السلطات الجزائرية وثلاثي الائتلاف الذي تستمد منه شرعيتها السلطوية ورئيسا البرلمان لم يكتفوا بالوقوف ضد الثورات العربية الحاصلة هنا وهناك في الوطن العربي من أجل التغيير والتحرر من هيمنة الأنظمة العربية المتخلفة، بل يذهبون إلى معايرة كل من تسول له نفسه، من الشباب الجزائري، الاهتمام بهذه الثورات أو محاولة فهمها ولو من باب الفضول وحب الإطلاع. فبعد اعتراف الأرندي بأن الإجراءات الأخيرة المتخذة في اجتماع مجلس الوزراء تهدف إلى إبعاد شبح هذه الثورات قدر الإمكان، وبعد ذهاب قيادة الأفلان وعبد العزيز بلخادم إلى اتهام الإصلاحيين والمتمردين عليها من الداخل بالاقتداء بالثورات الطفولية العربية، وبعد اتهام الويزة حنون للرأسمالية والإمبريالية العالمية بالوقوف وراء الثورات العربية للتشويش على الأنظمة الوديعة، وبعد دعوة كل من رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني في افتتاح الدورة الربيعية الحالية للبرلمان كافة أفراد الشعب الجزائري إلى التحلي باليقظة لتجنب انتقال عدوى الثورات العربية، وكأن أفراد الشعب الجزائري هم أعضاء البرلمان المستفيدون من أجر شهري ب40 مليون سنتيم، أي ضعف الأجر القاعدي بحوالي 35 مرة بدل النواب القابعين تحت قبة البرلمان بناء على الانتخابات المزورة وتوزيع العضوية بالكوطات والأقساط دون فعل شيء ماعدا تزكية سياسات حكومة التحالف الرئاسي في ممارسة الفساد والإسراف والتبذير وزيادة أعباء المجتمع والتضييق على حرياته وحقوقه.. بعد كل هذا ها هو أبو جرة سلطاني ثالث ثلاثة الائتلاف يعيًر الشباب الجزائري بالإنبهار بالثورات العربية، على الرغم من أن هذا الشباب لم يحرك ساكنا حتى الآن ولم يعر أي اهتمام لهذه الثورات، ويتهمه بأنه يتبع الموضة وينساق وراء التقليد، ويصف الثورة، خاصة في تونس ومصر بأنها ثورات للتهديم وليس للبناء، وكأنه يدعو الشباب الجزائري إلى التقيد والانبهار فقط بالأوهام والوعود التي يساهم الائتلاف في الترويج لها من قروض بالملايير ومناصب شغل بالملايين ومساكن بمئات الآلاف ما لم يتحقق خلال عشرات السنين من الاستقلال أو على الأقل منذ سنة ألفين التي شهدت بداياتها انطلاق العمليات المقننة والمدروسة لدمار الاقتصاد الوطني الذي وقع له تماما ما وقع للاقتصاد الروسي قبل ذلك بقليل مع الرئيس يلتسين، خاصة من حيث استيلاء المافيا والانتهازيين على المؤسسات العمومية بالدينار الرمزي بكل ما حقن فيها من أموال طائلة بحجة إنقاذها وإعادة تأهيلها، ومن حيث تدمير أدوات الإنتاج الوطني التي كانت قائمة. وخلاصة هذه التصرفات غير المحسوبة وسياسة الهروب إلى الأمام والضرب في الخاطئ بدل الاتجاه في اتجاه ما تتطلبه المرحلة من إصلاحات سياسية وإرجاع الحقوق إلى أصحابها والمياه إلى مجاريها، هي نفسها تحريض على الثورة والتمرد والشغب من خلال استفزاز المشاعر وممارسة سياسة التعالي والاحتقار، وليس الثورات العربية التي يبدو أن بينها وبيننا مسافات ومسافات، ولكن النظام وأحزابه يريد أن يجعل منها رغم أنفها ذريعة لمواصلة ممارساته البالية.