200 مليون دولار تكاليف إنجاز ورشة للصيانة لم تقم بدورها تكشف صورا بحوزة "الشروق" مدى فداحة الخسائر التي تتكبدها شركة الخطوط الجوية الجزائرية، جراء الإهمال الذي تتعرض له طائرات من الأسطول القديم للشركة، بعد أن قرر القائمون على "الجزائرية" الاستغناء عن طائرات لا تزال صالحة للخدمة. ويتكون الأسطول الذي يعاني الإهمال والمعرض للتلف الكامل، من 26 طائرة من نوع بوينغ 727 و737 توجد في وضعية متردية بمطار هواري بومدين، في انتظار التخلص منها وبيعها بحجة قدمها وعدم صلاحيتها للاستعمال، وهو الموقف الذي تبلور لدى القائمين على "الجزائرية" بعد تجديد أسطولها . وتظهر الصور المشار إليها، الإهمال في أبشع حالاته، بحيث تبدو طائرات بعلامة الخطوط الجوية الجزائرية وهي في حالة جد متدهورة، منها الموجودة داخل المستودع، ومنها المرمية في العراء تتعرض لمختلف أشكال العوامل الطبيعية، إضافة إلى قطع غيار جد ثمينة، يفترض استعمالها في صيانة الطائرات التي تعاني من أعطاب * * * . * ومن أبشع الصور، صورة تبدو فيها طائرتان، الأولى طائرة ضخمة من نوع بوينغ 737، وإلى جانبها طائرة صغيرة الحجم، يرجح أن تكون من نوع "أ تي آر"، إلى جانب الأرضية المحادية لمدرج مطار هواري بومدين الدولي، وقد غرقتا وسط الحشيش وأكوام من قطع الغيار المهملة والخردة. * * وتبرز صورة أخرى خمس طائرات من الحجم الكبير، من طراز بوينغ 727 و737، إلى جانب سلالم تستعمل في الصعود للطائرات وهي في وضعية جد متدهورة وفي مرحلة متقدمة من التلف، بعد أن فقدت قوائم العجلات، وبجانبها شاحنات لنقل القمامة، أما صورة أخرى فتظهر مجمعة من الطائرات مختلفة الأحجام وقد فقدت بعضا من أجزائها، وأخرى قد هوت مقدمتها على الأرض بعد أن فقدت دعامتها. * في حين تظهر صورة أخرى، قطع غيار، هي عبارة عن "توربينات" داخل مستودع الدارالبيضاء، وقد امتلأت بالغبار وعلاها الصدأ، أما الصورة الموالية فتبرز أكواما من قطع الغيار وهي مرمية خارج المستودع وسط الأعشاب، وبجانبها حاويات مفتوحة جزئيا وبداخلها قطع غيار تبدو صالحة للاستعمال، غير أنه اتضح بأنها لا تلقى العناية اللازمة من الجهات المعنية، بالرغم من إمكانية توظيف قطع الغيار هذه في الطائرات التي تستعملها الخطوط الجوية الجزائرية حاليا، في حال تعرضها لأعطاب. * * وكان من المقرر أن تبيع الخطوط الجوية الجزائرية لشركة ليبية خاصة، الطائرات ال 26، غير أن العملية اقتصرت على أربع طائرات فقط، علما أن عملية البيع هذه شابها الكثير من الغموض وتتطلب تحقيقا معمقا من طرف السلطات المعنية في خبايا هذه العملية. * وكشفت مصادر من داخل الخطوط الجوية الجزائرية أن عملية البيع التي تمت بين "الجزائرية" وشركة ليبية خاصة، ومست أربع طائرات من الحجم الكبير، كلفت الخزينة العمومية، خسائر فادحة، تقدر بما يعادل 45 مليون دولار، على اعتبار أن القيمة المقدرة للطائرات التي تم بيعها تقدر ب 60 مليون دولار، في حين أن ما تحصلت عليه الشركة، لم يتعد 15 مليون دولار فقط، في واحدة من أكبر الفضائح التي تنام عليها كبرى المؤسسات الوطنية الناشطة في مجال النقل الجوي. * وقد عبرت مصادر من داخل شركة الخطوط الجوية عن استغرابها من ترك عتاد ومعدات المؤسسة عرضة للتلف، في الوقت الذي كان يتعين على المعنيين إخضاع ما يقارب ثلاثين طائرة للصيانة، وإلا ما جدوى صرف "الجزائرية" لما يعادل 200 مليون دولار على ورشة الصيانة وأعباء تكوين تقنيين للإشراف على هذه الورشة، إذا كانت لا تقوم بالدور المنوط بها. * وترفض المصادر التي تحدثت إلى "الشروق" المبررات التي ساقها القائمون على الشركة بشأن بيع الأسطول القديم، وتؤكد بأن هذا الأسطول لا زال صالحا للخدمة في ظل احترام شروط الصيانة، مستدلة بكون العديد من شركات الطيران الدولية لا زالت تعتمد على طائرات البوينغ، وعلى وجه التحديد طائرة البوينغ من طراز 737، التي تعتمد عليها الرئاسة البرازيلية في تنقل رئيس هذه الدولة. * وبحسب المصادر ذاتها، فإن شركة الخطوط الجوية الجزائرية، كان بإمكانها توفير تكاليف شراء ال 11 طائرة التي أعلنت