الاقاليم الاربعة المتجاورة: تركيا وإيران والعرب وباكستان -افغانستان تثير الاهتمام الرئيس امام واضعي الاستراتيجيات الغربية الدولية، وهي تبدو اليوم اكثر من ذي قبل مضطرة بحكم التحديات والمصالح العليا الى اعادة النظر في علاقاتها البينية والبحث عن عناصر توحدها.. * وفي عملية البحث يصبح من الضرورة ترتيب عملية التحليل للواقع وإعادة تركيب المشهد على حقيقته لا كما يريد ان يسوقه الاستعماريون الخبثاء.. وهنا يصبح من الضرورة ان نتجنب عمليات الشد الى خارج المعركة التي يفرضها واضعو الاستراتيجيات الغربية لأننا حين ذلك نكون عن وعي او غير وعي نمارس ادوار مشاركة للهجمة الاستعمارية.. * تركيا اقليم ضمن دائرتنا الاسلامية حيث ارث الحضارة الاسلامية والنفوذ العثماني وصور التاريخ تحمل الاتراك الى دورهم القيادي على المستوى الدولي والاقليمي، فهي محاطة الآن بمجموعة من الدول لا سيما في اسيا الصغرى تعتبر امتدادا طبيعيا للنفوذ الثقافي التركي ولعلاقات تجارية غير منقطعة.. الا ان هذا كله تصادم مع كون تركيا تعاني منذ سقوط الخلافة العثمانية من ازمة ذاتية وأ،خرى بين الذاتي والموضوعي اما الذاتية فتلك المتعلقة بالهوية والانتماء وما يترتب على ذلك من تصور للتنمية والعلاقات الاقليمية والدولية، ففي حين تشدها الجغرافيا الى اوروبا المفتوحة عليها بالتاريخ الدامي وما يحمل من صراعات او تبادل ادوار، فكذلك يشدها تراثها الى دائرتها الاسلامية وما تحمله من تاريخ يفيض بالتجارب التي صنعت امة واحدة في مواجهة الاعداء.. وهي على صعيد هذه الازمة تعاني من الشد في اتجاهين متناقضين على مدار قرن تقريبا، وفي هذه الحقبة التاريخية كادت تركيا ان تفقد ذاكرتها بعد ان تعرضت لحملة تغريب كبيرة بدأت بتغيير الحرف العربي وترجمة الاذان واستبدال القوانين الاسلامية بقوانين غربية.. ومن اتجاه اخر كانت الازمة في المساحة ما بين الذاتي والموضوعي تلك المتعلقة بالازمة الكردية والقبرصية وتداعياتها.. وليس من جهد كبير للفهم لكي ندرك ان الازمة الكردية كانت بمثابة لازمة سياسية للدولة التركية كي تنصرف اليها وتكون بذلك بوابة لسلسلة علاقات مع الدول الغربية تضمن بقاء تركيا في الاشتراطات الغربية.. ومن هنا اصبحت تركيا جزءا في الحلف الاطلسي تشترك مع قواته في تدخلاته الاقليمية والدولية.. وكانت العلاقة مع اسرائيل تتويجا لهذا كله حيث المناورات المشتركة والتنسيق الامني رفيع المستوى والتبادل في مجال الخبرات والتقنية العسكرية. * وفي اقليمايران الامر لم يكن يختلف جوهريا عن تركيا، فمنذ اعتلاء ال بهلوي سدة الحكم في ايران تمكن تيار التغريب من فرض سلسلة اجراءات داخلية لتحطيم الثقافة الاسلامية وترسيخ القوانين الغربية في حياة المجتمع، ورغم عجز التغريبيين عن استبدال الحرف العربي الى ان الجهود استمرت من اجل نخبة سياسية وثقافية تمزج بين القومية الجاهلية الشوفونية وبين التقليد الاعمى للنموذج الغربي.. ولا تستطيع ايران المجاورة للمنطقة العربية الا ان تكون مؤثرة او متأثرة بها.. وإيران تسبح في خريطة حساسة للغاية، فهي من جهة تلتصق بدول الاتحاد السوفيتي السابق حيث كانت الاستراتيجية الامريكيةوالغربية تقضي بمحاصرته والتصدي لتمدده، ومن جهة اخرى تشترك مع الكتل الاسلامية الاخرى في تداخلات ثقافية وحدودية عديدة.. وهنا كان موكولا بها مهمة التصدي للتمدد السوفيتي الذي لم يكن يخفي طموحاته، وكان عليها تقديم استحقاقات الدعم الغربي لها داخليا كما سبق وموضوعيا بأن تفتح العلاقات مع اسرائيل وتكون