فقد سكان مدينة الكاف التونسية هذه الأيام ، كل معاني الحياة الآمنة المستقرة ، بعد أن أنهكت الأخبار المنتشرة مع كل صبيحة أفكارهم ، بشأن تزايد نشاط عصابات مجهولة ، تستغل الظروف الأمنية الغير مستقرة لمداهمة المنازل والمساحات التجارية الكبرى التي يتزود منها المواطنون بمختلف المواد الغذائية في الليل وحتى في ساعات النهار ، بل أن المقاهي والمحلات الصغيرة والمطاعم لم تسلم من سطو هاته العصابات التي تحوٌلت إلى هاجس حقيقي بالنسبة لكل سكان مدينة الكاف وسكان باقي المدن التونسية الواقعة على الشريط الحدودي مع الجزائر، والذين لم يشفع لهم الحضور الكثيف لأفراد الجيش الوطني المتمركزين على جوانب الإدارات العمومية وبعض المؤسسات الإقتصادية التي لم تطلها بعد أيادي النهب والتخريب ، خاصة منها البنوك
* وأمام تمادي هذه العصابات المجهولة التي لم تتمكن اللجان الشعبية من صدها أو حماية السكان من بطشها ، في ظلٌ الغياب التام لرجال الشرطة الذين تم ترحيلهم من المنطقة على خلفية أحداث يم السبت الماضي ، لجأ المواطنون المرعوبون إلى ابتكار عدٌة وسائل لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من أي هجوم محتمل ، انطلاقا من التضامن الواسع بين الجيران ، حيث يعتمد الجميع على تفريغ ما تمتلكه كل عائلة من مؤونة ومواد غذائية وجمعها في مسكن واحد تجتمع فيه العائلات لقضاء الليل ، فيما يتكفل الشباب من أبناء العائلات المجتمعة في مسكن واحد بحراسة مداخل الحي والإستنجاد بقوات الجيش عند الضرورة ، بعد أن يقوموا في المساء بجمع الحطب واختيار الهروات والقضبان الحديدية وجردها وتوزيعها فيما بينهم ، على اعتبار أنها السلاح الوحيد الذي قد يمكنهم من صد هجمات العصابات التي أخذت من الجبال المحيطة بالمدينة مأوى لها . وأغرب ما استوقفنا في مدينة الكاف هو انتشار ظاهرة سد أبواب المحلات التجارية وغلقها بالطوب والإسمنت ، بعد أن أصبحت الستائر الحديدية والأقفال لا تكفي لحماية المخازن من سطو العصابات التي أفرغت المدينة تقريبا من كل المواد الغذائية ، وهو ما وقفنا عنده ميدانيا ، ليخبرنا البعض أن أهل الكاف أصبحوا يعيشون على الخبز والحليب بعد أن أجبرتهم الظروف على لذلك . بينما ذكر لنا عدد من التجار أحدهم صاحب مساحة كبرى للمواد الغذائية لم يبق منها سوى الرفوف والجدران وبعض الأشياء غير المهمة أن مجموعة يفوق عدد أفرادها العشرة أشخاص مدججين بمختلف الأسلحة البيضاء من سكاكين وهراوات هاجموا محله المتواجد وسط المدينة في وضح النهار يوم الأحد الماضي وأخذوا منه كميات معتبرة من مختلف المواد الغذائية ، فيما ذكر تاجر آخر أن هؤلاء الأشخاص هم من سكان القرى المتواجد على أطراف مدينة الكاف وقد يكونوا أيضا من المدن الأخرى القريبة ، واستغلوا الظروف الأمنية المتردية للسطو على المحلات للتزود بالمؤونة والأغذية بالقوة بعد أن افتقدوا لذلك في مقرات إقامتهم ، بسبب نقص التموين والفقر . وأضاف محدثنا انه مع كل ليلة يتم نصب حواجز مزيٌفة وسط الطرقات من طرف سكان القرى والمشاتي النائية للسطو على أموال وممتلكات العابرين من اصحاب المركبات ، ليفرضوا بذلك نوعا آخر من حظر التجوٌل على المواطنين الذين أصبح ممنوع عليهم سلك الطرقات ليلا ، بسبب هاته العصابات فيما لم تعد دوريات قوات الجيش كافية لتأمين كل شوارع وأحياء المدينة ، ناهيك عن الطرقات المتواجدة خارج المحيط العمراني . وحتى الفنادق لم تسلم من سطو هاته العصابات التي تأخذ كل ما يأتي في طريقها حيث أن أغلب الفنادق جندت شبانا لحراستها ليلا بالسكاكين والهراوات ، بعد أن تغلق أبوابها باللاسل مع عصر كل يوم ، ولا تفتح إلاٌ بعد التأكد من هوية قاصديها .