بين الله والناس علاقة حميمة علاقة الرب الخالق الرازق المصور بعبده المزود من ربه بنفخة الروح وملكات الابداع وفرصة الاختيار..علاقة بين الله وبين الانسان لا تشبهها علاقة بين الله وأحد مخلوقاته.. فهذا هو المخلوق ليكون خليفة في الأرض فكان تزويده بعلم الأسماء كلها الذي ألزم الملائكة بالسجود له، وحمل الأمانة أمانة العقل التي لم تحملها الجبال والأرض، كما حمل المسئولية وسخرت له الأشياء والمخلوقات، فيما حوله ولم يغلق أمامه باب ..وأنزل على الأرض ليعمرها ولتتجلى قدرة الله فيه وفيما ينتج. وكانت رحمة الله به بالغة فلم يزوّده الله بكل ما سبق ذكره وزيادة ثم يتركه وشأنه في الأرض..ولقد كان يكفيه أن يتحرك في الأرض بما منحه الله من قدرة وقوة وعلم وفطرة وعقل، وما سخر له سليم الاتجاه صحيح المقاصد..إلا أن رحمة الله به أنه رعاه في رحلته على الأرض ..فأرسل له الأنبياء والرسل من حين لآخر..أرسل له خير خلقه وأنقاهم سريرة وأنبههم فطنة وأوعاهم دراية وأرجحهم عقلا وأصفاهم فطرة، لكي يأخذوا بيده من وهاد النفس وانحراف الهوى وفساد الرغبات إلى جادة السبيل ..وعرض سبحانه خير خلقه وأحبهم إليه إلى سفه الجاهلين وحمق المنحرفين، وذلك لأنه سبحانه كتب على نفسه الرحمة بل هو الرحمن الرحيم. وفي هذه الدنيا لايعجل الله للانسان بالعقاب على كفره أنعم الله ولايجعل عصيانه وعدم تعرفه على الله سببا في أن لايحفظ له الأنعم والفرص بل يتركه يرتع ويمرح ويعمل لكي يكون مسؤولا عن كل مافعل، ولايكون له أعذار ..بل هناك ملاحظة لطيفة أن الإيمان والعرفان ليسا سببا في زيادة الرزق والعمر والفرص ذلك لأن الله سبحانه يبتلى عبده بالعطاء والنقصان ويقلبه على الأحوال كي يصبر ويشكر وهو في كلا الحالين خالصا لمولاه متوثقا بالعروة الوثقى..وهو سبحانه حرم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما ..وهو لا يؤجل معاقبة الظالمين وجعل دارهم خرابا وأخذهم من نواصيهم الخاطئة ليمرغهم في نار ظلمهم وتعديهم على عباد الله ..وهنا تتجلى رحمته بعباده الضعفاء المستضعفين.. علاقة طرفها الأول رحمة وعدل ورعاية وطرفها الثاني انسان يطيع أحيانا فيحمد الله على نعمه ويعصى أحيانا بنعم الله عليه يعبد الله أحيانا ويتلهى عن عبادته أحيانا ..وفي كل الأحايين لاتنقطع رحمة الله ولا تتوقف رعايته.الله والانسان ..الله لايحتاج الانسان في شيء ويعطيه بلا حظر في كل شيء ولاتتوقف رعايته له بسبب معصية أو كفر..والانسان الذي لايملك شيئا بل كل ما لديه من الله ويحتاج لرعايته وهدايته لايؤدي ماعليه لكي يحيي هذه العلاقة وينعم بما تفيض عليه من رضى وفرح روحي وطمأنينة.والله سبحانه منه وإليه رحلة الانسان..وهكذا يبدأ القرآن بسم الله الرحمن الرحيم..لينتهي بكلمة الناس..فكان القرآن رحلة الطهارة والوعي والاستقامة يسلكها الانسان نحو ربه الكريم.