حليفا استراتيجيا لها وضمن المغريات التي قدمها الغربيون للشاه الايراني ان تركوا يده تمتد مهيمنة على دول الخليج العربي بل والمنطقة كلها. * وبالنسبة لباكستان -افغانستان يقع هذا الاقليم الحساس كمخزون حقيقي رغم انه في الاطراف في عدة مجالات، وظل هذا الاقليم مزودا للامة الاسلامية بالمعرفة والصناعة والجيوش فترات طويلة.. وفي زمن ما بعد الاستعمار الحديث كان واضحا ان اضعاف الدولة الهندية يسير ضمن المطالب الاستراتيجية الغربية، وهنا تم فتح العلاقات الاسترتيجية بين الولاياتالمتحدةالامريكية والغرب من جهة وباكستان من جهة اخرى وسمح لها بالتسلح الاستراتيجي، فيما كان الاتحاد السوفيتي حليفا استراتيجيا للهند في قضايا الاشتباك الحدودية حول بنغلادش وكشمير.. حتى جاء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان بما يمثله من خطورة على المصالح الاستراتيجية الامريكية فترك الامريكان لباكستان هامشا كبيرا من فرض النفوذ الباكستاني في الاقليم وسقط السوفيت في مستنقع الحرب وهزم هزيمة كبيرة استدعت تفكيك الاتحاد وتبعثر دوله، هنا لم يصبح دور باكستان مهما او استراتيجيا، فبدأ التحرك من اجل احتواء الموقف بعد ان تمدد نفوذ باكستان للسيطرة على افغانستان بما تحويه من امكانيات مذهلة.. فكان ضروريا ان يتم تخيير باكستان اما ان تسير ضمن المخطط الامريكي برمته او يتم توجيه ضربات مباشرة لمؤسساتها.. سار الباكستانيون في المخطط الامريكي باحتلال افغانستان وقدموا كل ما هو مطلوب.. الا ان المسألة لا تقف عند هذا الحد، فينبغي ان يتم استرداد كل ما تحصلت عليه باكستان في مرحلة سابقة.. لا سيما سلاحها النووي الذي تحوك حوله اجهزة الامن الاسرائيلية.. وتواجه باكستان الآن احتمالات خطيرة تستهدف وحدتها الترابية والسكانية، فيما وجه الافغان ضربات في الصميم للاستراتيجية الامريكية وهم على وشك انجاز مهمة تحرير بلدهم .. ولا يخفى على احد ان طالبان تسير ضمن استراتيجية مشتركة مع باكستان فهي وليدة تكوين المخابرات الباكستانية. * اما المنطقة العربية التي تقع في القلب من العالم الاسلامي روحيا وجغرافيا واستراتيجيا.. فإنها تعتبر اقليما جامعا بقضاياه وهمومه ونهضاته لأطراف الامة الاسلامية، وهنا كان المخطط الغربي يتجه بشراسة وتفصيل لتحطيمه على محاور عديدة وإرباكه واستزافه بعد ان قطعوا اوصاله وجزأوه وربطوه بأزمات محلية مصطنعة.. ووضعوا في القلب منه الازمة الاسرائيلية لإرهاقه وإشغاله عن نهضته ومحاولة تملكه ثرواته وتحركه من اجل وحدة الامة ونهضتها وامتلاك ناصية التكنلوجيا.. وبعد ان قطعوه اربا لا زالوا يواصلون تفتيته.. نظر الغرب الى العرب على اعتبار انهم هم سدنة الاسلام ومالكو كلمة السر فيه.. وفي المنطقة العربية تقع عدة بلدان فيه موقع الاعمدة التي تقيم البنيان كله: مصر والعراق والجزائر ويمكن اضافة السعودية لمكانة تلك الديار الروحية وللثروات الهائلة التي تحتويها. ولقد اوكل لإسرائيل مهمة استفزاز العرب جميعا بلدا بلدا من جهة ولكن في ظل اشغال كل بلد بقضية محلية او اقليمية هذا من جهة في حين تم توجيه ضربات صاعقة لأعمدته سقطت مصر بسببها في كامب ديفد وسقط العراق في الاحتلال وكادت الجزائر ان تسقط في دوامة العنف الارهابي الذي كانت اسرائيل والغرب يشرفان عليه. * هكذا يتضح المشهد.. ان الامة تقف الآن امام مصيرها.. انه مواجهة الخطر الصهيوني والغربي، ولا يكون ذلك الا بالتوحد والتضامن.. وهكذا تصبح فلسطين كلمة السر والاسمنت المسلح لنهضة الامة وكرامتها وعزتها.