"خاتم الخطوبة" هو أوّل عَرَابين الزّواج التي يتبادلها المتواعدون بالرباط المُقدّس، وهو "عقد غير مُسجّل" يتفق عليه المتواعدون، وقد يُعدّ المساس به، كخلعه مثلا، مسّا بالوعد... لذلك يحرص الكثيرون على أن لا يخلعوا هذا الخاتم غير أنّ آخرين لا يكترثون برمزيّة هذا الخاتم فينزعونه دون أن تتحرّك فيهم شعرة... لكن في الجهة المقابلة لهذه الصّورة، يُصرّ بعض غير المُرتبطين وغير المرتبطات بخطبة أو بزواج، على ارتداء هذا الخاتم ولهم في ذلك أسبابهم. نادية سليماني هذه المُفارقة الغريبة في التّعامل مع رمز كبير من رموز الزّواج، جعلتنا نُهرول إلى أصحاب القضيّة لنسألهم عن خلفيّات ما يجري، فكان هذا الاستطلاع. يعتبر خاتم الخطوبة ذكرى خالدة بين المرتبطين خطيبيْن كانا أم زوجين، تُحيط اصبعيهما إلى الأبد، فتذكّرهما دائما بهذا الارتباط. حكاية خاتم الارتباط لخاتم الخطوبة أو الزواج قصّة ترجع إلى آلاف السّنين فقد قيل إن أوّل من ابتدعها هم الفراعنة ثم ظهرت عند الإغريق، وقيل إن أصلها مأخوذ من عادة قديمة تقضي بأن توضع يد الفتاة في يد الفتى ويُضمّان قيدا حديديا عند خروجهما من بيت أبيها، ثم يركب هو جواده وهي سائرةٌ خلفه ماشيةً بهذا الرّباط إلى أن يصلا إلى بيت الزوجية. أمّا عادة لبس الخاتم في بِنصر اليد اليُسرى فمأخوذة من اعتقاد الإغريق أَنّ عِرْق القلب يمرّ بهذا الإصبع، وأشدّ الناس حرصا على ذلك هم الإنجليز، وقيل إن خاتم الخطبة تقليد نصراني، وقد أخذ المسلمون بهذه العادة بصرف النظر عن الدّافع إليها وحرصوا أن يلبس الطرفان الخاتم. الخاتم... طعم للاصطياد ودرعٌ للوقاية أيْضا أما في وقتنا الحاضر فلم يعد للخاتم أي اعتبار يذكر، فبمجرد انتهاء مراسيم الخطوبة تنزع الخواتم من الأصابع، سواء بحجة القيام بأمور التنظيف وأشغال البيت لدى الفتيات، فينزعن الخاتم ويخبئنه في مكان آمن، أو بِحجة عدم التعوّد على وضع خاتم في اليد عند الرجال، وهو عذر أقبح من ذنب لأن بعض الرجال يتخلون عن خواتمهم ليخفوا زواجهم عن بعض المعجبات، فيظهرون بمظهر العزاب لتطمع الفتيات بالزواج منهم. فمنذ زواجه الذي يقارب خمس سنوات لم يرتد »محمّد« الخاتم ويوهم كل فتاة يصادفها بأنه من العزاب، لدرجة تكوينه عدة علاقات مع فتيات، وهو غير مُبالٍ بعواقب هذا السلوك وكأنّه لايزال في مرحلة ما قبل الزّواج! وحتى الفتيات المتزوجات يتخلّيْن عن خواتمهن في بعض الظّروف أهمّها على الإطلاق، البحث عن منصب شغل لأن بعض أرباب العمل من ضِعاف النفوس يمتنعون عن توْظيف المُتزوّجات لأنهن"فريسة" صعبة المنال. أمّا ظاهرة ارتداء بعض العُزاب لخواتم في أيديهم، فهي مثير للغرابة حقّا، يقول "مسعود" الذي لا يفارق خاتم فضّيٌّ اصبع يده اليسرى منذ عشر سنوات، بأنّ هذا الخاتم بات ضرورة في هذه الأيّام للرّجال كما للنّساء من غير المتزوّجين، فالحياء صار عملة نادرة عند الكثيرين، والمُضايقات المُباشرة وغير المباشرة التي يتعرّض لها الرجال كما النّساء صارت كثيرة وهذا الخاتم هو طريقة مُؤدّبة لردّ هذه المضايقات... لقد لمستُ ذلك لعشر سنوات". ويتذكّر مُحدّثنا عندما قصد صديقه الصّائغي "مُراد" قبل عشر سنوات ليصنع له خاتما فيقول "صديقي مراد متزوّج وهو جاري، وله ابن، عندما طلبت منه خاتما قال لي لماذا تريده، قلت لألبسه، فقال هل تُريد أن تقتُل نفسك!!" ويُضيف مسعود بأنّه استغرب هذه الإجابة في بادئ الأمر، لكنّه لم يلبث أن أدرك بأنّ الخطبة أو الزّواج لا تعني شيئا بالنسبة لبعض النّاس... وقد صُدم مسعود لسلوك مراد! "باديس" صدِيق "مسعود" يبْلغ 23 سنة من العمر، يقول بأنّه يتّفق تماما مع ما قاله مسعود، فلم تمضِ سنة مُذْ وضع باديس خاتما في بنصره بعد أن رأى تلك المضايقات، ويُؤكِّد بأنّ صديقه نصحه بالخاتم وقد كان للنّصيحة ثمارها. من ناحية أخرى تلجأ فتيات عازبات لم يسعِفهُنّ الحظ للظفر بعريس لارتداء خاتم لكن بغرض التباهي والظّهور بمظهر المتزوّجات أمام الآخرين، غير أنّ هناك أخريات يلجأن على ارتداء الخاتم تفاديا للمضايقات، والظّاهر أنّ هَذا الأسلوب كان له أثره البالغ في صدّ تلك الممارسات، لكنّ السّؤال الذي يبقى بعلامات استفهام كبيرة وخطيرة هو: لماذا ينزع المُتزوّجون والمتزوّجات خاتم رباطهم المُقدَّس من أصابعهم!!؟ هل للأمر علاقة بمدى اقتناع الطرفيْن ببعضهما؟ .