال القادمة، على الرغم من أن استغلال الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء ليس بهذه الاستحالة أو الصعوبة المعششة في خيال المسؤولين، ولننظر إلى جارتنا تونس التي تسير في هذا الميدان بخطى ثابتة وواثقة منذ عدة سنوات ومن دون عقد وها هي هذه السنة فقط تستقدم ما يعادل 3 ملايير دولار من الاستثمارات الأجنبية في هذه الطاقة التجددة والنظيفة والرخيصة، وهي تنتج منذ سنوات تشكيلة متنوعة من الأجهزة الصغيرة والمتوسطة لإنتاج هذه الطاقة للاستهلاك المنزلي، فيما نقف نحن كالبقرة التي تتفرج على القطار مشدوهة وهو يمرق أمامها؟.