عنها في 2009، والمقدرة بحوالي 600 مليون دولار، لو استغلت ورشة الصيانة التي تتوفر عليها، علما أن قيمة المحرك الواحد يقدر بثلاثة ملايين دولار. * ويضم أسطول شركة الخطوط الجوية الجزائرية حاليا 33 طائرة من مختلف الأحجام، وهو أقل من أسطول المملكة المغربية الذي يحصي 40 طائرة، بالرغم من الفارق في الدعم الذي تتحصل عليه الشركتان من المال العمومي. * * * المدير التقني بالجوية الجزائرية، سفيان بوشوشي ل "الشروق": * * "فشلنا في بيع الأسطول القديم مرتين وسنحاول للمرة الثالثة" * * * * قال سعد الدين سفيان بوشوشي، المدير التقني بشركة الخطوط الجوية الجزائرية، إن الطائرات التي تبدو في حالة متردية في أحد أجنحة المطار تنتمي للأسطول القديم للشركة، الذي تقرر وضعه خارج الخدمة في ديسمبر 2004. * وأوضح المسؤول ب "الجزائرية" في لقاء مع "الشروق" أن الأسطول القديم يتكون من أكثر من عشرين طائرة، وقد تم عرضه للبيع في مناسبتين، غير أن العمليتين باءتا بالفشل، بسبب عجز المتعاملين الأجنبيين في احترام دفتر الشروط والوفاء بالتزاماتهما. * وذكر بوشوشي أن عملية البيع الأولى بدأت في ماي 2005، وكانت مع شركة تابعة للقانون القبرصي، بعض أسهمها مملوكة من طرف ليبيين، غير أن العملية توقفت في ديسمبر من السنة ذاتها، إثر عجز هذا المتعامل عن استكمال عملية الدفع، ولكن بعد أن حصل على خمس طائرات، دون تفاصيل إضافية حول دقة ما أخذته الشركة القبرصية، لعدم اطلاع المتحدث على تفاصيل الصفقة، كونه لم يكن مسؤولا عن الإدارة التقنية في ذلك الوقت. * ولم يتمكن المسؤول التقني من تقديم قيمة الصفقة وما حصلت عليه الشركة الجزائرية من عملية البيع بعد وقف العملية، لكونه لم يكن مسؤولا في هذا المنصب في ذلك الوقت، غير أن مصادر على علاقة بالملف قالت إن العملية لم تجن منها "الجزائرية" سوى 15 مليون دولار، علما أن تقديرات المختصين تحدثت عن 60 مليون دولار كقيمة للطائرات التي بيعت. * * أما عملية البيع الثانية، فكانت في سنة 2008 مع شركة خاضعة للقانون الهولندي يملكها شخصا من أصول جزائرية، وقدرت قيمة الصفقة ب 12 مليون دولار، غير أن العملية توقفت في 2010، بسبب الصعوبات التي واجهها المتعامل الهولندي في توفير المبلغ المحدد في دفتر الشروط، بحسب المدير التقني، الذي أكد بأن شركة الخطوط الجوية استفادت من مبلغ 2 مليون دولار، تمثل قيمة الأعباء المترتبة عن إلغاء الصفقة. * * ويؤكد سفيان بوشوشي أن الشركة لا زالت تنتظر انتهاء المهلة التي تخول المتعامل الهولندي الطعن في قرار فسخ الصفقة، حتى يتم عرض الأسطول القديم من جديد للبيع، علما أن هذا الأسطول يتكون من أزيد من عشرين طائرة، من مختلف الأحجام والماركات، منها طائرات من نوع "إيرباص 200 310 A" كبيرة الحجم، وأخرى من نوع بوينغ 737 وبوينغ 727، إضافة إلى طائرات صغيرة الحجم من نوع "ATR"، وأخرى من نوع فوكير. * ولتجاوز الفشل المستمر لعمليات البيع، أوضح بوشوشي أن الشركة قررت الفصل بين الطائرات وقطع الغيار في عمليات البيع المستقبلية، في محاولة للتسهيل على الراغبين مستقبلا في اقتناء الأسطول القديم. * وردا على سؤال حول إمكانية تأهيل بعض الطائرات الموجهة للبيع وضمها إلى الأسطول الحالي للجوية الجزائرية، أكد المتحدث أنه تقرر استرجاع أربع طائرات فقط من مجموع أزيد من عشرين طائرة، مرجعا السبب للتكاليف الباهظة التي قد تسببها عمليات صيانة الطائرات المتبقية، التي تبدو في وضعية جد متدهورة. * طائرات ليبية وسودانية بوحدة الصيانة * خلال زيارتنا لوحدة الصيانة التابعة للخطوط الجوية الجزائرية، وجدنا طائرتين تابعتين للخطوط الجوية السودانية قيد الصيانة، واحدة انتهت بها الأشغال والأخرى لا تزال، كما أكد مدير المصلحة التقنية أن الوحدة كانت قد انتهت أيضا من صيانة طائرات ليبية، لكن بالمقابل تبقى الكثير من الطائرات الجزائرية جاثمة وهي في وضعية متردية. * * والسؤال الذي لا زال بحاجة إلى إجابة شافية، هو لماذا لم توجه طائرات من الأسطول القديم إلى الصيانة، سيما وأن بعضها يبدو قادرا على الاستمرار في العمل؟