يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الذاريات: »وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرازق ذو القوة المتين«. فالخالق من شأنه أن يكون قوياً قادراً لا يعجزه شيء في ملكه وملكوته وما دام كذلك وجب على الخلق أن يعبدوه ويدينوا له بالخضوع والطاعة والذل والانكسار. وكونه جل شأنه مستغنياً بذاته عن سائر مخلوقاته يشعر العباد بوجوب إظهار الافتقار إليه. وقد سمى الله نفسه الصمد، وهو الذي تصمد إليه الخلائق بالضراعة والخضوع والطاعة، وهو غني عنهم لا تنفعه طاعتهم ولا تضره معصيتهم. وقوله جل شأنه »إن الله هو الرازق« يشعر بأن العبد مهما أوتي من قوة لا يستطيع أن يحصل على شيء مما يحتاج إليه إلا بقوة الله وقدرته. وقوله: »ذو القوة المتين« يُشعرنا أن القوة منه وإليه وأن مصير الخلق بين يديه. وقد ورد اسم القوي في القرآن مقروناً بالعزيز في عدة مواضع للدلالة على أن قوته عز وجل هي الغالبة القاهرة المنيعة التي لا يعتريها وهن ولا يلحقها فتور. يقول الله عز وجل: »الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز«. القوي في لطفه ومعافاته العزيز الذي يعز أولياءه ويذل أعداءه. يقول الله تعالى: »ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز« أي قوي على عباده بكثرة نعمه عليهم، عزيز باستغنائه عنهم، فما عرفوه حق معرفته وما شكروه حق شكره وما عبدوه حق عبادته فهم قادرون على ذلك لعجزهم عن ملاحقة مننه وأفضاله. قوي على نصرة جنده الذين ينصرون دينه، ويجاهدون في سبيله أهل الشرك والباطل عزيز غالب على أمره قاهر بجبروته من كفر وفجر وطغى وتكبر. قوي بعلمه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، عزيز يعز من شاء، ويذل من شاء لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه. وسمى الله نفسه القوي ليعلم عباده ممن يستمدون قوتهم المادية والمعنوية، وممن يبتغون منه العزة. وسمى نفسه المتين ليعصم العباد به، ويثبتون على دينهم وينصرون الحق بالحق ويدحرون الباطل بشدة وصلابة. فالاسم الأول: يوحي بالغلبة والمنعة والسلطان التام ونفاذ الأمر في جميع المخلوقات بلا رد ولا معارضة ولا تعقيب فهو القوي الذي له القدرة البالغة على التدبير والتقدير، والتغيير والتبديل والتحويل، والإيجاد والعدم والإشقاء والإسعاد. والاسم الثاني: يوحي بالصرامة في الحكم، والشدة في العقاب لمن طغى وتكبر، والشدة في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وما إلى ذلك من معاني التنزيه والتقديس. إذا ذكر المؤمن القوي ربه عز وجل بهذين الاسمين المقدسين، شعر بضآلة الكون كله وتصاغره أمام قوة القادر وشدته وقهره وجبروته وأحسن من أعماق قلبه أنه لا قدره لمخلوق مع قدرة الخالق، ولا إرادة له مع إرادته ولا تدبير له مع تدبيره. ثم لا يلبث مع تكرار الذكر والفكر في ملك الله وملكوته حتى ينتابه شعور آخر يملك عليه كيانه كله، وهو الشعور بأنه قوي بالله الذي أمده بقوة الإيمان، عزيز بالله الذي أمده بسلامة اليقين وحسن التوكل عليه، ثابت على الحق بالحق الذي هداه إليه وعصمه به عن جلي الشرك وخفية، ووساوس الشيطان وهواجسه، فلا يتحرك حركة إلا في طاعته، ولا يجد في قلبه ركناً لغيره. وهذا الاسمان يؤكد كل منهما الآخر إلا أن الثاني يشعر مع الأول بأنه جل شأنه ثابت دائم سرمدي، واجب الوجود لذاته، يؤثر ولا يتأثر، يغير ولا يتغير لهذا ينبغي أن يذكرا معاً.